بقلم:آخر ماكان يمكن أن يتوقعه كل حاضر في ميدان التحرير من مختلف التيارات السياسية والطائفية خلال ال18 يوما المجيدة لثورة25 يناير- والجميع يهتف هتافات وطنية, والمصاحف ترفع إلي جانب الأناجيل. ويشارك اليساري والليبرالي والإسلامي في صياغة الشعارات الوطنية ويردد الجميع أيد واحدة و ارفع راسك فوق أنت مصري- أن ينتهي الحال بعد أشهر معدودة بمحاولة تيار سياسي واحد الاستحواذ علي الثورة والدولة. كذبت كل التيارات أعينها في أول جمعة بعد تنحي الرئيس السابق(18 فبراير2011) وهي تري استحواذ الإسلام السياسي علي منصة التحرير وإزاحة كل التيارات الأخري من عليها, ورفضت في حينه تفسير هذا المشهد بوصفه مؤشرا علي سياسات استحواذ وإقصاء قادمة. لكن مسار الحوادث لم يقدم تفسيرا غيره, خاصة بعد ماتلي ذلك من تقسيم للأمة في استفتاء19 مارس2011 علي التعديلات الدستورية, فيما سمي ب غزوة الصناديق وتأجيل وضع الدستور أولا إلي آخر مايمكن تسجيله في هذا الشأن, من أجل محاولة السيطرة علي مؤسسات الدولة قبل وضع الدستور الجديد. بموازاة ذلك المسار بدأت قوي ثورية وسياسية تنفض من حول السلطة التي أنتجتها الثورة, ومن بينها قوي دعمت المرشح الرئاسي محمد مرسي قبل انتخابات الإعادة, وانتقدت بعد فوزه عدم الوفاء بالتعهدات التي أبرمت قبل فوزه, فيما يعد نموذجا لتباعد مسافات مرشحه للاتساع. هذان المساران مرشحان للصدام بعدما أوصل المسار الأول الحالة السياسية في البلاد لأن تشهد طرح شكوك حتي من جانب بعض من كانوا بالميدان خلال تلك الأيام المجيدة فيما إذا كان ماحدث في25 يناير ثورة أم انتفاضة شعبية.. أم ثورة ناقصة.. أم ثورة وطنية شارك فيها الجميع وحصد ثمارها تيار سياسي واحد؟!.. وكذلك طرح تساؤلات: لماذا خرجنا ومن أجل من ذهبت دماء الشهداء؟! الشاهد أن الثورة بدأت وطنية بمشاركة جميع الأطياف, لكن اختلف تعريف كل طرف لماحدث في25 يناير كما اختلف الهدف النهائي منها عند كل الأطراف, فالقوي الثورية التي فجرتها اعتبرت هدم النظام السابق وبناء وطن للجميع ونظام سياسي يحقق العدالة الاجتماعية ويحترم الكرامة الإنسانية ويحمي الحريات هدفا نهائيا..والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي انحاز للثورة والشعب اعتبر إجهاض مشروع التوريث هدفا نهائيا.. وأخري اعتبرت أنه بفوزها ببرنامج في قناة فضائية فإن أهداف الثورة قد تحققت!.. أما جماعة الإخوان ثم حزب الحرية والعدالة فقد اعتبر وراثة النظام السابق هدفا نهائيا.. أما الشعب فلايزال ينتظر. يغيب الوفاق والتوافق بين القوي السياسية المدنية والثورية من ناحية, وبينها وبين الجماعة والحزب من ناحية أخري, ومن ثم فإن نفي وجود نوايا للسيطرة والاستحواذ ومحاولة إخراس الألسنة والهجوم علي المعارضة والإساءة إليها بنفس أساليب النظام السابق التي عانت منها الجماعة نفسها لن يحل المشكلة بل سيزيد فجوة انعدام الثقة اتساعا وعمقا. ......... بينما كان مخطط توريث السيد جمال نجل الرئيس السابق حسني مبارك منصب الرئيس يجري تنفيذه علي قدم وساق علي رءوس الأشهاد, اتبع والده ورجاله تارة سياسة تكذيب ونفي وجود أي نوايا أو مخططات لتوريث نجله السلطة, ووصفوا أي حديث عن سيناريو التوريث بأنه نسج خيال وكذب محض, واعتبروا أي متحدث به من مروجي الشائعات ومعارضي الشرعية وتعقبوه بالدعاوي القضائية, وتارة أخري اتبعوا سياسة القتل بالإهمال علي طريقة الكلاب تعوي والقافلة تسير. لكن لا الشعب صدق, ولا فصائل المعارضة كذبت نفسها وهما يريان الحزب الوطني المنحل يعد المسرح لاستقبال نجل الرئيس رئيسا, وقطار التوريث يكاد يصل إلي محطته الأخيرة, فميراث النظام من تلال الكذب علي الشعب ثقيل, بدءا من رفع شعار طهارة اليد في البداية وحتي قول رأس النظام لم أكن أنتوي الترشح وهو يشرف علي النهاية محاولا إنقاذ نفسه, وعندما وقعت الواقعة, وقضي الأمر تهافتت الاعترافات من قيادات النظام السابق ورجاله لمحاولة إبراء الذمة. علي نفس المنوال تنتهج جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة نفس السياسات في التعامل مع الحديث الدائر عن أخونة الدولة الذي يتجلي في مظاهر عديدة يغلفها مناخ الدعوة لإثبات الولاء للسلطة الجديدة, وحديث بعضهم صراحة عن أن تولي كوادر الإخوان مناصب في مؤسسات الدولة حق, وأن التفريط في ذلك جريمة, ناهيك عن إحياء هذا المناخ بعد ثورة!- لتطلعات المنافقين والمؤلفة قلوبهم, والخشية في أجواء كهذه أن تعاني مصر بعد الثورة من ظاهرة شكلت إحدي سمات النظام السابق وهي ظاهرة التبوؤ اللاإرادي التي دفعت شخصيات لا تاريخ لها إلي تبوؤ مناصب عليا في البلد قبل ثورة يناير. في ظروف كهذه تبدو فرص الانقضاض علي الثورة من جانب بقايا النظام السابق والمتربصين بها مثالية, فمن نتائج مسار الحوادث خلال ال18 شهرا الماضية أن أعادت إلي الأذهان ثنائية النظام السابق.. نظام مبارك في الحكم والجماعة في المعارضة, وتطرح التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الثنائية لاتزال تحكمنا لكن بشكل معكوس, الجماعة في الحكم وبقايا النظام السابق تتربص بينما الثورة تترنح, فقد كان بناء نظام سياسي جديد يقينا لدي كل من كان بالميدان خلال الثورة, بل يقين لدي كل مصري, وبعد18 شهرا من الثورة صار تحقيق الحلم محل شك, وباتت المسافة لدي البعض تقترب من البكاء علي عهد مبارك, ولأننا بأي مقياس أفضل حالا من عهد الرئيس السابق فإن المسافة تقترب- بسبب سياسات الاستحواذ والإقصاء- من اندلاع الغضب مرة أخري. ومن ثم فقد ألقي القدر علي الرئيس محمد مرسي وحكومته برئاسة الدكتور هشام قنديل مسئولية تاريخية لحماية الثورة من أعدائها, ومن بعض أصدقائها علي السواء وبعضهم يملأ الفضائيات والإنترنت بتحديث نظرية الاستحلال وبممارسة تشويه السمعة والاغتيال المعنوي علي طريقة كتائب الحزب الوطني المنحل حتي ضد من وقفوا مع مرشح الجماعةالرئاسي, لأنهم تجرأوا علي انتقاده, وذلك بأن يتحرر الرئيس وحكومته من أي التزامات هنا أو هناك وفاء لشهداء قدموا أرواحهم فداء للوطن من أجل تحقيق حلم التغيير, فالجميع مستعد للتكاتف معهما لتحقيق أهداف الثورة, وليس من أجل تحقيق أهداف تيار سياسي معين. ولأننا مازلنا في المرحلة الأولي للثورة.. فإن النقد فريضة والمراجعة واجبة, والحوار ضرورة, ولذا أيضا فإن الفرصة لاتزال متاحة أمام الرئيس والحكومة.... فالثورة كسرت حاجز الخوف, ومن لم ينافق نظام مبارك وحزبه لن ينافق الرئيس مرسي وجماعته وحزبه. تمر الثورات بمراحل, وقد تقفز مرحلة علي أخري, وقد تطول عمر مرحلة عن أخري وفي بعض الأحيان تموت, لكن ثورة25 يناير ثورة لن تموت لأن وقودها كان ولايزال الشباب الطامح في العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والمساواة وعدم التمييز. الرسالة عنوانها معروف.... قصر الرئاسة رئيس كل المصريين آملين ألا ترد الرسالة لأصحابها للسبب المألوف لم يستدل علي العنوان! أيضا أمام جماعة الإخوان المسلمين فرصة لكتابة تاريخ جديد لها لبناء وطن يتسع للجميع, فمصر بتنوعها وتعدديتها عصية علي الهضم.