أحد ملوك الدنيا, وادعي لنفسه الربوبية, قيل إنه النمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح ويقال: نمروذ بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ. ذكر أن النمروذ استمر في ملكه أربعمائة سنة طغي وبغي وتجبر وآثر الحياة الدنيا علي كل شيء. ورد في قصة المناظرة في كتاب من قصص الأنبياء إنه لما دعا إبراهيم عليه السلام الملك النمروذ إلي عبادة الله وحده لا شريك له, حمله الجهل والكبرياء والضلال وطول الآمال في ملكه علي إنكار الصانع, رغم أن الله آتاه الملك وكفر بنعم الله وأنكر وجوده, فقابل الجود والإحسان من الله بالكفر والطغيان وطلب من إبراهيم عليه السلام أن يأتيه بدليل علي وجود الإله الذي يدعو إليه فأبطل إبراهيم عليه دليله لكثرة جهله وقلة عقله فرد عليه( ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت), روي أنه دعا رجلين قد استحقا القتل فأمر بقتل أحدهما فيقتل, وأمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل, ولكنه من جهله, اعتقد أن ما فعله هذا هو إحياء وإماتة ولكن إبراهيم عليه السلام كان يقصد الإحياء أو الوجود من عدم, وأنه المتصرف في الوجود في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته, ولما رأي الخليل حماقته ومكابرته, انتقل إلي حجة أشد وأقوي فقال له( قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) أي أن هذه الشمس مسخرة كل يوم أن تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها وهو الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء, فإن كنت تزعم أنك الذي يحيي ويميت فأت بهذه الشمس من المغرب فإن الذي يحيي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب, وقد قهر كل شيء ودان له كل شيء, فإن كنت كما تزعم فافعل هذا, وإن لم تفعل فلست كما زعمت, وأنت تعلم أنك لا تقدر علي شيء من هذا, بل أنت عاجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر منها, فلما أفحمه وأظهر له أنه لا يقدر علي المكابرة في هذا المقام بهت, أي خرس, فلا يتكلم بعد إقامة هذه الحجة, تبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه وبطلان ما سلكه وتبجح به ولم يبق له كلام يجيب به علي إبراهيم عليه السلام. وبعد فترة وجيزة بعث الله إلي النمروذ, ملكا يأمره بالإيمان بالله فأبي, ثم دعاه الثانية فأبي عليه ثم دعاه الثالثة فأبي عليه وقال: أجمع جمعك وأجمع جموعي. فجمع النمروذ جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس, وأرسل عليه ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ومصت دماءهم وتركتهم عظاما بادية, ودخلت واحدة منها في منخر الملك النمروذ فمكثت في منخره سنين طوال, عذبه الله تعالي بها, فكان يضرب رأسه بالمرزاب في هذه المدة كلها, حتي أهلكه الله عز وجل بها.