يذهب الكثيرون من المؤرخين والباحثين إلي أن شهرة المفكر السوري عبدالرحمن الكواكبي ترجع إلي كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، حيث يتضمن هذا الكتاب مجموعة من المقالات والبحوث عن أثر الحكم الاستبدادي في الأمم والشعوب. حتي قورن في زمانه بكتاب العقد الاجتماعي للمفكر الفرنسي جان جاك روسو حيث أودع الكواكبي في هذا الكتاب خلاصة آرائه السياسية في نظام الحكم واستبداد الحكام من منظور إسلامي مستنير حيث نقد فيه الكواكبي بعض حكام الأمم الإسلامية. ولعلنا نحتاج الآن إلي الاقتراب من مواقف هذا المفكر قبل الاشارة إلي مضمون كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد فمواقف هذا المفكر تبدو من تعامله مع القوي والقضايا في عصره, مثل موقفه من السلطان عبدالحميد المتربع علي عرشه في قصر بلدز بتركيا الذي نستشعره في قوله: الاستبداد أشد وطأة من الوباء, وأكبر هولا من الحريق, وأعظم تخريبا من السيل, وأذل للنفوس من السؤال.. إذا نزل بقوم كما نزل في الدولة العثمانية, سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي القضاء القضاء, وموقفه من الأغنياء الحانين هاماتهم للظلم: ومن طبائع الاستبداد أن الأغنياء اعداؤه فكرا, وأوتاره عملا, فهم رباط المستبد يذلهم فيهنئون ولهذا يرسخ الذل في الأمم التي يكثر أغنياؤها, أما الفقراء فيخافهم المستبد خوف النعجة من الذئب وموقفه من مفكري الأمة وموجهيها ممن جنحوا إلي الرياء والنفاق وإذا كان كبار الأمة قد ألفوا الرياء والنفاق مرضاه للمستبد فعامة الناس سيألفونها حت يضطر أكثر الناس اباحة الكذب والخداع والنفاق والتذلل وامانة النفس حتي تصبح القيم الإسلامية العليا المعروفة اعتبار التصاغد أدبا, والتذلل لطفا والتملق فصاحة, وترك الحقوق سماحة, وقبول الإهانة تواضعا والرضا بالظلم طاعة وحرية القول وقاحة, وحب الوطن جنونا.. وعن المضللين في الدين: والواقع أن الحكام وبطانتهم من العلماء المضللين قد أفسدوا الأديان واستخدموها لتحقيق مطامعهم وأهوائهم يبقي الاشارة إلي هذا الكتاب الذي كان من الكتب القليلة التي هزت أركان العالم الإسلامي. ففيه رأي الدين في الاستبداد وما يراه بعض الافرنج من أن الاستبداد السياسي هو نتيجة للاستبداد الديني, إلا أن الكواكبي يرد علي ذلك في كتابه بأن الإسلام لا ينطبق عليه ما ينطبق علي غيره من الأديان, لأنه مبني علي الأصول الديمقراطية الرفيعة, والشوري النزيهة.. شوري أهل الحل والعقد وشاورهم في الأمر, ثم ان الإسلام لا يعرف سلطة دينية, ولا صكوك غفران, ولكن انقسام المسلمين وتفرقهم جعلهم علي ما رآهم الكواكبي عليه من تخاذل وضعف وهوان. ويبحث هذا الكتاب, كيف يخشي المستبدون العلم لانه نور, وهم يريدون الرعية تعيش في ظلام حتي يستطيعون بسط سلطاتهم.. فالعلم ينير العقول ويعرف النفوس حقوقها.. ولذلك اهتم به الإسلام وجعله مع التفكير فريضة.