«النواب» يوافق على قبول اعتراض رئيس الجمهورية على «الإجراءات الجنائية»    البنك المركزي يقرر خفض أسعار العائد الأساسية بواقع 100 نقطة أساس    أسقفية الخدمات عضو التحالف الوطنى تنفذ دورة لتعليم الكبار بقرية سلامون بسوهاج    ترامب يشن هجوما على الديمقراطيين: يريدون إعطاء أموال الأمريكيين للمجرمين (تفاصيل)    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    قلق فى ليفربول من غياب طويل محتمل ل محمد صلاح    تواجد بن رمضان وحنبعل.. قائمة تونس لمواجهتي ساو تومي وناميبيا في تصفيات المونديال    مشاهدة مباراة الأهلي وماجديبورج بث مباشر في كأس العالم للأندية لليد.. صراع البرونزية    المنصورة يفوز على مالية كفر الزيات.. وبروكسي يتعادل مع الترسانة في دوري المحترفين    الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الجمعة 3 أكتوبر 2025 وتفاصيل درجات الحرارة    قرار عاجل من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2028 (الباقين للإعادة)    البحيرة تخصص مقرا دائما للهيئة العامة للكتاب بدمنهور    في الذكرى ال838 لفتح القدس.. «صلاح الدين» مدرسة في الوحدة والرحمة والانتصار    «هل الأحلام السيئة تتحقق لو قولناها؟».. خالد الجندي يُجيب    انطلاق النسخة التاسعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال 30 يناير    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    البابا تواضروس الثاني يلتقي رهبان دير القديس الأنبا هرمينا بالبداري    جامعة أسيوط تحتفل بتخرج الدفعة 39 من كلية التمريض.. وتُكرم المتفوقين    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    الكرملين: الاتصالات بين الإدارتين الروسية والأمريكية تتم عبر "قنوات عمل"    مخاوف أمريكية من استغلال ترامب "الغلق" فى خفض القوى العاملة الفيدرالية    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    لأول مرة.. الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية للاستثمار في وثائق صناديق الملكية الخاصة    نجل غادة عادل يكشف كواليس علاقة والدته بوالده    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس لدعم حملة ترشح خالد العنانى فى اليونيسكو    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    البلدوزر بخير.. أرقام عمرو زكى بعد شائعة تدهور حالته الصحية    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2أكتوبر 2025.. موعد أذان العصر وجميع الفروض    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    عرض خيال الظل مصر جميلة وفيلم حكاية عروسة يفتتحان الدورة الأولى من مهرجان القاهرة لمسرح العرائس    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    السيطرة على حريق فى سيارة مندوب مبيعات بسبب ماس كهربائي بالمحلة    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    ياسين منصور نائبًا.. محمود الخطيب يعلن قائمته النهائية    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه: احمد البري
الصمت الرهيب‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 08 - 2012

أنا سيدة أقترب من سن الستين‏,‏ وقد مررت بتجربة قاسية مع زوج انخدعت فيه‏,‏ فصارت حياتي معه جحيما لا يطاق‏, وحتي بعد مرور عشر سنوات علي رحيله مازلت أقاسي الأمرين بسببه, وإليك قصتي منذ البداية. فلقد عملت فور تخرجي في هيئة مرموقة, واحتللت فيها مركزا مهما, وتقدم لي شاب لم يجد فيه أهلي عيبا, ووصفوه لي بأنه طيب, وهكذا يراه كل الناس, علي عكس طبيعته التي تبينتها فيما بعد, فهو دائم الصمت, ولا يتكلم إلا نادرا, ولا يستطيع أحد أن يعرف عنه شيئا حتي أنا, وأنجبت منه بنتين الفرق بين عمريهما أربع سنوات, وأمضيت حياتي معه علي هذا النحو, وهو إما أنه مسافر دائما دون أن أري عائدا ماديا لهذا السفر, أو أنه معنا بجسده وليس معنا بروحه, وفشلت محاولاتي معه لكي نعيش معا حياة أسرية كزوجين وابنتيهما, فلقد ظل علي حاله, وتحملت هذه الحياة الصعبة, وتوليت الصرف علي شئون حياتنا ومتطلباتها من راتبي ودخلي الخاص, ولم يسهم فيها إلا بقدر ضئيل, ولم ألتفت إلي ذلك أو أتوقف عنده, ومرت سنوات عمري دون أن أشعر بها بين تربية البنتين بمفردي, وقيامي بعملي المرهق, وبحثي الدائم عن حل لمشكلاتي التي ظلت مستعصية علي لعدم استعداد الطرف الآخر للمساهمة في إيجاد وسيلة للتغلب عليها.
وباءت محاولاتي معه بالفشل, وظل يعيش معنا صورة فقط, وكان حريصا كل الحرص علي أن تظل تلك الصورة موجودة في أذهان الجميع.. لزوجة تعمل في مكان يعرفه الجميع, وفتاتين تتعلمان ولا يعرف كم تصرف كل منهما, ومظهر لنا وله لايعرف له قيمة, وسيارة يتم تغييرها بمعرفته كلما أراد, ولا يتحمل من قيمتها شيئا!
ومع كل ذلك لم يكن لي وجود في حياته كزوجة, وهو كذلك لا وجود له كزوج في حياتي, وانقطعت كل صلة بيني وبينه, وكلما طالبته بأن يذهب كل منا إلي حاله يثور رافضا بشدة مجرد فتح هذا الموضوع, لأنه المستفيد أولا وأخيرا من استمرار حالة اللازواج واللاطلاق التي نحياها, حيث كان يعمل في أعمال حرة متغيرة, وحتي عندما حاولت أن أجعل له عملا ثابتا عن طريق قرض من مكان عملي باسمي استغله أسوأ استغلال, فلقد أنشأ مشروعا بهذا القرض, وحدثت له مشكلة كبري فيه, وطلب مني أن أحلها له كدوري في حياته منذ زواجه مني, فرفضت لأنه وقع إيصالات أمانة بمبالغ كبيرة لشركاء له, وعجز عن سداد المبالغ المستحقة عليه, ولم أكن أستطيع أن أسددها له بإمكاناتي المتواضعة, كما أنني لا أعرف أين ضاعت هذه الأموال, وفيم أنفقها, المهم أن الأمر وصل معه إلي حد تهديده بإبلاغ الشرطة, وعرف الجميع بما حدث, وكان ذلك مفاجأة لكل من يعرفه وهو الإنسان الصامت الذي يبدو هادئا ومؤدبا, ولم يكن أحد يتخيل أن يفعل ذلك كله, وصار الجميع علي بينة من أمره.. الأهل والجيران والأصدقاء.
ولم يكن هناك بد من أن يهرب إلي شقيقه للإقامة معه لكي يكون بعيدا عمن يطرقون باب شقتنا كل يوم للمطالبة بأموالهم, وشيئا فشيئا عرفت أن السبب الرئيسي لهذه المشكلة هو علاقته بعدة سيدات كان يصرف عليهن الأموال التي يجمعها نظرا لعدم وجودي في حياته, وعرفت أيضا أنه اشتري شقة أخري غير التي نقيم بها تمهيدا للمعيشة بها فيما بعد, وإلي جانب ذلك فإنه متزوج عرفيا من سيدة كانت تتردد عليه في مكان عمله, وفي دوامة هذه الأخبار التي عرفتها من مكان عمله, وتأكيد القريبين منه أن هناك سيدة كانت تذهب إليه يوميا, جاءني خبر وفاته طرف شقيقه, وقيل إن السبب هبوط حاد في الدورة الدموية, فذهبت أنا وابنتاي وأهلي إلي منزل شقيقه, وهناك عرفت أنهم نقلوه إليه من المكان الذي كان موجودا به, ولا أدري لماذا لم ينقلوه إلي شقتنا؟!
لقد مات ياسيدي دون أن أواجهه بما فعله معي, فلقد كنت أريد أن أقول له: لماذا غدرت بي كل هذا الغدر؟ ولماذا كنت تخونني برغم محاولاتي معك لكي أعرف سببا لهروبك مني؟ حيث كان يتعلل دائما بأنه معمول له سحر في الشقة يجعله لا يطيق الجلوس معنا, أو التعامل معي! وكان يلجأ إلي شقيقي صديقه الحميم, ليقنعني بالعدول عن طلبي الطلاق لكي أرحم نفسي من العذاب الذي أعيشه مع تمثال لا وجود له, ولا إحساس عنده, أناني أراد أن يعيش حياة كلها رفاهية دون أن يفكر من أين له بها؟ ولم يشعر بزوجته التي لم يكن في حياتها سوي بيتها وابنتيها وعملها المرهق الذي تنفق منه علي كل متطلباتهم.
وحتي عندما اختفي من حياتي منذ سنوات بعيدة لم أحاول تعويض إهماله لي من كل النواحي, برغم أنني كنت وقتها في بداية الثلاثينيات من عمري, وكنت أنظر إلي ابنتي كلما استبد بي اليأس من إصلاحه أو الانفصال عنه, وأقول في نفسي: إنه سيكون موجودا في زواجهما عندما تكبران.
أما البنتان فهما مصيبة أكبر في حياتي من والدهما, فبعد وفاته بهذه الصورة التي لا تخطر علي بال أحد, بدأتا تعاملانني بشكل مختلف تماما, فمشاجراتهما معي دائمة, صراخ من الكبري, وعويل من الصغري ولم تلقيا بالا بطعن أبيهما لي, والغريب أنه استعداهما علي, وبالذات ابنتي الصغري التي أفهمها أنني السبب في الأزمة المالية التي يعيشها, وكان بإمكاني أن أحلها له, وعرفت أنه باع السيارة التي اشتريتها من مالي الخاص وسدد بها جزءا من ديونه, والآن تهددني بأنها سوف تأخذ كل شيء كثمن لعدم وقوفي إلي جوار والدها, ولا أدري علي ماذا تهددني؟ ولا ما الذي تريده الكبري التي قاطعتني هي الأخري.. وكل منهما متزوجة من شاب اختارته بمعرفتها وأجبرتني علي الموافقة عليه, ولم أخذلهما واشتريت لهما كل لوازم الجهاز دون مساعدة من أحد.
ونتيجة لهذه الظروف القاسية أصابتني أمراض عديدة, ونقصان شديد في الوزن لعدم تناول الطعام بالأيام, وما أكثر الليالي التي بتها باكية, ولم يعرف النوم طريقه إلا بالمهدئات.. وظللت سنوات أرتدي الملابس السوداء.. ليس حزنا عليه, وإنما رثاء لحالي وعمري الذي ضاع هباء, وفي كل يوم عندما أجلس إلي نفسي أسألها: لماذا فعل بي كل هذا الغدر والخيانة؟ ولماذا لم يسرحني بإحسان ويعيش هو حياته كما يحلو له؟
ولم أجد ملاذا مما أنا فيه سوي اللجوء إلي الله والتقرب إليه, فأديت فريضة الحج, وعدة عمرات, وطلبت منه عز وجل أن يخفف عني همي وألمي, وأن يعينني علي عقوق ابنتي.
لقد ضاعت صحتي, ولم يبق منها إلا القليل الذي يجعلني أقف علي قدمي وأخدم نفسي, وأسأله سبحانه وتعالي أن يحافظ لي عليها حتي لا أضطر إلي طلب المساعدة منهما, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
{{ وأقول لكاتبة هذه الرسالة: البدايات تحدد دائما النهايات, ولما كانت بدايتك مع زوجك خاطئة, تمثلت في قيامك بكل مهام الأسرة حتي توفير مستلزمات المعيشة, كان طبيعيا أن يضغط عليك أكثر وأكثر للحصول علي أكبر مكاسب مادية ممكنة تساعده علي تحقيق أطماعه وملذاته وانغماسه في علاقات مشبوهة كتبت له تلك النهاية المؤلمة, بل وتمادي إلي ما هو أبعد من ذلك فأوغر صدر ابنتيك ضدك بحديثه الدائم عن تخليك عنه, وعدم مؤزارتك له في إقالته من عثرته متجاهلا كل ما قدمته له, ومستغلا صغر سن البنتين وعدم إلمامهما بكل جوانب حياتكما معا منذ زواجكما.
إنها سلسلة متصلة من الأخطاء التي تراكمت فوق بعضها حتي أصبح من الصعب التغلب عليها, وبالطبع فإن ما فات لا يمكن تداركه, لذلك يجب أن ننحيه جانبا ونكتفي منه باستخلاص العبر والدروس, ونتطلع إلي آفاق أرحب وأوسع, وندرك أن رحمة الله وعفوه فوق كل شيء, ولذلك أقول لك: إن الخير كامن في المكروه, وإن العبد نتيجة ضعفه وعجزه لا يدري ما وراء حجب الغيب, ويكتفي دائما بظواهر الأمور, فالمحنة التي مررت بها دفعتك إلي الرجوع إلي الله فأديت الحج والعمرة, وصار الاستغفار هدفك, وحسنا أنك فعلت ذلك, وعرفت أن التقرب إليه سبحانه وتعالي هو الطريق إلي السعادة الدائمة, ومادمت تلتزمين الصراط المستقيم, فعليك أن ترضي عن نفسك وأن تعلمي أن ما قدمته لزوجك سيكون لك يوم القيامة في ميزان حسناتك.
أما عن ابنتيك فأقول لهما: لستما في حاجة إلي أن أذكركما بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم حينما سأله أعرابي عن أحق الناس بحسن صحبته, فقال له: أمك ثم أمك ثم أمك, فحنان الأم وحبها وتضحيتها من أجل أولادها لا يدانيها أي شيء, وهذا هو ما جعل جان جاك روسو يقول: لو كان العالم في كفة وأمي في كفة لاخترت أمي, فهي أعظم قائد في معركة الحياة, ويكفيها أنها رعتكما بكل حب وحنان حتي صار لكما شأن كبير وتزوجتما وسعدتما بحياتكما, ومهما يكن من أمر الخلاف بينها وبين أبيكما فإن حكمكما عليها ليس حكما عادلا, فلقد سمعتما بالمشكلة من جانبه, ولم تعطيا لها فرصة الدفاع عن نفسها, فلا تنسيا فضلها عليكما وقولا ما قاله لينكولن من أنه مدين بكل ما وصل إليه وما يرجو أن يصله من رفعة إلي أمه, والحقيقة أنني أخشي أن يصيبكما الندم علي ما تقترفانه من ذنب في حقها, والسبيل الصحيح لرأب الصدع الذي أصاب علاقتكن هو أن تستعيداها وتصلاها قبل أن تفقداها إلي الأبد, ووقتها لن تجنيا سوي الحسرة والندم. أسأل الله لكما الهداية, ولها راحة البال, وأن يجمعكن علي طاعته.. إنه علي كل شيء قدير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.