فى أحيان كثيرة.. أشعر بالوهن والضعف.. فقلت ربما العمر يجرى بى وهذه هى طبيعة الحال لمعظم النساء، لقد كنت فى شبابى وفى الحى القديم الذى أقطنه –وأسرتى- أجرى وأعمل وأنجز، وأدب فى الأرض بلا هوادة فيطرح الخير والنجاح أينما حللت، وقتها كان الحماس يجتاحنى وكأن العالم كله فى قبضة يدى أستطيع أن أحقق فيه ما أريد بالشكل الذى أريده وبقدر ما أشاء، تزوجت واستقر بى الحال فى حى بعيد عن مسقط رأسى شعرت ببعض الضعف وقلة الطاقة أرجعته الى انشغالى بالكفاح من أجل المستقبل وتربية الأبناء وتحقيق الإنجازات على الصعيدين المهنى والأسرى. ولكن بعد دراستى لأحوالى لأفهم حقيقة ما أمر به ولكى أستعيد توازنى وعدم الاستسلام لضعفى وقلة حيلتى لغربة المكان، أدركت أن هناك حقيقة خبرتها بنفسى: هى أنه كلما ابتعد الانسان - والمرأة بالذات - عن مسقط رأسه ومكان إقامته شعر بالوهن والضعف النفسى. لقد ارتعشت يداى من إحساسى بالغربة فى هذا المكان البعيد ولا أستطيع المشاركة بالقدر الذى أرغبه فيما سيكون عليه حالى - وحال بلادى- بعد انتخابات الرئاسة القادمة!.. ومن سيقود سفينة الوطن؟.. التى ستحملنا الى بر الأمان مع رئيس حمى البلاد فى ظروف حالكة.. أو المجهول المخيف فى حال الاختيار الخاطئ ورغبة القلة فى خوض مغامرة التغيير. وهل نستطيع الرحيل ببناتنا وأطفالنا إلى مكان آخر غير وطننا؟ وهل سيكون الاستقبال مرحبا بنا كما استقبلنا أشقاءنا السوريين بعد أن دكت مدنهم وقراهم بالصواريخ فجاءوا إلى مصر مرحبا بهم؟.. أم أننا سنكون عبيدا لداعش والإخوان الدمويين المتشددين؟ فالشعب السورى درج على الرحيل والتنقل بتجارته أشهرا وسنين ليعودوا لأرضهم من جديد، وهو ما لا نستطيعه نحن أبناء النيل الذين نؤمن بمقولة «من خرج من داره.. قل مقداره» فما بالك بالخروج من أرض الوطن!. ونحن كأمهات وآباء ليس فى ثقافتنا قبول أن تكون بناتنا سبايا!.. أو زوجات رابعات لشيوخ فى مثل أعمار آبائهن وجدودهن؟ ونتشدد كزوجات مصريات لفكرة أبدية هى أننا «كالفريك لانحب فى أزواجنا شريك»!.. وهل حقا نحن على استعداد لممارسة حياتنا وسط الحروب الأهلية أو الداعشية وسط بحور من الدماء أو اختيار بديل النزوح هروبا من ويل الحروب، مؤخرا حذرنا السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية من ضلالهم ونواياهم غير البريئة وجاء تحذيره لهم حاسما فى حفل افتتاح حقل «ظهر»: إنه ليس برجل سياسة، وإن عمره وجيشه سيكونان ثمنا زهيدا – لا قدر الله - فداء للوطن قبل أن يحققوا مرادهم الآثم من النيل من الوطن. كان هذا حوارى لنفسى فى طريقى للبيت الكبير ولمسقط رأسى القريب من عملى وأصدقائى، وفى أثناء سيرى فى الشوارع التى اعتدتها والتى شهدت طفولتى وصباى، شعرت فجأة وبلا مقدمات بالقوة تدب فى أوصالى واشتعل رأسى حماسا بفكرة الذود والدفاع عن وطنى فى تلك الأيام الفارقة، وتسارعت خطواتى على غير العادة وتسلقت السلاسل التى تحيط بالأرصفة وكأن شيئا لم يتغير وأن السنين لم تمر، وتعالى صوتى بآرائى السياسية المنحازة انحيازا شديدا للاستقرار واختيار الرئيس عبد الفتاح السيسى لفترة رئاسة ثانية. وقررت عدم التخلى عن فكرة العيش بعيدا عن مسقط رأسى أو مغادرة وطنى التى رفضتها فى شبابى - ومازلت- حتى لو فاتتنى فرص الكسب، ودائما ما اعتنقت هذا المبدأ وأظن أنى مريضة ب «الهوم سيكنس»، «عشق الوطن»، الحقيقة أننا حينما نشارك أحبابنا فرحهم وشدتهم فى الأماكن التى ألفناها وتربينا فيها ساعتها فقط نشعر بالعزم والإصرار ومنتهى القوة.. ومعظم المصريات والمصريين مثلهم مثل حالى فنحن مثل السمك لا نستطيع العيش لو خرجنا من الماء، عفوا إننا لا نستطيع العيش لو خرجنا من حضن الوطن.