بينما تهدد «المعارضة» الحياة السياسية المصرية بدعوتها إلى مقاطعة الانتخابات بعد أن انسحبت منها حتى قبل أن تبدأ، لوح الرئيس عبد الفتاح السيسى بإمكانية أن يلجأ إلى المصريين طالبا نزولهم لتفويضه مرة أخرى لمواجهة «الأشرار» (أى أشرار)، على غرار التفويض الذى طلبه فى 24 يوليو 2013. وحاول البعض أن يربط بين تلويح الرئيس ودعوة المعارضة لمقاطعة الانتخابات، ليوهموا أنفسهم والرأى العام بأن الرئيس بات ينظر للمعارضة باعتبارها من الأشرار وأن مواجهتهم تتطلب تفويضا من الشعب المصرى! وهى محاولة من قبل هؤلاء لاختلاق معركة غير موجودة من الأساس، ومحاولة أيضا لإبراز المعارضة، وكأنها تمتلك قوة فى الشارع تزعج النظام الحاكم إلى الدرجة التى تتطلب استدعاء الرأى العام. بينما حديث الرئيس كان واضحا ولا يحتمل أى لبس أو تفسيرات من تلك التى يشيعونها. فالرئيس ومعه أجهزة الدولة منزعجون كل الانزعاج من محاولات أعداء ثورة 30 يونيو وما نتج عنها لإعادة الأوضاع فى مصر إلى ما كانت عليه من عدم استقرار أمنى وسياسى قبيل ثورة 30 يونيو وبعدها مباشرة. والمقصودون بالتحذير هم فقط من يحاولون العبث بأمن واستقرار مصر. والسؤال هنا ما علاقة ذلك بالمعارضة التى تؤكد أنها تتبع الوسائل السلمية التى كفلها لها الدستور والقانون للتعبير عن وجهة نظرها؟ لماذا تصر تلك المعارضة الآن على «حشر» نفسها فى خانة الأشرار المعروفين للجميع والذين يتحدد هدفهم فى إفشال الدولة؟ هذا لا يعنى أن المعارضة بدعوتها لمقاطعة الانتخابات فى تلك الظروف من تطور التجربة المصرية بريئة من مساعدة هؤلاء «الأشرار» وتقديم خدمات مجانية لهم، بعيدا عن سعيها لتحقيق مكسب يحسب لها ويؤمن لها مكانا يعتد به فى الخريطة السياسية المصرية. فالمعارضة التى ظلت بشخوصها الحاليين تطالب عبر العقود الماضية بضرورة أن تشهد مصر انتخابات رئاسية تنافسية لتنتهى فكرة الاستفتاءات التى شهدتها منذ ثورة 1952، تعمل هى نفسها اليوم على أن يتحول المشهد الانتخابى إلى استفتاء. ومع فشلها فى تلك المهمة عادت إلى عادتها المفضلة، وهى الدعوة إلى المقاطعة سعيا منها إلى استغلال ما يمكن أن تؤدى اليه حالة التوافق على بقاء الرئيس لفترة رئاسة ثانية من دفع المواطنين إلى عدم المشاركة بكثافة فى العملية الانتخابية، لتقول إن تراجع المشاركة من صنيعها، وأنه يعبر عن وجودها فى الشارع. بمعنى أن المعارضة تحاول أن توهم الرأى العام والمجتمع الدولى أن من لن يشارك فى الانتخابات المقبلة هو بالضرورة منحاز لها ويعبر عنها، بينما الحقيقة أن نسبة مشاركة المصريين فى الانتخابات عامة منخفضة ودائما ما لا تتجاوز حاجز الخمسين بالمائة. وكانت نسبة المشاركة فى الانتخابات التى فاز فيها السيسى نحو 48%. أى أنه حتى لو وصلنا لنسبة المشاركة فى الانتخابات الأخيرة فستظل المعارضة وفقا لمنطقها فائزة! وهو انتصار يضاف بجدارة إلى قائمة الانتصارات الوهمية. الخطورة فيما تسعى إليه المعارضة لا تكمن فقط فى كون الانتصار الذى تسعى انتصار وهمى يحول بينها وبين المشاركة الفعالة فى تعزيز التطور الديمقراطى لمصر، ولكن فى كونه ليس انتصارا فى مواجهة المنافس عبد الفتاح السيسى بل إنه انتصار وهميا فى مواجهة المصريين عامة. فدعوة المقاطعة تعنى دعوة للسلبية عانينا منها كثيرا ويعتبرها الكثيرون السبب الرئيسى فيما وصلنا إليه، كما أنها دعوة تفقد الرأى العام الثقة فى فكرة المعارضة من أساسها وفى فكرة العمل السياسى بالقواعد والآليات التى يحددها الدستور والقانون. باختصار إنها محاولة من المعارضة لتحقيق انتصار وهمى ولو على جثة الوطن! ولمن يشكك فى ذلك الحكم القاسى عليه فقط أن يتصور لو أن المعارضة دعت بدلا عن المقاطعة إلى المشاركة، وعدم انتخاب الرئيس أو حتى إبطال الصوت. ساعتها فقط كان يمكن الحديث عن معارضة حقيقية تعرف كيف تحقق أهدافها بآليات سياسية مشروعة دونما إبقاء المواطنين بالبيت، وكأن العملية السياسية لا تعنيهم. أما فيما يتصل بتلويح الرئيس السيسى بطلب تفويض من المصريين لمواجهة الأشرار فإنه فى الحقيقة إعادة إنتاج لما قاله الرئيس عشرات المرات بشأن أن هؤلاء الأشرار لم يكفوا بعد عن استهداف مصر والمصريين وأن التحدى ما زال قائما، ويتطلب دائما بقاء المصريين على قلب رجل واحد. غير أنه ومع قرب الانتخابات الرئاسية نشطت العديد من الدوائر المعادية للدولة المصرية فى محاولة لاستثمار أجواء الانتخابات لتمرير بعض الأفكار وتحريك الشارع لإعادة بعث أجواء ما حدث فى يناير 2011، الأمر الذى يستلزم من الدولة إعلان حالة التأهب القصوى انطلاقا من مسئوليتها لحماية إرادة الشعب من أن تسرق مرة ثانية. ولو أن المعارضة ومن لف لفها يثقون فيما يطلقون من تقديرات بشأن تراجع تلك الشعبية لما انزعجوا ذلك الانزعاج من هكذا تلويح، ولعملوا على تأكيد تصورهم ذلك عبر صندوق الانتخابات. فالأهم فى الانتخابات القادمة هو نسبة المشاركة على اعتبار أنها ستكون تجديد التفويض الذى منحه له المصريون قبل خمس سنوات لمواجهة الإرهاب الذى كان محتملا آنذاك، وهو الآن حقيقة ماثلة لا يجادل أحد فى خطورتها. بمعنى آخر، فإن التحدى الحقيقى أمام الرئيس والمعارضة فى آن واحد هو حشد المصريين للتوجه إلى الانتخابات لنعرف جميعا مدى صحة ما نعتقد فيه بشأن شعبية كل منهما. فالرئيس فى حاجة لكثافة المشاركة ليتأكد الجميع أن الشعب ما زال مفوضا له من أجل مواصلة محاربة الإرهاب، ومن أجل الاستمرار فى عملية التنمية. والمعارضة فى حاجة للمشاركة أيضا إذا كانت تبحث عن دور يؤهلها لكسب ثقة المواطنين تمهيدا لحيازة السلطة فى انتخابات مقبلة، والأهم لتبدو أمام الرأى العام حريصة على المصلحة العامة لمصر وللمصريين. باختصار فإن المعارضة قد قررت بإرادتها المنفردة أن تنسحب فرادى وبشكل جماعي- من العملية الانتخابية وأن تقاطعها مشهرة إفلاسها سياسيا، دون ان يؤثر ذلك على تعامل المصريين مع الانتخابات باعتبارها تجديدا وتأكيدا لشرعية النظام الذى أفرزته الانتخابات الأولى بعد ثورة 30 يونيو. لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة