تحتفل دولة الكويت فى التاسع والعشرين من يناير كل عام بذكرى عزيزة على قلب كل كويتى وعربى متمثلة فى عيد جلوس صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح «حفظه الله» قبل 12 عاما متحملا مسئوليات الحكم فى البلاد إيذانا ببدء مرحلة جديدة فى مسيرة العمل الوطني بعد أن اختارته جموع نواب مجلس الأمة والمواطنين سواء بسواء قائدا وربانا للسفينة فى ظل ظروف فارقة كانت تمر بها المنطقة. الشيخ صباح الأحمد عميد الدبلوماسية العربية وقائد العمل الإنسانى العالمى يعد من أبرز الشخصيات العربية والإسلامية فى العصر الحديث والتى ساهمت فى صنع تاريخ وطنها، ولا نجافى الحقيقة إذا ما قلنا إنه حكيم العرب وقائد الأمة فالدور الذى لعبه سموه على مدى أربعة عقود كوزير للخارجية فى التعامل مع التحديات الإقليمية والدولية، والعطاء الذى قدمه كرئيس لمجلس الوزراء، ومن بعده أميرا للبلاد خير شاهد على ذلك، إذ تمكن فى كل المسئوليات التى تحملها من وضع دولة الكويت فى موقعها اللائق على الساحتين الإقليمية والدولية فضلا عن إسهاماته الكبيرة على صعيد العمل الوطني. كانت خبرة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الكبيرة ومصداقيته العالية محط احترام وثقة وتقدير الجميع وهى ثقة لم تأت من فراغ، ويشهد كل الذين عاصروه واحتكوا به فى مختلف المحافل الدولية على قوة شخصيته وحنكته الدبلوماسية، فهو دبلوماسى من الطراز الأول صارع فى ميادين السياسة الدولية دفاعاً عن قضايا وطنه وأمته العربية والاسلامية ، وعاصر تغيرات راديكالية فى النظام الإقليمى والدولى من الثنائية القطبية وعصر الحرب الباردة إلى الأحادية القطبية وأخيراً النظام متعدد الأقطاب. كما عاصر المنعطفات الجذرية التى مر بها النظام العربي، وشهد ما سُمى الربيع العربى وما تمخض عنه من نتائج وآثار، علاوة على ما حدث مؤخرا فى منظومة التعاون الخليجي، وهى تحديات محورية تعامل معها بحكمة وروية، وسعى إلى تجنيب بلاده وأمته منزلقاتها الخطيرة، ما أكسبه خبرات متميزة فى العمل الدبلوماسى وقدرة على التعامل مع جميع الأزمات المحلية منها والعربية و العالمية. ويُعرف عن الشيخ صباح الأحمد قناعته الراسخة, التى تشكلت امتدادا لتراث سياسى طويل, بأن القائد لا يمكن أن ينجح ما لم يكن لديه ظهير شعبى يؤازره، ولن يتوفر ذلك الظهير إلا إذا وضع مصالح الوطن والشعب نصب عينيه، لذا ركز اهتمامه على الارتقاء بالأوضاع المعيشية وفتح أفاق جديدة للعمل والإنتاج، علاوة على إطلاق العديد من المشروعات التنموية والمبادرات الكبري، كما حافظ على النظام الديمقراطى الذى تكاد تنفرد به الكويت فى محيطها العربي، وتعامل مع الأنواء بصدر رحب وإدراك حقيقى لمسئولية القائد الرشيد فى الحفاظ على تراث وطنه ومكتسبات مواطنيه، ما يعكس إيمانه المطلق بالمشاركة الشعبية ومبادئ دستور الكويت الذى يجمع المراقبون على أنه الأفضل والأكثر توازنا بين الدساتير العربية. وللشيخ صباح رؤية خاصة للعلاقات الأخوية بين مصر والكويت، فهو دائما ينظر لمصر التى زارها عشرات المرات على مدار العقود الماضية باعتبارها قلب العالم العربى النابض ومحورا رئيسيا من محاور العمل الجماعى للأمة, ودائما ما يردد أن مصر عزيزة على قلب كل كويتي، ويعود ارتباطه بمصر إلى فترة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذى التقاه به عدة مرات ضمن الوفود الرسمية التى كانت تزور القاهرة، كما يؤثر عنه أنه صاحب أكبر إسهام فى حملة التبرعات التى انطلقت فى الكويت إبان المواجهة المظفرة للعدوان الثلاثى على مصر عام 1956 .ويري الشيخ صباح العلاقة بين البلدين باعتبارها علاقة بين شقيقين وشريكين إستراتيجيين استندت منذ بدايتها على أسس قوية مكنتها من تجاوز كل التحديات لتصبح راسخة وغير قابلة للاهتزاز مهما حاول البعض ومهما خططوا ودبروا للنيل منها، إذ تؤمن الكويت بأن استقرار وازدهار مصر يصب تلقائيا فى صالح الكويت. كما أن مصر دائما حاضرة بمكانتها ودورهات ليس فى الكويت وحدها ولكن فى منطقة الخليج والوطن العربى قاطبة, وبالإضافة إلى سلسلة المواقف الأخوية النبيلة بين البلدين منذ انطلاق العلاقات أوائل القرن الماضي لا تنسى الكويت وقفة مصر دعما لحريتها واستقلالها عام 1961 وعام 1990، وفى المقابل بادلت الكويت شقيقتها الكبرى عطاء بعطاء ومحبة بمحبة، فكانت مشاركتها القوية فى معارك الكرامة والبناء عبر وحداتها المقاتلة فى ساحة الشرف والفداء فى سيناء الحبيبة عامى 1967 و1973 ، وعبر الاستثمارات المتشعبة فى شتى القطاعات، واستضافة ما يزيد على 800 ألف مواطن مصرى على أراضيها، وهى مجرد علامات فى سلسلة متصلة ومتبادلة من التعاون الأخوى المشترك, لا تزال مستمرة فى الحاضر والمستقبل. ويلمس المتابع لمسار علاقات البلدين الشقيقين أنه يتجه دائما إلى الإمام ولا يتوقف مطلقا أو يتأثر بالمعوقات التى توضع فى طريقه هنا وهناك, حيث يسجل تطورات إيجابية فى سائر مجالات التعاون, ولعل فى ذلك ما يبرهن على الطابع الإستراتيجى لهذه العلاقات الذى يؤكده الشيخ صباح الأحمد دائما، ويعمل حثيثا على تعزيزه ودفعه قدما للأمام عبر سلسلة من برامج التعاون المشترك التى لا تقتصر فقط على الجوانب السياسية والاقتصادية بل تمتد لتشمل مجالات أخرى مثل الثقافة والإعلام والسياحة والعمالة وغيرها من المجالات .إننا ونحن نحتفل بذكرى عيد الجلوس المبارك وبعدها بأيام نحيى أعياد الاستقلال والتحرير مستظلين بقيادة حكيمة وشعب يلتف حول قيادته, نتطلع إلى مزيد من التعاون مع الشقيقة مصر التى تبقى دائما فى القلب ويظل تاريخها العريق ودورها المحورى مصدر إلهام متجددا وعنصر قوة واستقرار لشعبها وأمتها العربية .
سفير دولة الكويتبالقاهرة لمزيد من مقالات محمد صالح الذويخ