بين جبال سانت كاترين المقدسة، وأوديتها الخلابة، تعيش المصرية زهرة مجدى أيامها، فى بيت بدوى بسيط، سعيدة بما حققته من نجاح فى خطواتها الاولى التى بدأتها قبل شهور، باتجاه تدشين أول مشروع لتجفيف وتسويق فاكهة الجبل، غير عابئة بما ألقته خلف ظهرها، من حياة صاخبة فى القاهرة، مستعينة فى مشروعها المبتكر على سنوات الدراسة التى قضتها فى دراسة النباتات بكلية العلوم جامعة المنصورة، ومشروعها البحثى الذى لم يكتمل بعد حول النباتات الطبية، وطرق العلاج التقليدية التى توارثتها الاجيال فى وادى جنوبسيناء. ...................................................... فى بيت بدوى صغير، تواصل زهرة حياتها، فخورة بتلك الخطوة التى أقدمت عليها قبل شهور، عندما حزمت حقيبتها لتغادر القاهرة، وتعيش فى سانت كاترين، مثل بدوية خالصة، وسط طبيعة بكر، بحثا عن حياة جديدة ومختلفة، وعن ذلك تقول: زرت كاترين للمرة الاولى ضمن رحلة علمية، للتعرف على المنطقة باعتبارها محمية طبيعية، فضلا عما تزخر به من نباتات طبية متنوعة، فاعجبنى هدوؤها الساحر وطبيعتها البكر، التى ذكرتنى بأيام طفولتى الاولى التى قضيتها فى اليمن، حيث كان والداى يعملان فى التدريس لفترة هناك، فعزمت على أن يكون مشروعى البحثى عقب التخرج هو دراسة المجموعة النباتية التى يزرعها السكان المحليون فى الجبال، وبخاصة الأعشاب الطبية النادرة، التى لا توجد فى أى مكان آخر فى العالم، والتعرف عن قرب على طرق العلاج التقليدى فى تلك المنطقة، لكن لظروف خاصة تعثر المشروع، وانقطعت عن زيارة كاترين لفترة، قبل أن اعود اليها لاحقا ضمن مجموعة من الأصدقاء، لممارسة رياضة «الهايكنج» أو السير فى البرية. على مدى أسابيع، عبرت زهرة أودية وسارت فى دروب عدة، وشاهدت مناظر خلابة كانت سببا فى ان تتخذ قرارها النهائى بالإقامة فى كاترين، والتعرف أكثر على طبيعتها الثرية ودراسة ما تجود به جبالها من كنوز، وعن ذلك تقول: شاهدت الحدائق القديمة للبدو، التى كانت تحفل بمختلف أنواع أشجار الفاكهة التى كانت تزرع فى مناطق بعيدة جدا، ونقية جدا، وتذوقت فى تلك الحدائق ثمارا لا مثيل لطعمها، نظرا لأنها تنمو بشكل طبيعى على مياه الامطار، بدون إضافة أسمدة أو مواد كيميائية، ومن هنا ولدت الفكرة، وقلت فى نفسى لماذا لا اشرع فى إعادة احياء هذا اللون من الصناعة المحلية، بتجفيف الفاكهة، حيث كان السكان المحليون فى الماضى يقومون بتلك الصناعة لحفظ الفاكهة، وما زاد من حماسى للتجربة أننى اعرف بحكم ممارستى لرياضة الهايكنج، ان كثيرا من ممارسى هذه الرياضة، يقبلون على الاستعانة بالفواكه المحفوظة فى رحلاتهم الخلوية، نظرا لما تحتويه من فيتامينات تمد الجسم بالطاقة، فضلا عن سهولة حملها وقدرتها على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، ما يضمن سلامتها طوال فترة الرحلة. بعد أيام قليلة قضتها فى أحد معسكرات الهايكنج فى كاترين، تلقت زهرة دعوة من أحد أبناء المنطقة لزيارة بيته والتعرف على زوجته، وعن ذلك تقول: كنت محظوظة للغاية بهذه الدعوة، فمن خلالها تعرفت على كثير من سيدات البادية، الذين قاموا لاحقا بدور كبير فى طمأنة أهلى، ثم فى مساعدتى على البدء فى تنفيذ مشروعى الذى كنت قد شرعت فى التخطيط له بدقة. عاشت زهرة أجمل أيامها فى كنف سيدات البادية، فتعرفت عليهن عن قرب، وحدث ان تزامن ذلك مع بدء موسم جمع الفاكهة، فكانت الانطلاقة الاولى للمشروع الذى تقول عنه: ذهبت معهن إلى المزارع وعملت لبعض الوقت فى قطف ثمار الفاكهة، وقد ساعدننى فى عقد العديد من الاتفاقيات مع أصحاب هذه المزارع، وشراء الفاكهة مباشرة منهم فى المدينة، لأبدأ فى تنفيذ المشروع عمليا. تمر عملية تجفيف الفاكهة بعدة مراحل تبدأ بمرحلة الجمع بعد إتمام النضج، ثم يلى ذلك عملية التنظيف والتجهيز للتجفيف، عبر نشر الفاكهة على شبكات مخصصة لذلك داخل المزارع، وتقول زهرة: أقوم بتجفيف الفاكهة بالطريقة نفسها التى كان يحرص عليها السكان المحليون فى الماضى، بتعريضها للشمس والهواء فقط، وبدون معالجتها بأى اضافات، لكنى أضفت عليها بعض اللمسات المتعلقة بعملية التسويق، حتى تتناسب مع نظيراتها من المنتجات العالمية، وعملية التجفيف تستغرق عدة أيام، وتتطلب متابعة مستمرة قبل نقل الفاكهة التى تم تجفيفها تماما إلى المدينة على ظهر الجمال، والتجفيف أحد أهم الطرق التقليدية فى حفظ الطعام، التى تكاد تندثر رغم فوائدها الصحية التى لا تحصى.