المناخ الإنسانى فى عالم ما بعد (الربيع العربى)، يفرض مزاجه السيئ على فصول حياة الإنسان فى أوطاننا، كان (الربيع) فى وعى مواطننا ألوان بهجة تؤذن ببداية حياة، كانت كلمات أمل تخرج من قلب (صلاح جاهين) الموجوع، لتتغنى بها (سعاد حسنى) فى دلال يغرى بالسعى خلف الأمل رغم كل قسوة الواقع، (الدنيا ربيع والجو بديع، قفلى على كل المواضيع)، وكان (الربيع) فى وعى صناع (الفوضى الخلاقة) راية زور يتدثر بها شتاء متوحش، حتى إذا ما تَمَكَّنْ، أرسل أعاصيره لتجتث الأمانى وحامليها، والأوطان ومواطنيها، وكان (الربيع) فى وعى من آمن به محطة وصول، لشمس وطن يهل، عزيزاً لا تأسره تبعية، وحراً لا تُقَيِّد إرادته حاجة، ومتطهراً لا تزيده أمطار النقد إلا تجلٍ. سقطت كل رايات (الربيع) ليعود (الشتاء)، مُنَصِّباً نفسه حاكماً على الأوطان والخلائق، وفارضاً دستوره منهجاً حاكماً لمفردات الحياة، ليسرى الصقيع فى أوصال الأفكار، فيكبلها بأغلال برودة تجبرها على الفرار، تحاصرها سُحُبْ الشك والارتياب كل دفء يُبادر، ويرجم جليد المصالح كل متدثر بنُصح، وهكذا يغدو الشتاء عقيدة شتات وتشتيت، تؤذن لها كل مآذن الوعى المتربصة، وترددها كل نوافذ الوعى التى تدعى أنها مخلصة، وفى خِدر برودتها تتجمد قدرة الوطن وناسه على الحلم. إن هكذا أجواء يجب أن تدفعنا إلى سرعة التدبر فى مشهد طقس الوطن وإنسانه، سعياً لتجاوز تقلبات خرائطنا المناخية التى تستهدف إعادة صياغة خرائط الأوطان والانتماء، وهذا التدبر فرض عين وطنى، يستوى فيه من يدير مع من يعارض مع من قرر أن يلجأ إلى (كنبته)، تماماً كما لا تُستثنى منه شرائح النخب التى قررت أن تتابع دون أن تشتبك، فشتاء الأوطان ما عاد فصلاً، وإنما استحال فاصلاً يسرى برد تخوين فى كامل التفاصيل، بداية من التعصب الكروى، وانتهاء بانتخابات الرئاسة، وبينهما كل مظاهر الاختلاف والتباين، لتصبح أعاصير الشطب والإلغاء هى معايير النقد، حتى يقول السفير السابق فى نقده لفصل من فصول كتاب خالف رأيه، (أرى أن هذه الباب لا يجوز أصلاً ولو شطبناه من الكتاب لما تغير فيه شىء)! ومن المهم حال سعينا لتجاوز الشتاء المفروض علينا، أن نستوعب فعلاً أنه مفروض ومستهدف، فبمثل هذا التَنَبُه يُصبح النضال ضد الشتاء واعياً، فلا يجرفنا تياره حيث يريد، وبتدبر فى ماكينات صناعة الصقيع الإعلامية الموجهة سلباً ضد أوطاننا، نكتشف أن خطابها بات مستوعباً لكامل تفاصيل الحياة (دين سياسة محليات ثقافة فن رياضة مجتمع وطبخ جنس)، هذا فضلاً عن ماكينات إعلامية غير رسمية تعمل فى فضاءات التواصل الاجتماعى، لتنشر موجات من صقيع التطرف تديناً أو إلحاداً، وصقيع الشائعات شخوصاً ومؤسسات، وصقيع التفاهات خلافات وفضائح، وفى مقابلها ماكينات ترى أنها وطنية، تواجه هذه الأعاصير بأعصاير مضادة، بما يمثل تماهياً مع خطاب الصقيع السارى، حتى يغدو المواطن بين تيارات صقيع تلفحه من هنا وهناك، دونما ملجأ آمنٍ يراعى طول صبره على برد الوطن جوعاً وجهلاً ومرضاً وأحلاماً مؤجلة. إن انخفاض درجة حرارة الأوطان، بات مهدداً لثبات علاقة مواطنها بها، وهو ما يصب فى مصلحة مشروع يستهدف إعادة صياغة خرائط المنطقة، وفى مواجهة هذا المناخ المترصِد بنا، تصبح صناعة (الدفء الوطنى) هدفاً متجاوزاً لرفاهية اللحظة، ومتعدياً لكل الأسباب التقليدية للتدفئة، حيث إن الصقيع تجاوز أطراف الأبدان، وبدأ فى طرق أبواب العمق الإنسانى، لتُصبح الحاجة مسوغ التوحش، ويختلط الحق بالباطل فلا تستبين المجرم من الضحية، يرتبك المجموع بفعل الصقيع، وترتبك الإدارة بصقيع الفعل، ويرتبك أصحاب الرؤى بسيادة الصقيع، ويُنهك الوطن فيسهل إسقاطه، هكذا نصت خطة التنظيم الإخوانى الذى يستهدفنا، وهكذا سطرت من قبله خطط (الفوضى الخلاقة). قد تبدو السطور هجوماً على فصل الشتاء، غير إنها تستهدف الانتصار لشتاء وطنى مصرى خالص، كانت مساجده أكثر دفئا بإيمان عوامها الخالص، وكانت ثقافته أكثر وهجاً بتحلق الناس حول مشاعلها، وكانت معاركه أكثر سخونة بحسم خطابها، وكانت موائده أكثر سخاء على قلة زادها، وكانت فُرُشُه أكثر اتساعاً على رقة حالها، فالشتاء فى أوطاننا ليس مجرد فصل من فصول السنة الأربعة، و فى وعى ناسنا ليس مجرد طقس، وحين نقرر أن نواجه شتاء التفتيت والتشتيت، فمن المهم أن نستدعى شتاءً مصرياً خالصاً، نستدعيه بوعى من قرر أن يرفع حرارة المواطنة لتجاوز بها كل انخفاض حاد فى درجات الحرارة أنتجته سنوات من عواصف الفساد والإفساد والتآمر، وطال صقيعها الجميع حتى باتت صناعة الدفء الوطنى مشروعاً قومياً فى مواجهة الانخفاض المستمر بدرجات الحرارة. لمزيد من مقالات ◀ عبد الجليل الشرنوبى