المسيح عيسى بن مريم رسول السلام للبشرية كلها.. والوجيه فى الدنيا والآخرة الذى نزل إلى البشر بمعجزة إلهية غير مسبوقة ولا ملحوقة.. وأمه مريم العذراء أطهر نساء الخلق أجمعين.. فاسمحوا لى أن أحكى لكم.. وأنا بعد غض صغير حكاية الأسرة المصرية والبيت المصرى أيام كنا لانكاد نفرق بين مسلم ومسيحى فى كل دروب الحياة اليومية فى القرية.. فى المدينة.. فى المدرسة.. فى العم ذلك كله بعيدا عن فلسفات العقائد والديانات.. وماهو مكتوب فى بطاقاتنا الشخصية والعائلية، هذا مسلم وهذا قبطي.. ولكن ماكان مكتوبا فى القلوب شىء آخر مختلفا تماما.. فقد كنا نعيش كما الأسرة الواحدة.. الطعام يكاد يكون واحدا وخبزنا قادم من فرن واحد.. وهو فرن البيت البلدى الذى كانت خالتى أم حنا تخبز فيه خبزنا مع خبزها.. ونتسلم أرغفة الخبز من عندها فى المشنات جمع مشنة وهى وعاء من عيدان الأشجار نضع فيه الخبز ثم نضعه عادة تحت السرير فى كل بيت.. بيت عم حنا جارنا.. وبيت عم ابراهيم والدى أنا.. يعنى الخبز الذى نتناوله كلنا تعجنه أيدى أمهات وأخوات مسيحيات.. وتخبزه لنا أمهات وأخوات مسلمات.. والخبز فى النهاية واحد.. والطعم واحد وان اختلف الآكلون والآكلات.. حتى كعك العيد والبسكويت والقراقيش فى أعيادنا.. وفى أعيادهم يكاد يكون واحدا.. فى أعيادنا تصنعه الأمهات والأخوات المسلمات.. ويوزعنه على البيوت القبطية «عشان تطرح البركة».. هكذا كانت تقول أمى.. وهكذا كانت تقول خالتى ماتلدا جارتنا العتيدة: عشان الرب يبارك. ومازلت أذكر أيام المدرسة والتلمذة أيام كانت لدينا مدارس ومدرسون وحصص يحضرها التلاميذ.. وطابور الصباح.. وجرس مدرسة يدق عند الدخول.. ويدق أيضا عند الفسحة.. ويدق مرة ثالثة عند انتهاء اليوم الدراسى.. ورحم الله أيام المدارس ورحم الله اليوم المدرسى الذى كان قوامه ست حصص + فسحتين واحدة صغيرة والثانية طويلة + طابور الصباح الذى كنا نحيى فيه علم مصر وننشد نشيد تحيا مصر وعاش الملك على أيامى أنا وأيام جيلى كله قبل الثورة ونصعد كلنا بانتظام إلى الفصول بالترتيب سنة أولى أولا.. وسنة رابعة فى الآخر... وناظر المدرسة الذى كان على أيامى فى المدرسة الاميرية يحمل لقب «الباكوية» يقف فى الشرفة كما الأسد.. بالبدلة والطربوش و«الكارافات».. حتى ينتهى طابور الصباح.. وهو يرفع يده تحية لعلم مصر الأخضر أيامها ونحن نردد معه نشيد «بلادى.. بلادى لك حبى وفؤادى».. إيه العظمة دى كلها؟ اسمعكم ترددون هذه العبارة فى سركم.. على أى حال لن أزيد همومكم وهمومنا وهموم بلد بحاله فى حجم مصر العظيمة التى علمت الدنيا كلها ما لم تعلم.. بعد أن اختفت من عندنا حاجة اسمها مدارس.. لتحل محلها السناتر الخبيثة وربنا يستر على مصر! ما علينا الآن.. ودعونى وأقول لكم إنه على أيامى كان «الألفة» يعنى الأول أو القائد فى كل فصل لايفرق ما بين تلميذ مسلم وآخر مسيحي.. الكل واحد.. بل ربما كنا لا نعرف من منا المسلم ومن منا المسيحى.. وأنا كنت الأول على الفصل وكنت أدير طابور الصباح وأفتش على القيافة والهندام والكرافات التى كنا نلبسها صغارا فى المدرسة الأميرية فى شبين الكوم.. وفى اليوم التالى يتولى أمر وقيادة طابور الصباح زميلى وصديقى وجارى فى الفصل الدراسى وفى الشارع الذى كنت أسكنه مع أسرتى فى شبين الكوم.. تلميذ آخر مسيحى اسمه عبدالله بشرى حنا! ولا أنسى أبدا أن أول المدعوين فى أعيادنا هم جيراننا من أفراد الأسرة القبطية.. وكانوا دائما على رأس المائدة وخصوصا فى رمضان والعيد الصغير والعيد الكبير، كما نطلق عليهما بدلا من عيد الفطر وعيد الأضحى.. وكنا نحن بالمثل ضيوفا فى بيوت جيراننا الأقباط فى أعيادهم التى نعرفها، عيد شم النسيم وعيد الغطاس وعيد رأس السنة الميلادية.. ولم يبق من حبل المودة والأخوة والجيرة الطيبة إلا أن نتزاور معا فى الكنائس والمساجد والقبور.. ومازلت أذكر حكايتى مع زميلى وصديقى الوحيد فى فصل «ثالثة ثان» فى المدرسة الابتدائية الأميرية فى شبين الكوم واسمه عبدالله بشرى حنا.. كنا نذهب فى الصباح مشيا على الأقدام إلى المدرسة.. ونعود من نفس الطريق بعد نهاية اليوم الدراسى.. وكانت أمى تسألني: «ما جبتش عبدالله معاك عشان تتغدوا سوا.. أنا عاملة النهارده أكل حلو من اللى بيحبه عبدالله». أسألها: عامله إيه ياترى؟ تقول: محشى كرنب وفرخة محمرة! وكنا فى المساء نجتمع فى منزل واحد منا للمذاكرة ومراجعة الدروس مع أكواب الشاى وأطباق الكعك والبسكويت التى تصنعه أمهاتنا المسلمات والقبطيات.. لا فرق! ولا أنسى أبدا.. ليلة زفاف أخت صديقى عبد الله زميلى وجارى فى الفصل وفى الشارع وفى البيت وفى المذاكرة.. عندما تقدم شاب للزواج منها، وكان اسمها الذى لن أنساه أبدا «كوكب».. وكانت آية فى الجمال.. كأنها نسخة من الملكة نفرتيتى زوجة أخناتون العظيم.. فى جمالها ورقتها وشموخها ورقبتها الطويلة وعيونها الساحرة الآسرة.. وكنت للحق ايامها وأنا صغير أحبها كثيرا لأنها كانت تقدم إليّ الكعك بالسكر والعجمية كلما ذهبت للمذاكرة مع أخيها عبد الله فى المساء.. وأذكر فى ليلة عرسها أن دموعى انهمرت غصبا عنى وأنا أشاهدها إلى جوار عريسها فى الكوشة.. وعندما شاهدتنى قامت من جانب عريسها وأخذتنى لأجلس إلى جوارها.. وهى تقول لي: ابقى تعالى يا عزت زورنى فى بيتى الجديد! وعندما تحرك موكب العروس إلى بيتها الجديد فى آخر الليل فى آخر الشارع.. سرت خلف الموكب من بعيد.. ودموعى لم تنقطع.. وعندما ذهبت أمى وأخى صلاح وأنا فى الصباح بهدية للعروس فى بيتها.. أخذتنى العروس «كوكب» إلى الداخل وقالت لى همسا: عارف يا عزت أنا كنت شايفاك بتعيط وأنا فى الزفة وكنت عاوزه أطبطب عليك وأقولك أهو ده حال الدنيا لكنى ما قدرتش.. خد بالك من مذاكرتك.. عشان أنا عوزه أشوفك دكتور قد الدنيا! يا عالم هكذا كنا.. وهكذا أصبحنا.. وهكذا سنكون إلى أن يرث الله الأرض وما عليها! على أى حال.. فإن أعز صديق لى الآن هو المهندس سمير مترى جيد خبير المحطات النووية.. وهو رفيقى فى رحلة الكشف عن رفات نبى الله يوحنا المعمدان وهو المعروف عندنا نحن المسلمين بسيدنا يحيى بن زكريا عليه السلام. وكانت رحلتنا إلى دير الأنبا مقار فى وادى النطرون للبحث عنه. ولكن تلك حكاية أخري.. سوف أحكيها لكم فى تحقيق آخر إن شاء الله.. وهو الذى تولى إصدار كتابى عن هذا الكشف الدينى الكبير. وإذا كنا نعيش أعياد الميلاد المجيدة فاسمحوا لى أن أحكى لكم حكايتى مع الفتاة القبطية التى أحببتها وأنا أخطو أولى خطواتى فى بلاط صاحبة الجلالة كمحرر صغير فى الأهرام.. عندما قررنا بعد مشوار حب قصير أن نتزوج.. وكانت هى تقيم فى بيت الطالبات فى شارع قصر النيل وهى طالبة فى كلية الحقوق.. بينما كنت أيامها أقيم مع أسرتى فى القناطر الخيرية.. ولكن صاحبتنا التى تشبه ملكات الفراعنة فاجأتنا ذات مساء بحضورها إلى القناطر الخيرية.. بالقطار.. والضرب على جرس الباب فى المساء لنجد أمامنا الجوهرة المكنونة التى اسمها فريال.. التى فاجأتنا كلنا وهى تقول لأمى: أنا عاوزه أتجوز عزت! لم تسمع جواب أمى.. بل تابعت هى كلماتها: أنا جايه بنفسى عندكم.. وروحوا هاتوا المأذون! المهم أن أمى بدهاء الأمهات زمان أقنعتها ليلتها أن تستأذن أسرتها الصعيدية فى ملوى أولا..وقالت لها: روحى يا حبيبتى قوليلهم الأول.. ودول ناس صعايدة دمهم حامى لو اقتنعوا تعالى اتجوزى عزت.. هو هيروح فين؟ ورفضت أمى أن أذهب معها.. وأسرت فى أذنى كلمات تقول: احنا عارفين ممكن فى بلدهم يعملوا معاك ايه يابنى؟ ولكن فريال ذهبت ولم تعد.. ولا حس ولا خبر.. وانشغلت أيامها فى عملى الصحفى فى جريدة الأهرام عندما كانت لاتزال فى شارع مظلوم فى باب اللوق ولم تنتقل بعد إلى مبناها الجديد فى شارع الجلاء.. وفاجأتنى أمها وهى سيدة طيبة وأم حانية بزيارة مفاجئة لى فى مكتبى المتواضع وقالت لى بالحرف الواحد: أنا يا بنى أم فريال.. ولو اتجوزتها أهلى هيقتلوها.. عشان أنت مسلم وهى قبطية.. سيبها تعيش عشان خاطري! وقد كان.. ولكننى فوجئت بعد خمس سنوات بفريال نفسها بشحمها ولحمها ووجها الفرعونى تمسكنى من ذراعى فى شارع سليمان باشا.. وهو تقول لي: موش عارفنى أنا فريال. نسيت أن أقول انها كانت تحمل طفلا رضيعا فى حضنها.. وآخر يمشى إلى جوارهما وهى تسحبه من يده.. أيها السادة نحن خرجنا من طين هذه الارض الطيبة وشربنا كلنا من ماء النيل وظللتنا أشجار النخيل وأشجار الجميز والتوت. وها هو الرئيس عبدالفتاح السيسى يفتتح بنفسه الكاتدرائية الجديدة فى العاصمة الادارية بكلمات المحبة والسلام. وتوتة توتة خلصت الحدوتة.. ونحن اخوة متحابون نحارب عدوا واحدا اسمه الإرهاب الأسود، ولكننا له بالمرصاد ومرة أخرى وعاشرة.. سنظل أسرة واحدة ولو كره الكارهون. وتوتة.. توتة.. فرغت الحدوتة.. حدوتة مصر المسلمة.. ومصر القبطية.. وكل سنة ومصر طيبة وأنتم طيبون {
كلنا من نسيج واحد .. نسيج مصرى أصيل .. لا تعرف من منا المسلم ومن المسيحى فنحن كلنا مصريون حتى النخاع.. مصريون ولو كره الكارهون!!