لماذا يختفى الجمال فى حياتنا؟ يتمدد القبح والتشويه فى الشوارع والميادين العامة ومركبات النقل العام، والمدارس والجامعات والمعاهد العليا، فى البيوت والحدائق العامة ودور السينما، وأماكن اللهو البرىء! أينما وليت بصرك ثمة قبح وحشى يأكل الروح ويشوه العقل، ويربكُ التفكير! إنها حالة عامة ولا تقتصر معايشة القُبح على بعض من النخبة والأثرياء والمثقفين، هل هناك طلب سياسى واجتماعى حول الجمال فى حياتنا اليومية؟ لماذا يغيب سؤال الجمال فى الفكر المصرى الحديث والمعاصر إلا فى الدرس الفلسفى الأكاديمي، وفى كتابات بعض المتخصصين فى الفلسفة حول علم الجمال. فى الدرس الأكاديمى فى النحت والتصوير والأعمال المركبة، يطرح سؤال الجمال والجماليات فى العمل مصحوبًا على الخيال الإبداعى للفنان أو طلاب الفنون التشكيلية، وكذلك الأمر فى العمارة وطرزها والتخطيط العمراني، والسينما فى مجالات السيناريو، والإخراج والتصوير وسالمونتاجس يبدو نظريًا أن الجمال فى هذه المجالات المتعددة لابد أن يكون حاضرًا فى ثنايا العمل المتخصص، وفى العمل الفنى الكلي! إلا أن نظرة تحليلية على مخرجات العمليات التعليمية فى هذه التخصصات تكشف عن غياب ما، أو فقر ما فى الدرس الأكاديمى حول الجمال البصرى فى السينما، والدراما التلفازية، ولدى بعض خريجى أقسام العمارة والفنون التشكيلية، وهو ما يلاحظ فى الإنتاج الفنى فى هذه الفروع، وذلك نظرا لعديد الأسباب وعلى رأسها ما يلي: تراجع مستويات التكوين الأكاديمى والمعرفى والجمالى فى عديد التخصصات وعدم إيلاء الجوانب الجمالية فى مناهج التعليم العام والجامعى على وجه الخصوص، والاقتصار على تقديم بعض المواد الأساسية المطلوبة لكى يجتاز الطالب المرحلة الدراسية. عدم اهتمام المدرسين والمدرسات بالجوانب الجمالية فى التنشئة التعليمية والاجتماعية للطلاب والطالبات، والتركيز على شرح بعض المواد على نحو جزئي. ضعف وتردى اهتمام المدارس والجامعات بجماليات البيئة المدرسية أو الجامعية، من حيث اقتناء لوحات التصوير التشكيلى ومستنسخاتها فى الفصول وفى القاعات وممرات المدارس والكليات وغرف المدرسين والمدرسات، وأساتذة الجامعة، ناهيك عن ندرة القطع النحتية، أو الجداريات الفنية، الأصلية أو المستنسخة!. تراجع اهتمام بعض كليات الفنون وأساتذتها بخروج طلابها إلى الشارع للرسم على الحوائط العامة وتجميلها، أو حثُ الطلاب فى أقسام النحت على تقديم بعض أعمالهم النحتية إلى المدارس. تراجع التربية على الجمال فى مؤسسات التنشئة التربوية لاسيما فى الأسرة. عدم اهتمام مؤسسات التنشئة السياسية لاسيما الأحزاب بالثقافة والجمال سواء فى برامجها السياسية والمكون الثقافى داخلها، أو حتى داخل المقار الحزبية ومكاتب قياداتها، واعتبارها أمورا خارج اهتمام السياسة والسياسيين! وهو ما يكشف خواء فهم النخبة السياسية للجمال فى السياسة والتنمية والحياة اليومية للمواطنين. هيمنة الأفكار الدينية الوضعية المتشددة التى تحرم التماثيل والمنحوتات، والتصوير التشكيلى والفنون عمومًا، لدى بعض الغلاة، وبعض الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، فى دروس تكوين قواعدهم التنظيمية وفى خطاباتهم الدينية الموجهة إلى الجمهور، لأنهم يرون الفنون حراما، وذلك على الرغم من عديد الفتاوى لكبار مشايخ الأزهر، وعلى رأسهم الإمام محمد عبده. كراهية الفنون تعود لخشية هؤلاء، من دورها التربوي، والجمالى فى الارتقاء بالذائقة الجمالية. ما قيمة التربية على الجمال، ونشره فى حياة المواطنين؟ يؤدى الجمال والتربية عليه فى حياة الإنسان عديد الوظائف المهمة وعلى رأسها ما يلي: إيقاظ الدوافع الاجتماعية نحو العمل الخلاق أيًا كان مجاله، ومن ثم تنشيط الدافعية والحيوية، وإلى المساهمة الفعالة فى عمليات ميلاد الفرد، والروح الفردية الخلاقة فى عديد المناشط، لاسيما الروح الفردية، والضمير والتدين الفردى الذى يؤدى إلى نسج العلاقة المباشرة بين الإنسان/ الفرد، والله جل جلاله وعلت قدرته وشأنه، وإلى صفاء العبادة من استعراضات وازدواجية التدين بين طاهر الإنسان وممارساته، للطقوس الدينية، وعلامات الإيمان الظاهرة فى الشكل والزي، وبين جوهر الإيمان الصافى الذى يرمى إلى الارتقاء بالسرائر وتشكيل الضمائر اليقظة التى تحاسب الذات الفردية ذاتها على أفعالها وردعها عن ارتكاب الخطايا والمحرمات والمعاصي، أو محاسبتها لنفسها اتقاءً للشرور والآثام والدنايا. يقظة الضمير الجمعى والوعى النقدى لدى «الأفراد» على نحو يسهم بفعالية فى حث المواطن/ المواطنين على المشاركة السياسية الفعالة، وفى ممارسة الرقابة المجتمعية على أداء السلطات العامة، والسلوكيات الاجتماعية المخالفة. الحساسية الاجتماعية النقدية إزاء القبح والتشوه العمرانى والعشوائية فى البناء وفساد بعض الموظفين العموميين، ومن ثم ستشكل الأداة الفاعلة لتطبيق قانون الدولة وإنفاذه فى الحياة اليومية. من ناحية أخرى يمكن طباعة لوحات كبار الفنانين العالميين والمصريين على تذاكر الطائرات، والقطارات، وتوظيف مستنسخات داخلها، وفى المدارس والجامعات والمؤسسات العامة، وإلزام شركات الإعلانات العامة والخاصة بوضع لوحة عالمية أو مصرية أو عربية على كل لافتة من إعلاناتها للجمهور. من ناحية أخرى إعادة النظر فى المناهج التعليمية فى كل مراحلها، وإدخال مادة فلسفة الجمال، وتطبيقاتها فى عديد المجالات للارتقاء بالذوق. لمزيد من مقالات نبيل عبد الفتاح