مالم تتحسن البيئة الطاردة للاستثمار في الغالبية العظمي من دول إفريقيا فلن تُجدي نفعاً مؤتمرات ولا زيارات رسمية ولا صرخات تطلقها المنظمات الإنسانية لإنقاذ حياة الأبرياء من عامة الأفارقة.ولن تتحسن بيئة الاستثمار إلاَّ بعد أن تتخذ الحكومات إجراءات جادة للحد من الفساد ولإصلاح الإقتصاد، وتنفيذ مشروعات تنمية حقيقية لإيجاد فرص عمل لملايين العاطلين تقنع الكوادر اللازمة للتنمية بعدم الهجرة إلي الخارج بدلاً من إنفاق المال الشحيح علي شراء السلاح لحماية الأنظمة الحاكمة، مع ضرورة احترام حقوق الإنسان والتوقف عن اضطهاد المعارضين والتنكيل بهم وعن إثارة صراعات عرقية في دول تعج بالقبائل والعرقيات، ولا تقبل محاباة أبناء قبيلة الحاكم أوعرقيته علي حساب حقوقها، وعن افتعال نزاعات مع الخارج لإلهاء الناس عن مساوئه. تحتاج خطط التنمية المستدامة بدول إفريقيا إلي 2٫5 تريليون دولار لا تَقدر حكوماتها علي توفيرها دون مشاركة من القطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية، كما قالت بحق وزيرة الإستثمار والتعاون الدولي سحر نصر بمناسبة مؤتمر إفريقيا 2017 الذي استضافته مدينة شرم الشيخ مؤخراً لإعطاء دفعة للإستثمار والتجارة البينية بين دول القارة.أما نسبة التجارة البينية بين الدول الإفريقية الخمس والخمسين فلا تتجاوز 16% من حجم صادراتها ووارداتها مقارنةً بها بين دول أوروبا حيث بلغت 64% وفقاً لتقرير منظمة التجارة العالمية وهو ما لا يساعد علي تنمية اقتصاداتها. معوِّقات الاستثمار في الدول الإفريقية لا حصر لها تتقدمها البنية الأساسية المهلهلة أوغير الموجودة أصلاً من طرق وموان وجسور، والفساد المستشري الذي يسمح للفاسدين من المسئولين عموماً والموظفين في مجال الاستثمار خصوصاً بنهب مبالغ تصل إلي 25% أحياناً من حجم الصفقة أوالمشروع مما يجعل المستثمر الأجنبي يفكر ألف مرة قبل ان يخاطر برأسماله.يضاف إلي ذلك القوانين المتخلفة المعوقة للاستثمار والقيود المفروضة علي تحويل عائد الاستثمارات الأجنبية إلي الخارج وتخلف النظم المصرفية الذي يعاني منها المستثمرون والجمارك الباهظة علي مستلزمات المشاريع الاستثمارية الآتية من الخارج وكثرة الإنقلابات العسكرية وغياب الأمن وديمقراطية حقيقية تساعد في تحقيق الاستقرار، فضلاً عن الصراعات العرقية والقبلية والدينية داخل الدولة الواحدة وأحياناً علي الحدود مع جارة لها، مما يجعل الاستثمار غير آمن.وإذا كانت مصر التي أجرت إصلاحات اقتصادية كبيرة قد احتلت المرتبة 48 في قائمة 138 دولة من حيث الوقت الذي يتم إنفاقه للبدء في أنشطة استثمارية جديدة وفقاً لتقرير التنافسية الإفريقية الصادر في مايو 2017 فما بالك بالوضع في دول إفريقية كثيرة تفوق فيها المعوِّقات مغريات الإستثمار بكثير. إفريقيا الغنية بثرواتها الطبيعية والمعدنية لا تملك دولها التقنيات ولا الأموال اللازمة لاستغلال تلك الثروات، ولابد من فتح أبوابها للشركات العالمية القادرة علي ذلك بشرط إزالة كل المعوقات التي تعترض عملها وألاَّ تتيح الفرصة للفاسدين من أبنائها للتربح من عملهم سواء بقبض رشاوي تطفِّش المستثمر أوبمنحه تسهيلات غير مشروعة تسمح له بنهب جزء من ثروات البلد بلا ثمن مقابل عمولات.ففي القارة ملايين الأفارقة الذين يموتون جوعاً أو يعانون من نقص الغذاء بينما يوجد فيها نصف أراضي العالم الصالحة للزراعة ولكنها غير مستغلة(1500 مليون فدان من بينها 175 مليوناً في السودان و20 مليوناً في الصومال)، كما أن لديها 65% من احتياطي ذهب العالم و95% من الألماس و90% من البلوتونيوم و25% من اليورانيوم و65% من الكاكاو و51% من الفوسفات و33% من الكروم والكوبالت.وإذا لم تنتهج الحكومات الإفريقية خططاً واضحة مشجعة ومغرية للاستثمار الأجنبي ولبقاء المستثمرين المحليين دون الهروب بأموالهم لاستثمارها في الخارج،حيث الأمان وقوانين مكافحة الفساد وسلطات تحرص علي تنفيذها، فستبقي تلك الثروات الضخمة بلا استغلال مناسب يُحسِّن مستويات معيشة المواطنين ويوفر لهم فرص العمل والخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية الضرورية. حالياً 98% من الذين يعانون نقص الغذاء يقيمون في دول إفريقية ويعيش أكثر من 600 مليون بلا كهرباء وأكثر من ثلث السكان بلا مياه شرب نقية و70% بدون صرف صحي،وكشف تقرير للمنتدي الإقتصادي العالمي في سبتمبر الماضي أن دول جنوب الصحراء الكبري(34 دولة)هي الأقل نمواً في مجال التعليم في العالم.ومستقبلاً سيرتفع عدد سكان إفريقيا من 1٫2 مليار حالياً إلي 2٫5 مليار بعد 33 عاماً وسيزيد عدد العاطلين إلي 50 مليوناً بحلول سنة 2040. المؤتمر انتهي بمجرد توصيات قد تنفذها الحكومات الإفريقية أو تتجاهلها، حيث أوصي المجتمعون بزيادة التكامل الاقتصادي وتشجيع ضخ استثمارات جديدة وإقامة مشروعات مشتركة خاصة في مجال البنية الأساسية لتدعيم الاستثمار والتبادل التجاري وتعزيز دور القطاع الخاص الإفريقي لزيادة معدلات الاستثمار وتبادل الخبرات وتنفيذ برامج محفزة لريادة الأعمال وتبني مبادرات تجاه التمويل لزيادة مشاركة الشباب كعماد للإقتصاد وتمكين المرأة في جميع مجالات النشاط الاقتصادي.فكيف ستُحل مشكلات الأفارقة بلا استثمارات وكيف تأتي الاستثمارات في ظل تلك الأوضاع غير المواتية ما لم يلمس المستثمر تحركات جادة وعملية من الحكومات الإفريقية لإزالة المعوقات؟ لمزيد من مقالات ◀ عطية عيسوى