تترسخ المصداقية في نفس ونفسية الإنسان حين يدركه الإيمان بالله عن صدق ويقين, لا يتزعزع ولا يميل وفق أهواء غفوات البشر, وحين يحمل الشاعر مسئولية وطنه ويمتلك دقة التعبير عن قضاياه تأتي كلماته في متن قصائده تعبيرا صادقا أمينا لمكنون مشاعره ودفقات أحاسيسه تجاه وطنه إن كان شجنا أو كان ابتهاجا, ونحن بإزاء عمل أدبي رفيع المستوي, ينطوي عنوانا دالا لاجيء له أوطان استخدم فيه صاحبه كلمة( لاجيء) وهي تعني ما اصطلح عليه فقدان الوطن والأرض, لكنه وبرغم قسوة المعني حين فقد الوطن فإنه امتلك أوطانا معنوية بديلة, إنها جذوة الأمل التي لم تفقد ضياءها وتوهجها في نفس الشاعر الفلسطيني المصري المولد سامي القريني, الذي استهل ديوانه بإهداء ينم عن سمته الرقيق, إلي كل لاجيء بلا وطن.. إلي كل من يشعر بالغربة في وطنه.. إلي أوطاني التي أحب.. وأعشق.. إلي وطني الأعظم.. والصدر الحنون.. العظيمة أمي, فقد رفع منزلة الوطن ومحبته إلي مستوي حب الأم, فالوطن عنده هو الأم والأم هي الوطن فكلاهما مصدر أمن وسكينة,- الديوان الذي تقترب صفحاته من المائة يضم اثنتين وعشرين قصيدة تنتمي إلي مدرسة الشعر الحر المتدفق عبر تفعيلته الندية وتتنوع موضوعاتها بين الوطني والوجداني والصوفي, ويفجر الشاعر من خلالها قضايا نوعية الفكرة, تأتي في مقدمتها فلسطين الوطن والغربة, هي السجن والحرية هي الوطن والمنفي, ويظل الوطن قائما في وجدان الشاعر وابداعه, وحين يكون الوطن احتمالا وارتحالا يكون حضوره أكثر حدة, ويكون جرحا مستمرا, وفي قصيدته لاجيء له أوطان يقول الشاعر سامي القريني: هل يمكن أن يكون لشخص واحد أكثر من وطن, أوطان يعشقها.. نبضات قلبه تعزف لها أعذب ألحان؟ هل يمكن للمرء أن ينتمي باخلاص وود لأكثر من مكان؟ هل تعرف معني كلمة لاجيء ثم يقول في موضع آخر من القصيدة: مع كل جرس كنيسة في القدس وكل أذان ينبئه أن الأقصي هو قلبه. ونسمعه في ختام القصيدة يقول: رغم رائحة الموت بين الأطلال جنين النصر ينمو في قلوب الأطفال, والفرحة ستولد من رحم الأحزان, حلم العودة إليك بلادي يتجاوز كل الأوطان, ولأن الشاعر سامي القريني مصري المولد فعشقه وصلته بمصر لم تنقطعا, لذلك خص الديوان بقصيدة تحمل عنوان مصر يقول في مطلعها: مصر مهد طفولتي, أرض الكرم والحب والجود, فيك كل أصحابي وأحبابي وأترابي.. أعشق فيك البشر.. والنهر والشجر.. أعشق فيك حتي التراب.. إن غبت عنك في قلبي تسكنين, يملأني إليك الحنين.. ثم يقول في قصيدة يافا ياغادة الشرق الساحرة.. غدا سيزول دولة الظلم.. غدا ستدور الدائرة.. انا فارسك ومحررك.. سيبقي اسمك خالدا علي جدران الذاكرة.. ستون عاما وانت اسيرة.. ايتها الاميرة.. البريئة الطاهرة.. ويتمثل الشاعر اولئك الذين حملوا فلسطين مرتحلين في حقائبهم هذه الارض التي وأدت اكثر من مرة عبر التاريخ كانت لها قدرة العودة التي تحفظ لها خصوصية وجودها علي الدوام..وهو يمتلك نظرة موضوعية لاحداث وطنه الاثير الاسير ويراه بعيون المغترب مكانا, برؤية تعادلية لم يفقد خلالها دفقاته الشعورية الوثابة وهو يمثل تيارا متوازنا بين شعراء فلسطين الارض والقضية متمثلا كل وطن عاش فيه هو وطنه الذي لم ينفصل عنه وقصائد الديوان حشد من الظواهر الاسلوبية الامينة علي ادائه ورؤاه, فالشعر يفتح الابواب علي الاحتمالات كلها, وهو موقف وجداني يحفظ كرامة الانتظار والترقب والعيش خارج حدود الوطن.