كلما وقعت عملية إرهابية من الجماعات التى تتدثر برداء الدين الإسلامى سارع الكثيرون لمطالبة الأزهر بضرورة تكفير داعش ومن لف لفهم، بل إن تلك المطالبة غالبا ما تكون مناسبة للهجوم على الأزهر وإمامه الأكبر الذى رفض وما زال يرفض تكفير داعش. فمنذ رفض شيخ الأزهر فى لقائه بطلاب جامعة القاهرة فى بداية ديسمبر عام 2015 تكفير داعش والمطالبات بتكفيره لهم لا تتوقف، وكان آخرها المطالبات عقب العملية الإرهابية فى مسجد الروضة ببئر العبد بشمال سيناء. وحتى اللحظة الراهنة ما زال موقف الأزهر وإمامه الأكبر كما هو لم يتغير بشأن رفض تكفير داعش وأمثاله رغم بشاعة حادث الروضة، وتجاوزه فى وحشيته كل عمليات داعش الإرهابية السابقة. ودون الدخول فى تفاصيل ومبررات موقف الأزهر من قضية تكفير داعش، ورغم أننى ممن يؤمنون بأنه ليس من دور الأزهر أو غيره أن يكفر أحدا، فإن السؤال المهم ليس ما إذا كانت داعش كافرة أم لا، وإنما السؤال هو وماذا نستفيد نحن فى حربنا ضد الإرهاب من تكفير داعش؟ وهنا لابد من التأكيد أولا أن دعوات تكفير داعش التى يتبناها فى الأساس قطاعات واسعة محسوبة على التيار المدنى الليبرالى هى فى الحقيقة مخالفة تماما لما يعتقد فيه ذلك التيار، ويعمل على التأسيس له فى المجتمع، وتأكيد أن إطلاق مثل تلك الدعوات يخصم كثيرا من رصيد ذلك التيار، بل إنه هو الذى سيدفع ثمن حثه للأزهر لتكفير داعش. صحيح أن التيار المدنى عانى وما زال يعانى شطط البعض من المحسوبين على الأزهر فى تكفيرهم كثيرا من الكتاب والمفكرين، ولكن يظل أن موقف الأزهر الرسمى ما زال ضد التكفير، إذ لا يوجد بيان رسمى باسم الأزهر كفر كاتبا أو مفكرا، ولكن يوجد طبعا مصادرة لبعض الكتب واختصام لبعض الكتاب والمفكرين فى المحاكم. بل إنه حتى لو كان الأزهر نفسه قد كفر البعض، فهل من المنطقى شرعنة ذلك الموقف بطلب المزيد من التكفير وتقديم الأمر على أن الأزهر من يمتلك صكوك الإيمان والكفر! وهل من المنطقى أن يكفر التيار المدنى بكل ما يدعو إليه تحت تأثير قسوة إجرام داعش، أو حتى نكاية فى الأزهر وعلمائه! الأمر الثانى أنه من الواضح أن المطالبة والإصرار على أن يقوم الأزهر بتكفير داعش يأتى فى إطار الاستياء المدنى من دور الأزهر فى مسألة تجديد الخطاب الديني. ومع التسليم بتواضع دور الأزهر فى هذا المجال، فإن فتح معركة جانبية عنوانها تكفير داعش لا يصب بأى حال فى مصلحة الحرب ضد الإرهاب، كما أنه يزيد من عمق الفجوة والاستقطاب بين التيارات المدنية والأزهر. وهو الأمر الذى لن يستفيد منه سوى الجماعات الإرهابية التى من صالحها أن يبقى الأزهر دائما تحت ضغوط مجتمعية ومتهم دائما بصرف النظر عن أسباب ذلك الاتهام. وفى كل الأحوال فإن التكفير أيا ما كان الطرف الذى يتم تكفيره لا يمكن أن يكون أحد مداخل تجديد الخطاب الديني، بل إن الوقوف فى وجه التكفير حتى لو كان لداعش هو المدخل الكبير والرئيسى لإطلاق عملية جادة لتجديد الخطاب الديني. الأمر الثالث والأهم هو أن ثمة كثيرين بقصد أو دون قصد يحاولون أن يوهموا الرأى العام بأن تكفير داعش هو مبرر قوى لخوض الحرب ضد ذلك التنظيم، وهو أمر يجافى الحقيقة تماما. ويبدو الأمر كما لو كنا فى حاجة إلى مبرر دينى لخوض الحرب ضد الإرهاب، بينما الحرب التى تخوضها مصر حرب ضد الإرهاب وفى القلب منه داعش هى حرب ضد مجرمين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية بما يوجب محاربتهم، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا أو ملحدين أو كفرة. الحرب ليست حربا دينية مقدسة، ولا ينبغى لها أن تكون كذلك حتى وإن كان أحد تداعيات الانتصار فيها دفاعا عن سماحة الدين الإسلامى وحمايته من هؤلاء المرتزقة الذى يقتلون الناس باسم الدين. فالإرهاب كما قال الرئيس السيسى ينتهك الإنسانية وينتهك حقوق الإنسان. ومن ذلك المنطلق فقط يحاربهم العالم المسلم وغير المسلم. كما أن محاولة استخدام تكفير داعش فى المعركة ضده هو فى الحقيقة تنفيذ للفكر الإرهابى المتطرف الذى يرى بوجوب قتال غير المسلمين باعتبارهم كفرة. ولنفترض جدلا أن الأزهر كفر داعش، فهل سيكون لذلك أى أثر فى المواجهة معهم حاليا؟ الأثر الوحيد الذى يراه المطالبون بتكفير داعش هو إثناء بعض ممن لديهم النية والاستعداد للانضمام للتنظيم عن اتخاذ تلك الخطوة. وكأن هؤلاء الأعضاء الداعشيين المحتملين يعنيهم كثيرا رأى الأزهر أو غيره فى مسألة تكفير داعش. فالأزهر يقول إن ما يقوم به داعش أعمال كفر وهم من المفسدين فى الأرض، ويؤكد أن ما يقومون به لا يمت للإسلام بصلة، ومؤخرا وصفهم شيخ الأزهر بأنهم بغاة وخوارج هذا العصر وقتالهم واجب شرعى، ومع ذلك ينجح التنظيم فى ضم أعداد جدد، بل إن هناك من يسعى للانضمام إليه ورفع لافتته، حتى وإن لم يلتق التنظيم. ثم ماذا عن المقاتلين فى صفوف التنظيم من الدول الغربية، خاصة وأن التنظيم لا يعتمد كما كانت القاعدة والجماعات الإرهابية السابقة على التربية الفكرية والعقائدية، والمنتمون لها لديهم خلفية دينية واحدة تقريبا. بتعبير آخر فإن المنتمين لداعش ليسوا فقط من الدول الإسلامية، ولا ينتمون إلى فكرة دينية واحدة، بل ربما الكثير من أعضائه لا يعرفون شيئا عن المذاهب الدينية ولا الأفكار الجهادية، فالتنظيم يعتمد فقط على القتلة أو على من يمكن أن يكونوا قتلة متوحشين سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا، مع توفير الغطاء أو المبرر لما يقومون به من قتل، وهو أنهم يقتلون كفارا، وأن جزاءهم فى النهاية الجنة وحور العين. لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة