جرت العادة أن يكون الولع الأجنبى بمصر إما فرنسيا، أو إنجليزيا، لكن ثمة جانبا آخر لعشق مصر لم يروه التاريخ كما ينبغي. منه هذا الكتاب المهم «الفنون التشكيلية فى جمهورية مصر العربية» الذى صدر أخيرا عن المركز القومى للترجمة، وهو للكاتب الروسى «أناتولى بوجدانوف» أستاذ تاريخ الفن فى أكاديمية الفنون الجميلة بسانت بطرسبرج، والمتخصص بأعمال المثال المصرى العالمى «محمود مختار». ومن ترجمة الروائى د.أشرف الصباغ. يقول بوجدانوف فى مقدمته:«..وجمهورية مصر العربية، لها مكانة بارزة فى العالم المعاصر، ولعل النضال الطويل والعنيد من أجل الحصول على الاستقلال واندلاع ثورة يوليو 1952 التى صاغت الخطوة الأولى نحو الطريق التاريخى المستقل، ونجاح عملية البناء السلمى والمقاومة البطولية لخطط المعتدين الإسرائيليين. كل تلك العوامل عملت بشكل ملحوظ على تطور الثقافة والفنون المصرية». يقع الكتاب فى 230 صفحة من القطع الكبير، وينقسم إلى فصلين تتخلل صفحاتهما مجموعة هائلة من اللوحات الأبيض والأسود والملونة لأهم التشكيليين فى تاريخ مصر الحديث. وعنون بوجدانوف الفصل الأول ب «الفنون التشكيلية قبل ثورة 1952»، ورصد فيه الوقائع التاريخية التى عاشتها مصر فى تلك الحقبة وشكلت وعى رواد الفن التشكيلي، على رأسهم المثّال الكبير «محمود مختار». وروح المقاومة ضد الاحتلال الانجليزي، والروح التى حققت النهضة المصرية. وصادفت إنشاء مدرسة الفنون الجميلة، وفتح الباب أمام رواد الفن التشكيلي. وصب المؤلف اهتمامه على المثّال مختار، ومسيرة حياته، وأهم أعماله، والمواد التى كان يختارها لتصنيع تماثيله من الكلس أوالجرانيت أو غيرهما، ودلالة ذلك، وتطرق لصنع تمثال سعد زغلول وربطه بالظرف السياسي، وكيف بدأ بورتريه وانتهى تمثالا ضخما يحمل معانى أكبر وأوسع. وغيرها من حكايات تماثيل المرأة المتعبة، وشيخ البلد، وغيرهما. وأطل بوجدانوف على أعمال محمود سعيد، وفرج منصور، وعبدالقادر رزق، وابراهيم جابر، وأحمد عثمان، وأحمد صبري، ويوسف كامل، ومحمد ناجي، وحسين بيكار. وفى الفصل الثانى يقول الكاتب: «استطاع انتصار ثورة يوليو، والنضال البطولى للشعب فى أزمة السويس أن يجعلا من فن الجرافيك سلاحا فعالا فى أيدى العديد من الفنانين المصريين». وتطرق أيضا إلى أثر الحراك السياسى الكبير على فن الكاريكاتير إيجابا، ونبوغ أسماء مثل طوغان وبهجت وحجازى وعبد السلام وزهدى وعزت ورخا وبهجورى ومصطفى حسين. ويشير بوجدانوف إلى تحقق الاستقلال والتحول للنظام الجمهورى وتحرير الأرض المحتلة لم ينهيا حركة الفن التشكيلى فى مصر ولم يأخذا أسبابها بعيدا. فاستمر الوهج، واتجه الفنانون لتصوير حياتهم اليومية وطبائعهم البشرية ونقل صور القرى والمدن فى أعمالهم.