قالوا: الكتابة للإنسان عمر ثان. وأكدوا أن المصرى القديم بنى الأهرامات ليقاوم النسيان. كلما ذهبت لمؤتمرات الشباب المصرية، ثم مؤتمر الشباب الدولى الأول، أسأل نفسى عن قضية توثيق تجربة المؤتمرات وما يجرى فيها لتصل لكل من لم يحضر. لأشرح نفسى أولاً. أقصد بالتوثيق ألا نكتفى بما يقال فى المؤتمر، ولا ما تكتبه الصحف عن المنتدى. أقصد بالتوثيق أن يكون لدينا ما نقدمه للأجيال القادمة عما جرى فى مؤتمرات الشباب. أنا من جيل ورقى يعتبر الورقة المطبوعة تمثل التاريخ الحى. لكن لا بد من إضافة وسائل التواصل الاجتماعى التى يمكن أن نجد فيها ما جرى فى هذه المؤتمرات بالصوت والصورة. أصبحت المؤتمرات علامة وإشارة للحالة المصرية. ولأنها تخاطب الشباب الذين كنا نقول عنهم: نصف الحاضر وكل المستقبل. ليست مؤتمرات والسلام. أيضاً بعد أن وضعت شباب مصر على طريق العالمية واستضافت شباباً من قارات الدنيا. لذلك فإن توثيقها يصبح مسألة لا تحتاج لمناقشة. بل لا بد منها. لا تبقى سجينة لغتنا العربية فقط، بل بلغات العالم التى سادت منتدى الشباب. عقدت خمسة مؤتمرات وطنية، بدأت بشرم الشيخ وأسوان والإسماعيلية والإسكندرية. عقدت بين أواخر أكتوبر 2016 وأوائل نوفمبر 2017. إننا أمام ستة مؤتمرات تم عقدها خلال عام. كان يعقد مؤتمر كل شهرين. وهو معدل غير مسبوق فى الاهتمام بالشباب والرهان عليهم ومحاولة عدم ترك مستقبل مصر القادمة للصدفة. بل والعمل على أن يخرج للوجود بصورة وطنية تحفظ للوطن واستقراره وللحلم استمراره. لم يكن مؤتمر الشباب العالمى قراراً مفاجئاً. ظهرت فكرته لأول مرة فى مؤتمر الشباب بالإسماعيلية أواخر إبريل. تبنى الرئيس عبد الفتاح السيسى الفكرة فى كلمته التى ألقاها فى ختام المؤتمر يوم 27 إبريل. وبعد ذلك بأشهر بثلاثة أشهر كان هناك مجموعة من الشباب يقومون باستعراض ما تم إعداده فى مؤتمر الشباب الذى انعقد فى الإسكندرية أواخر يوليو. تحدث هؤلاء الشباب عن مؤتمر عالمى للشباب. أعترف بأننى بعد أن حضرت مؤتمرات الشباب من بدايتها لم أتصور أن يكون المنتدى العالمى حدثاً بهذه الأهمية. له ما قبله ولا بد أن نحرص أن يكون له ما بعده. خرج بالظاهرة من بعدها المحلى، ووصل إلى مشارف الدنيا. وأقام صلات بين المصريين وبين سكان العالم المعاصرين لهم. وفى مقدمة الصلات التعامل المباشر بين شبابنا وشباب العالم. نواة من حضروا من مصر 1000 شاب يشكلون الدفعتين الأولى والثانية من برنامج التأهيل الرئاسى. لم يقتصر المنتدى عليهم. رأيت شباباً يمثلون تضاريس الجغرافيا المصرية دون تفرقة ودون تفتيش فى العقول ولا نبش فى القلوب. فيكفى أن يكون الشاب مصرياً ليصبح من حقه الحضور. لكن لا يمكن حضور جميع شباب مصر. ولا بد من الاختيار، وأى اختيار يجب أن نتوقع اعتراضات عليه ممن لم يحضروا. الذين سموا أنفسهم فى الإعلام الغربى: مطاريد مؤتمر الشباب العالمى. مفاجأة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الكلمة الختامية التى ألقاها فى أواخر منتدى الشباب العالمى الأول إعلانه عقد المنتدى الثانى للشباب فى نوفمبر المقبل، نوفمبر 2018، وفى مدينة السلام مدينة شرم الشيخ. ومع ترحيبى وسعادتى لهذا الخيال فى معانقة موضوع شبابنا الراهن. إلا أننى تساءلت عن مصير مؤتمرات الشباب المحلية. هل تتوقف لأنه أصبح لدينا مؤتمر عالمى أم تستمر؟ وإن استمرت - وأنا مع استمرارها - لا بد أن نجد صيغة ما للعلاقة المركبة والفريدة بينها وبين المنتدى العالمى. لا أملك سوى الكتابة، وللقرار أصحابه الذين يتخذونه. لكننا لن نعجز عن الوصول لصيغة ما تزاوج بين المؤتمرات المحلية والمنتدى العالمى. كلاهما مطلوب فى حالة تكامل. فكلما كانت مؤتمراتنا المحلية لها فعالية وواقعية وإدراك. ينعكس هذا على أداء شبابنا عندما يلتقون بشباب العالم. يكمن الأمر ولا أقول المشكلة فى البحث عن روح للمؤتمرات المحلية تصب فى المنتدى العالمى، وتؤدى إليه، ويصبح اللقاء العالمى تتويجاً للقاءاتنا المحلية. فلا يمكن الاستغناء عن أحدهما. يكملان بعضهما البعض. وكلما كان الاهتمام بالمؤتمرات المحلية مستمراً سيؤدى لصورة مصرية تتطور من مؤتمر وطنى للمنتدى العالمى الذى يقام بعده. الشباب الذين حضروا المنتدى العالمى الأول، كانت أغلبيتهم من قارتى إفريقيا وآسيا. ومع تسليمى بضرورة الاهتمام بالقارتين اللتين شكلتا مع مصر فى ستينيات القرن الماضى ما أطلق عليه العالم: العالم الثالث، أو قوى عدم الانحياز، أو القوى التى كانت جديدة وقتها. لا هى رأسمالية ولا هى شيوعية. لكنها صاحبة نهج جديد فى التنمية ينطلق من ظروفها الخاصة ومتطلبات حياتها المتفردة. قال الرئيس عبد الفتاح السيسى فى المنتدى العالمى الأول مخاطباً الشباب بما يمكن اعتباره دستوراً للعمل الشبابى، سواء لشبابنا أو لشباب العالم:«اعتزوا بأنفسكم، اعتزوا ببلدكم، اعتزوا بأديانكم، وحتى عرقيتكم اعتزوا بها، ولكن ابتعدوا عن الاستعلاء على الآخرين المختلفين عنكم، والذين لا يشاركونكم الوطن والعرق والدين أيضاً». طلبان محددان طلبهما الرئيس من شباب المنتدى العالمى الأول: الاعتزاز التى كررها ثلاث مرات، وعدم الاستعلاء على الآخرين، وكل صفة تكمل الأخرى. فعندما تعتز بنفسك تحقق العبارة المأثورة من التراث العربى القديم: الاعتزاز بالنفس خير معلن عن معانيها. الاعتزاز يمكن أن يصبح سكة للغرور والاستعلاء على الآخرين، والنظر إليهم كما لو كانوا أقل شأناً. والشباب مرحلة الخيال والحلم والرغبة فى تغيير العالم. قد يكون فيها اعتزاز بالنفس والوطن. لكن الاعتزاز لا بد أن يحاط بعدم الاستعلاء على الآخرين ومحاولة مد الأيادى لهم والتعاون معهم، فذلك الطريق لعالم جديد تحاول مصر أن تشارك فى بنائه على مستوى الدنيا. أمر لا أجرؤ على إغفاله. الاهتمام بالثقافة والفنون والإعلام فى الموضوعات التى تطرح للنقاش. كانت موجودة، ولكن دون تركيز عليها. مع أهميتها. الاكتفاء بالكلام يقلل من الأمر، فلماذا لا يشاهد زوار العالم ما تصنعه ثقافتنا من كلمة مكتوبة ولوحة فن تشكيلى ومقطوعة موسيقية؟ فالفنون تعكس روح الشعوب أكثر من أى كلمات. لمزيد من مقالات يوسف القعيد;