لا .. يا .. بولا.. لا ! أبدًا لم يكن مع بولا يعقوبيان - المذيعة الشاطرة فى قناة المستقبل اللبنانية -أى حق فى أن تفعل بنا نحن الإعلاميين والصحفيين والمتفرجين العرب ما فعلت.. فماذا فعلت؟لقد أمسينا فاكتشفنا أن هذا النوع من المذيعين مازال موجودًا بين ظهرانينا ولم ينقرض بعد، فاندهشنا وفغرنا أفواهنا، حتى إن عمرو أديب أنطقه الله بالحق فقال لها: (يا بولا أنا حاقد عليك). ولماذا الحقد يا أخ العرب ؟ طبعًا هو كان يقصد أنه (كزميل مهنة) يغبطها على -الخبطة- الصحفية والإعلامية التى حققتها بالانفراد بهذا الحوار المهم مع دولة رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى مساء الأحد المنصرم (وللتوضيح فقط.. فإن الغبطة ليست هى الحسد ولا هى الحقد البغيض !).كيف تجرأتِ يا زميلة على توجيه كل تلك الأسئلة هكذا بمنتهى الصراحة والوضوح والمباشرة لرئيس وزرائك فأنطقتِه بما لم نكن نتوقع أن ينطق به؟ لا .. يا بولا.. لا.. فليست هكذا تورد إبل الحوارات الإعلامية وقد تربينا منذ نعومة الأظفار على أن نترك «المصدر» يتحدث ويتحدث فيُملى علينا ما يريد دون مقاطعة أو استفسار. نحن لا نقاطع إلا إذا شعرنا بأنه فى طريقه لأن يتحدث بصراحة وهنا نتدخل فنعيده إلى جادة الصواب كى لا يؤذى نفسه فيؤذينا.بولا قالت لعمرو إن ما يعنيها هو مصداقيتها أمام مشاهديها، فهى تستمد مشروعيتها كإعلامية من كشف الحقيقة لمشاهديها، (قالت: أنا ما باتواطأ مع أى جهة على المشاهد)، وهذا - لو تدرين يا سيدتى - خطأ جسيم لا يُغتفر.. إذ الأصل أن المسئول دائمًا على حق وقوله لا مردّ له، وأن المُشاهد مستعد دائمًا لتصديق كل ما يقال له على اعتبار أن المسئول دائمًا هو الذى يفهم أكثر منّا !ردود الأفعال على الحوار كانت غريبة، حتى إن إحدى ربّات البيوت همست لزوجها وهى تشاهد الحوار: «شوف يا اخويا البنت جريئة إزّاي». أيضًا - وخلال التعليقات والبوستات التى انهمرت على وسائل التواصل والسوشيال ميديا وفى الفضائيات - كان الانبهار لا حد له، فكأن بولا أتت بما لم يأت به الأوائل. لقد اكتشف الكثيرون فجأة أن ثلة من المذيعين مازالوا قادرين على السؤال، فإن زاغ منهم المصدر (أى الشخص الذى يجرى المذيع معه الحوار) هنا أو هناك فإن المذيع يعيد السؤال نفسه بمنتهى الانتباه دون تهيب أو خشية سعيًا إلى كشف الحقيقة.نحن هنا لا يعنينا كثيرًا ما قاله الحريرى فى الحقل السياسي، ولا نحن نناقش القضية اللبنانية وتداعياتها إثر استقالته المفاجئة.. فهذا شأن الأشقاء اللبنانيين وتلك قضيتهم.. إنما نحن بصدد المهنية فى إدارة الحوار الصحفى والإعلامي. وللعلم فإن للمذيعين المصريين القدامي- رحمة الله عليهم جميعًا, سواء من رحل أو من بقى منهم حيًا - قصب السبق فى هذا المضمار، وعودوا إن شئتم إلى حوارات ليلى رستم، أو سلوى حجازي، أو مفيد فوزي، أو سمير صبري، أوطارق حبيب، وغيرهم، وستجدون كيف كانت تُجرى الحوارات.إن للحوار الصحفى والإعلامى أصولًا معروفة ومحفوظة عن ظهر قلب، يسمونها فى عُرف الإعلام «المهنية» التى أساسها أن كل هدف المحاور ومبتغاه هو كشف الحقائق دون تطاول على المصدر أو تعمد إحراجه أو مجاملته، وصولًا إلى قطع سلسال الشائعات والافتراءات الناتجة عن التخفى والإخفاء.. فهل هذا ما نشاهده حاليًا على شاشاتنا وفى التوك شو؟ لقد بلغ عدم التصديق لمصداقية حوار المذيعة الشاطرة أن وسوس شيطان الشك فى بعض الأذهان- التى اعتادت الشك ورضعت نظرية المؤامرة مع لبن الأمهات- بأن ما يجرى أمامنا هو مجرد «تمثيلية» إلا أن بولا قطعت الشك باليقين فقالت لعمرو: أبدًا لم يكن فى الأمر تمثيلية ولا حاجة. إن كل ما فى الأمر أن المذيعة مارست عملها بحذق واحترافية فلم يجد الحريرى بُدا من البوح.. طبعًا فى حدود ما تسمح به اللعبة السياسية، حيث إنك فى السياسة «ليس كل ما يحدث يُقال».حتى عمرو -وهو المذيع المتمرس اللبيب- وضع يده على جرحنا الغائر (المؤامرة) فسألها: هل كانت المقابلة فعلًا على الهواء مائة بالمائة؟ فلم يكن ينقص بولا إلا أن تحلف على المصحف بأن المقابلة كانت على الهواء (200 % ). نعم يا سيد الناس .. الحوار كان على الهواء.. ومع ذلك تمكنت المذيعة الشاطرة من ضبط الهواء.. فكيف؟ بالمهنية والإتقان وترتيب الأفكار والإعداد الجيد فى ذهنها لما سوف تسأل عنه. أليس هذا ما يسمونه فى العمل الصحفى ال «هوم وورك»؟دهشة المشاهدين، بل وحتى من جانب أبناء الكار الإعلامي، تشى بحقيقتين فى منتهى الأهمية، أولاهما، أن الإتقان هو أساس العمل الصحفى الناجح (بل وأى عمل كان). أما الإهمال والاستسهال والتسطيح وعدم احترام عقل المشاهدين وتلبيس العِمّة فهى بدايات الفشل لأى إعلامي.. فحذار من استغفالنا نحن المشاهدين. وأما الحقيقة الثانية، فهى أنك عندما تحترم مهنتك وتدرك قدرها وقدر نفسك (أيًا كانت تلك المهنة) فسوف تنجح رغم أنف الحاقدين المثبطين للهمم والعزائم.دروس عديدة مستفادة من هذا الحوار الذى ضجت لطزاجته ونجاعته الأوساط الإعلامية، على رأسها أن المذيع أو الصحفى أو العاملين فى مهنة الإعلام عمومًا عليهم أن يضعوا المشاهد والقاريء كأولوية قصوي، وهذا - للعلم - فى فائدة المسئول نفسه قبل أن يكون فى صالح المشاهدين. لماذا؟ ببساطة حتى يكتسب المسئول ثقة الناس فيصدقه الناس، ومن ثم ينجح فى تحقيق مهمته.. فكفانا إعلامًا من طرف واحد ! لمزيد من مقالات ◀ سمير الشحات