في لقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته الأخيرة لبكين في منتصف يوليو الماضي . طرح الرئيس الصيني شي جينبنج مقترحات لوضع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تقوم على مبادئ أربعة هى التأكيد على حل الدولتين على أساس حدود يونيو 1967، وان تكون القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وذلك على أسس قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية، والتمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، ويشمل الوقف الفوري لبناء المستوطنات واتخاذ التدابير الفورية لمنع العنف ضد المدنيين تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 2334، واستئناف محادثات السلام في اقرب فرصة ممكنة . والمزيد من تنسيق الجهود الدولية لطرح تدابير لتعزيز السلام على أساس مشاركة جماعية ، واستعداد الصين لدعم هذه الجهود . وتبني مقاربة متكاملة وتعزيز السلام من خلال التنمية. وفي هذا السياق تشير المقترحات إلي انه مع دفع عملية التفاوض السياسي، يجب ايلاء اهتمام خاص للتنمية، خاصة تعزيز القدرات الفلسطينية للتنمية الاقتصادية، حيث تري الصين أن كلا من فلسطين وإسرائيل شريكين مهمين في مبادرة الحزام والطريق، وان الصين مستعدة للعمل في ظل مفهوم التنمية من اجل السلام بهدف تشجيع طرفي الصراع على الانخراط في تعاون يعود بالنفع عليهما بما يعزز من قاعدة السلام، ويقلل من المخاطر التي تهدد مباحثات السلام بين الجانبين. وفي هذا الصدد اقترحت الصين إطلاق آلية حوار ثلاثي صيني / فلسطيني / إسرائيلي من أجل تنسيق تنفيذ برامج مساعدات رئيسية في فلسطين، كما تخطط بكين لعقد ندوة لنشطاء السلام الإسرائيليين والفلسطينيين قبل نهاية هذا العام ومن المعروف أن الصين التي تحتفظ بعلاقات متطورة بإسرائيل - تتبني موقفاً ايجابياً داعماً بقوة للحقوق الفلسطينية. كما عينت مبعوثاً خاصاً لها لعملية السلام في الشرق الأوسط منذ نحو عشر سنوات يتردد على مصر ودول المنطقة الأخرى لمتابعة هذه العملية. وكان الرئيس الصيني قد أكد موقف بلاده هذا في خطاب له في جامعة الدول العربية في يناير 2016، والذي انعكس في وثيقة أصدرتها بكين في ذات التوقيت حول سياسة الصين تجاه الدول العربية . والواقع أن أهم ما يميز المقترحات الجديدة للرئيس الصيني ، بالمقارنة بمقترحات سبق أن طرحها في مايو 2013، هو مسألة إطلاق حوار ثلاثي صيني / فلسطيني / إسرائيلي لتعزيز مشاريع تنمية اقتصادية لدعم الفلسطينيين، واتخاذ تدابير محددة لدعم التنمية الاقتصادية الفلسطينية ، مثل تشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في فلسطين في مجالات البنية التحتية وغيرها . كذلك تضمنت المقترحات استضافة »ندوة« حول السلام الفلسطيني / الإسرائيلي، قبل نهاية العام الحالى ، يشارك فيها نشطاء السلام من الجانبين. وعلى حين جاءت ردود الفعل الرسمية الفلسطينية على المقترحات الصينية ايجابية ومرحبة ، قوبلت هذه المقترحات بحذر وشك من قبل بعض المحللين الفلسطينيين على أساس أنها تهتم أساساً بما يسمي »استراتيجيات السلام الاقتصادي«، الذي تسعي الولاياتالمتحدة إلي تسويقه في الوقت الحالي في وقت لا يبدو فيه أن إدارة نيتانياهو مستعدة لوقف الاستيطان وسياساتها العنصرية بما يجعل من تنفيذ حل الدولتين أمراً صعباً ، وبالتالي يري هؤلاء المحللون أن مقترحات بكين تقوض الجهود الفلسطينية الرامية إلي تغيير الوضع الراهن وتكافئ إسرائيل على سياساتها الاستيطانية . والواقع انه ينبغي النظر إلي المقترحات الصينية ككل، وفي إطار السياسة الخارجية الصينية التي تتسم بالواقعية . فبكين وأن كانت تتفهم التخوفات الأمنية لدي إسرائيل إزاء قيام الدولة الفلسطينية ، إلا أنها تؤكد في الوقت ذاته الموقف الصيني الواضح في هذا الشأن. كذلك تدرك الدبلوماسية الصينية جيداً أن أي تحول في الموقف الإسرائيلي مرهون بموقف أمريكي غير منحاز لإسرائيل ، وان القوي الأخرى الكبرى لم تستطع تغيير هذه المعادلة . والخلاصة هي أن المقترحات الصينية، والتي لم تلق الاهتمام الإعلامي الواجب، تعد تحركاً ايجابياً ينبغي دعمه وتشجيعه، خاصة ان الصين مؤهلة بالفعل لأن تلعب دوراً أكبر في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وكل صراعات منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة ، في ضوء تعاظم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الصينية فيها خلال السنوات الأخيرة، والتي ستشهد طفرة كبيرة خلال المرحلة القادمة مع تزايد النشاط الاستثماري والتجاري الصيني ارتباطاً بمبادرة الحزام والطريق، والتي ستشمل مصر ودولا أخرى في المنطقة بما فيها فلسطين وإسرائيل .وتحرص الصين دائماً على التشاور الوثيق مع مصر بشأن تطورات عملية السلام، ودائماً ما تكون القاهرة محطة رئيسية للمبعوث الصيني لهذه العملية وللملفات الأخرى في المنطقة بما فيها الملف السوري. لمزيد من مقالات سفير . د. عزت سعد المدير التنفيذي للمجلس المصري للشئون الخارجية