ازدادت حاجة البلاد إلى مكافحة جرائم الفساد ، والمشاركة فى التنمية والبناء فى ذات الوقت، خاصة بعد ظهور جماعات التطرف والإرهاب، وتعددت لذلك صور الرقابة، سواء كانت رقابة سابقة، أو رقابة ذاتية، أو رقابة لاحقة، بل ولم تعد صور الرقابة داخل البلاد كافية ، وإنما أجمعت معظم الدول للتعاون فى مجال مكافحة الفساد ودعما للتنمية، وقد تجلت إرادة الدول فى التعاون نحو مكافحة الفساد وسد منابعه، باتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التى وقعت عليها 140 دولة منذ 21 أكتوبر 2003 وبلغ عددها حتى الآن 174 دولة، كانت مصر من أوائل الدول التى وقعت عليها فى أقل من شهرين منذ 9 ديسمبر 2003، بعدها عقدت الدول الأطراف المؤتمرات واللجان، واتفقت على ضرورة التعاون ووضع آليات للرقابة الدولية على مكافحة الفساد وغسل الأموال، وما لبث أن تحفظت واختلفت فيما بينها، حول كيفية الرقابة وآلياتها، خشية أن تستخدم لتحقيق أغراض سياسية أو وسيلة للتدخل فى شئون الدول الأخرى .. ولهذا ظلت فلسفة الاتفاقية الدولية ونصوصها فى واد.. وتطبيقها فى واد آخر! ومن الغريب أن دولة قطر، ظلت تتسابق على أن تكون اجتماعات الدول الأعضاء فى مقر عاصمتها الدوحة ، لدراسة أوراق اللجان والاجتماعات .. وترحب بالاتفاق لتظهر وكأنها راعية لمكافحة الفساد، وعقدت الدول الأعضاء فى المؤتمر دورته الثالثة بالدوحة فى نوفمبر 2009 لاستعراض آلية الرقابة والتدابير الوقائية وتقديم المساعدات لتنفيذ الاتفاقية، واسترداد الوجودات.. وقضية رشوة الموظفين لدى المنظمات الدولية، وظلت خلال السنوات السابقة تخفى دولة قطر قناعها الحقيقى ، وتُروج لنفسها بأنها تتفوق على باقى الدول فى أولوية مكافحة الفساد والشفافية !! ثم ما لبث أن انقلبت الدنيا ، وانكشف المستور ليعلم الجميع أنها كانت راعية لجماعات الإرهاب والفساد ، وتحاول التدخل فى شئون الدول الأعضاء وهو ما كشف القناع بعد سنوات ظل خفيا مدفوع الأجر!! لكن تلك الإتفاقيات الدولية لا تغنى عن الرقابة الداخلية فى البلاد لمكافحة الفساد، لأن الانسان سيظل ضعيفا جهولاً عجولاً ما بقى حياً، ولا يتعظ من تلك الرسائل التحذيرية التى تطالعنا كل يوم عن حالات الضبط والتلبس والمحاكمات الجنائية والإدانة. وكما تكون الرقابة السابقة تستهدف مكافحة الفساد قبل وقوعه.. ويتطلب ذلك دقة التحرى على المرشحين لتولى المسئولية، وضمان سلامة الذمم المالية وحسن السيرة والبعد عن المظنة، فإن منها أيضاً الرقابة الداخلية الذاتية التى تستهدف وضع آليات مسبقة للحيلولة دون وقوع الفساد واكتشافه ، ومنها كذلك الرقابة اللاحقة التى تتولى المتابعة والتحرى والضبط وتقديم المتهم للمحاكمة ، وقد تفوقت الأجهزة الرقابية فى هذه الصورة الأخيرة على نفسها . وتطالعنا الأخبار يوميا عند نشاط مكثف لأجهزة الرقابة، حول ضبط وقائع فساد بالجملة وعدوان على المال العام أو جرائم رشوة وغسل أموال، ومنها ما يقع فى حالة التلبس جهاراً نهاراً، ومنها ما يقع بعد جهد شاق، لكن اللافت للنظر أن هناك قيادات فى مواقع المسئولية والسلطة يتم ضبطهم ومساءلتهم وبعد أن تم التحرى عنهم ، ليؤكد أنه لا أحد فوق المساءلة ، ولم يمض على التحرى وقت طويل قبل تولى المسئولية ، وهو أمر يثير التساؤلات حول مدى جدية التحريات السابقة حتى ولو كانت ناعمة وضرورة وجودها نشيطة قوية تماماً كما يجرى بعدها ! وعلى حين تبدو الرقابة اللاحقة والضبط قوية ظاهرة ، وتبعث برسائل وتوجه التحذيرات بكثرة السوابق لكل من يفكر أن يقترب من جرائم الفساد ، فإنه يجب الانتباه أيضاً بذات القوة إلى الحاجة لمشاركة الأجهزة الرقابية فى التنمية والاستثمار .. وحل المشاكل وضرب الروتين وتحقيق الإنجاز وتنفيذ القرارات والأحكام ، وهى كلها أدوات أو وسائل تشارك فى التنمية والبناء.. خاصة فى مواجهة الأيدى المرتعشة أو العاجزة.. أو الشخصيات المسئولة التى نرى فيها الوهن والضعف والاستسلام والبعد عن تحمل المسئولية واتخاذ القرار !! وهى أيضاً صورة تقترب من الإهمال وتؤدى فى النهاية إلى الفساد . وفى باب مكافحة الفساد تأتى المادة 218 من الدستور لتلزم الدولة بمكافحة الفساد وبإصدار التشريع ، وأن يحدد القانون الأجهزة الرقابية والتى منها هيئة الرقابة الإدارية .. الجهاز المركزى للمحاسبات .. البنك المركزى .. الرقابة المالية ، وضرورة أن يضمن التشريع التنسيق بينها وتقرير النزاهة والشفافية والبرامج الوطنية لمكافحة الفساد أو المشاركة مع غيرها ، وهى إشارة إلى ضرورة إصدار قوانين مهمة مازالت لم تصدر بعد ، وعلى أهميتها فإنها تحتاج إلى التأنى والمناقشة ، لضبط الإيقاع ، بعيداً عن الصراع ، وأن تتسم بالجدية ، وأن يكون ذلك فى إطار المشروعية ،بعيداً عن الزهو الإعلامى والصراع ، لأن ذلك سلاح ذو حدين .. فى مواجهة الفساد والتنمية ،ويكفى التذكير بأنه عند إصدار قانون المحكمة الدستورية للرقابة على دستورية التشريع ، ظلت مواد المشروع لاستعراض صور الرقابة المختلفة وما إذا كانت رقابة سابقة .. أو لاحقة ، قضائية أو سياسية ، وهى صور من الرقابة موجودة فى كثير من الدول ، حتى اصطفى القانون من صور الرقابة المتعددة ، الرقابة اللاحقة لتراقب المشروعية وتسهم فى التنمية والبناء .. وارتفاع نطاق المشروعية بعيدا عن السياسة ، وحتى تستمر حالة الرقابة قوية فى إطار المشروعية .. وتحقيق المساهمة فى البناء والتنمية فى ذات الوقت !! لمزيد من مقالات د. شوقى السيد