حتى سنوات قريبة كنت أتصور أن غاية الغايات عند رجال الأعمال المصريين هى أن يمتلكوا قنوات فضائية وصحفا وسيارات يضغطون بها على أركان النظام الحاكم أو يسقطون القيادات السياسية التى لا تتجاوب مع رغبات الدول المتآمرة والآمرة المتحلقة بغيظ وموجودة حول أوطاننا وحولنا، أوهم يحمون مصالحهم الاقتصادية التى أصبح لها تعبير سياسي، ثم صار لها التعبير السياسى الأقوى فى هذا البلد.. ولكننى فوجئت بأن هذا تصور قديم جدا، وأن الأشاوس من رجال الأعمال تجاوزوه، وتخطوه بمراحل، فقد أفصح رجال الأعمال عن رغباتهم المعذبة الدفينة فى أن يصيروا هم أنفسهم إعلاميين يمتطون صهوات الميكروفونات «لواقط الصوت» ويمسكون بتلابيب أقلام الكتابة.. أصبح رجل الأعمال هذا يعمل مذيعا فى قناته ورجل الأعمال ذاك يشتغل محللا سياسيا فى محطته.. فيما ينطلق رجل الأعمال الثالث ليكتب فى صحيفته، حتى لو بذل جهدا هائلا ليجد من يكتب نيابة عنه.. أراد رجال الأعمال أن يلعبوا بأداة الإعلام بعدما خجلوا من التوجهات والأفكار التى لم يجدوا من ينوب عنهم فى إذاعتها أو كتابتها.. رجال الأعمال يريدون أن يعبثوا بعقول المصريين بعد أن خلت الساحة لهم بالانسحاب المتواصل للدولة من مؤسسات الإعلام القومي، المقروء والمسموع والمرئي، يريدون أن يحققوا المطلب الأمريكى القديم فى تفكيك السيطرة الحكومية عن أدوات الإعلام «والثقافة فى الطريق كما هو واضح»، رجال الأعمال الذين رفضوا العطاء لأوطانهم حتى بسحتوت أو مليم أحمر، يريدون ركوب أدمغتنا والسيطرة على توجهاتنا، وهم شيئا فشيئا يفرضون عادة وجودهم على الشاشات أو الصفحات، ثم يبدأون بعد ذلك فى قيادة القطيع إلى حيث يريدون أو إلى حيث تريد ماما أمريكا.. نحن هنا نخاطب الدولة المصرية.. إقضى على هذه المهزلة، وأعيدى الاعتبار لعشرات الألوف من الإعلاميين الوطنيين فى المؤسسات القومية الذين لا يتردد أحدهم فى الجود بحياته قبل نقوده لكى تحيا مصر، لا لكى يحيا البيزنيس والتهليب والتآمر. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع;