'اصحي يا نايم وحد الدايم.. وقول نويت بكرة إن حييت..الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم'.. لو عاش فؤاد حداد أيامنا هذه لكتب كلمات أخري. فلم يعد المسحراتي يجد نائما يوقظه، كل الناس سهرانين, والبركة في الفضائيات والمسلسلات والبرامج والمقاهي و... في رمضان يحلي السهر. المشوار بين مسحراتي الصفيحة والطبلة, ومسحراتي الموبايل والتليفزيون, طريق طويل, مازالت الذاكرة تحفظ ملامح تلك الأيام عندما كان يمر علينا عجوز في' أنصاص الليالي' مستندا علي كتف طفل صغير, وممسكا بجزع اقتلعه من شجرة بائسة, وصفيحة عفا عليها الزمن, فقدت ملامحها ولم يبق إلا صوتها الزاعق, عندما تلامسها خبطات جذع الخشب مع صوت المسحراتي الأجش, أصحي يا نايم, وحد الدايم, كانت ذاكرته حديدية, يحفظ أسماء كل سكان الحي, ينادي كل واحد باسمه, في كل حارة وزقاق. يقول عبد الحميد حواس مستشار أبحاث الثقافة الشعبية, رغم أن مهنة' المسحراتي' لمدة28 أو29 ليلة فقط في السنة, إلا أنها من أهم طقوس رمضان, ولم يختص المصريون وحدهم بعادة المسحراتي,, ثم كان لانتشار الوسائط الحديثة وتزايد معدل التغيرات الاجتماعية والثقافية وتبدل الأذواق والاحتياجات, أثر في الطلب علي أداء المسحراتي, سواء في جانبه الفني أو الترويحي, ومن هنا اخذ المسحراتي كظاهرة أساسية في المجتمع التقليدي يتلاشي, ولكن يظهر في الاحتفالات وخيام رمضان كنوع من الفولكلور, ومع انتشار الإذاعة والتليفزيون اتخذت مهنة المسحراتي بعدا فنيا علي يد الشاعر فؤاد حداد والموسيقار سيد مكاي حيث أضافا بعدا سياسيا اجتماعياوأعطاها عمار الشريعي شكلا مغايرا تماما, وحول همومنا وقضايانا إلي موسيقي وغناء, في الوقت الذي تواري فيه المسحراتي الذي كان أحد ملامح ليالي رمضان, وأصبح تراث مثل أشياء كثيرة في حياتنا.