احتلت تطورات الأزمة بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة حيزا كبيرا من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ لم يتردد دونالد ترامب فى اعتبارها إحدى الدول المارقة أى دول محور الشر ونوه بالتحرك العسكرى وأهمية حل قضية شبه الجزيرة الكورية سلميا، وفى حين تتعرض كوريا الشمالية لتهديد جسيم والحاح على تخليها عن أسلحتها النووية تعلو حوائط المدارس صورة «للعم سام» يحاول افتراس الكرة الأرضية المعلقة فى شوكة طعامه.. وتحمس شبكات التليفزيون الشباب على أهمية النضال ضد العدو الأمريكي.. فكوريا الشمالية بلد صغير، يجب أن يدافع عن نفسه فى مواجهة الامبريالية الأمريكية.. هكذا يفكر شباب جامعة كيم سونج الذين لم يتذوقوا مرارة الفقر فى منتصف السبعينيات عقب انهيار الكتلة الشرقية واجتياز البلاد المجاعة المروعة والكوارث المناخية التى أدت إلى الضرر بملايين من الضحايا. واليوم يتفاخر الشباب بتطور الصناعة والمنتجات المحلية بعد أن كانت جميع البضائع مستوردة من الصين، ويرون أن حياتهم اليومية قد تحسنت بفضل قائدهم الشاب كما، يؤكد بنك سول إنه برغم العقوبات فإن الناتج المحلى الانتاجى لكوريا الشمالية قد تقدم بنسبة 3٫9% عام 2016، أما شعبية «كيم جونج أون» فقد تدعمت من خلال تهديدات ترامب التى بدورها رسخت موقف الشعب فى مواجهة الذئاب الامبريالية حتى أن دبلوماسيا مرموقا قال «هل رأيتم كيف انتهى القذافى وصدام حسين؟ لانستطيع أن نثق فى الولاياتالمتحدة». لاشك أن وجود 30 ألف جندى أمريكى جنوب الخط المنزوع السلاح والذى يرسم الحدود بين الكوريتين، وخمسين ألف جندى باليابان بدون أن نحسب «جوام» و«الفلبين» فإن بيونج يانج ترى جيدا المخاطر فى حين أن الأحاديث بالبيت الأبيض أصبحت أكثر عدوانية وشراسة: «ان أى تهديد ضد الولاياتالمتحدة وأراضيها بما فيها «جوام» أو حلفاؤنا سوف يعقبه رد عسكرى ضخم وساحق «هكذا أعلن جيمس ماتيس عقب التجربة النووية السادسة لشمال كوريا، كما أن البيان الرسمى الخاص بالمحادثة التليفونية التى أجراها دونالد ترامب مع رئيس وزراء اليابان «شينزو آبى» نص على ان الولاياتالمتحدة لم تتردد فى استعمال جميع امكانياتها الدبلوماسية والتقليدية والنووية المتاحة. وفى الوقت الذى كانت تحتفل بالعيد ال 72 للعدوان النووى على هيروشيما فإن فكرة صراع نووى بكل صوره الكارثية يهز حتى الآن العالم!. كيف لايقلق العالم إزاء هذا التصعيد فى مواجهة تصرفات دونالد ترامب غير المتوقعة أو تكهن أفعال كيم جونج أون الجريئة! إذا كان السلاح النووى يسمح لبوينج يانج أن تقيم علاقة قوة حقيقية مع الولاياتالمتحدة فإن قادة كوريا الشمالية لا يتطلعون إلا إلى دوام بقاء نظامهم وليس لهم أى مصلحة فى استعمال ذلك السلاح الفتاك وليس لديهم أى نية حقيقية فى الهجوم على الولاياتالمتحدة، وفى حالة ضربة أمريكية فإن كيم بيونج يانج لم يقرر فى الوهلة الأولى الرد النووى الذى قد يعرض عاصمته للأسوأ وإنما وفقا لخبراء الاستراتيجية سوف يتم استبقاء السلاح النووى كقدرة للضربة الثانية ! ووفقا للخبراء الأمريكيين فإن «سول» العاصمة تبعد سبعين كيلو مترا من خط الحدود وبيونج يانج لا تحتاج للجوء إلى السلاح النووى وسلاح المدفعية يكفى لقتل مئات الآلاف من الضحايا !. كوريا لا تريد بالتأكيد شن هجوم على الأراضى الأمريكية لأن ذلك عمل انتحاري..إنها تريد الحوار.. ألم يجر الرئيس كارتر عام 1994 مفاوضات للخروج من الأزمة النووية أثناء زيارته لبيونج يانج ؟! ووفقا لرؤية كوريا الشمالية الدبلوماسية فإن المفاوضات المباشرة على مستوى عال قد تسمح بتهدئة الضغوط بالانطلاق فى حوار على أسس متعادلة.. فوراء فن الفصاحة الخطابية الحربية فإن بيونج يانج تخفى طموحها ورغبتها فى تطبيع علاقاتها مع العالم أجمع. إن موقفها الذى لم يتغير منذ عشرين سنة يتضمن أربع نقاط جوهرية: الاعتراف الرسمى بالنظام وتوقيع اتفاقية عدم اعتداء مع الولاياتالمتحدة وإقامة علاقات مستقرة مع واشنطن وبقية العالم، رفع عقوبات الأممالمتحدة. وتوقيع اتفاقية سلام مع الجنوب لقد مر 64 عاما عقب الهدنة المؤقتة التى أنهت الحرب الكورية.. إن عقوبات جديدة كما يرى المراقبون لن تغير شيئا من إصرار كوريا الشمالية. وبعد مرور كم من السنوات يجب أن يتعود العالم بأن يتعايش مع تلك الحقيقة.. إن كوريا الشمالية أصبحت قوة نووية، إنها عقيدة تباع للشعب باسم الاستقلال القومي. ولابد من حوار جديد يأخذ فى الاعتبار هذه الحقيقة السوداء..ولم ينجح ترامب ومن قبله أوباما فى إيجاد حل فى التوقيت المناسب لأن كيم جونج أون قرر ذلك . ويتصور ترامب أنه لابد من الضغط على الصين التى تنغلق وفقا لخبراء الملف الكورى فى استراتيجية شيزوفرينية كما يؤكد كريستيان ماكاريان خبير الشئون الخارجية لأن بيكين لا تقبل فكرة أو احتمال عودة وحدة كوريا..لأن ذلك سوف يكون بالطبع لصالح النظام الرأسمالى فى سول. ولاشك أن الثلاثين ألف جندى الأمريكيين القابعين فى كوريا الجنوبية سوف يعسكرون على الفور على حدود الصين. وسوف تشعر القوة الأولى للعالم بحرج فى أن تبدو المساند الدائم لدولة تهدد سلام العالم فتدين بيونج يانج وتقوم بالتصويت فى الأممالمتحدة لصالح العقوبات الاقتصادية وتنبثق حقيقة قاسية، إن بيونج عندما تستعمل التهديد النووى فلقد نجحت فى أن تصبح مركز «الزلزال السطحي» وأن تجر واشنطن فى لعبتها وتملى إيقاعها على بكين ! إن كل هذه المهارة من قبل نظام طليق يزيد من مخاوفنا ! ولذلك يحذر الغرب من الشيطان الذى يسكن فى بيونج يانج!. لمزيد من مقالات عائشة عبدالغفار