هل فكرت يوماً في أنك ستكون قصة تُروى للناس من نهايتها.. انتبه إذن إلى "سوء الخاتمة"، فقد يعمل المرء العمل الصالح الدهر الطويل، لكن يُختم له بخاتمة السوء، فيلقى عاقبةً وخيمةً. يُروى أنه كان بمصر رجل ملتزم بالأذان، فرقى المنارة يوما لأدائه، وكان تحتها دار لغير مسلم, فاطلع فيها فرأى ابنته، فافتتن بها, وترك الآذان, ونزل إليها، ودخل الدار، فسألته: ما تريد؟ قال: "أنت أريد، سلبتِ لبى, وأخذتِ بمجامع قلبي". قالت: "لا أجيبك إلى ريبة". قال: أتزوجك. قالت له: أنت مسلم، وأبي لا يزوجنى منك. فقال لها: أترك ديني، قالت: إن فعلت أفعل، فارتد عن الإسلام، وتزوجها، ثم أقام معهم في الدار , فلما كان في يوم رقى إلى السطح فسقط منه فمات. فعلَّق البعض قائلا: "يا لها من خاتمة سيئة.. لا نجا بدينه، ولا ظفر بها". ولسوء الخاتمة أسبابٌ، أهَمُها: "الانكباب على الدنيا، والإعراض عن الآخِرة، والإقدام على المعاصي، والتَّسويف بالتوبة، والتَّهاون في فعل الواجِبات، إضافة إلى حب المعصية. قال ابن قُدامةَ في "مختصَر منهاج القاصدين": "إذا عرفتَ معنى سوء الخاتمة؛ فاحذرْ أسبابَها، وأَعِدَّ ما يصلح لها، وإيَّاك والتَّسويف بالاستعداد؛ فإنَّ العمرَ قصيرٌ، وكلَّ نَفَسٍ مِن أنفاسك بمنزلة خاتمتِكَ؛ لأنه يُمْكن أنْ تُخطَف فيه رُوحُكَ، والإنسان يموت على ما عاش عليه، ويُحْشَرُ على ما مات عليه". وزاد ابن رجب فقال: "خاتمة السوء تكون بسبب دسيسةٍ باطنةٍ للعبد، لا يطَّلع عليها الناس، إمَّا من جهة عملٍ سيِّئٍ ونحو ذلك، فتلك الخَصلة الخفيَّة توجِب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرَّجل عملَ أهل النار، وفي باطِنه خَصلةً خفيَّةً من خِصال الخير، فتغلب عليه تلك الخَصلة في آخِر عمره، فتوجِب له حُسْنَ الخاتمة". ومن عجائب سوء الخاتمة، كما جاء بصفحة للتواصل الاجتماعي، أن أحدهم كان يعمل في سيارة نقل، فوقع له حادث أليم نقل على إثره إلى المستشفى، وكان في النزع الأخير، وبينما كان الأطباء يلقّنونه الشهادة أخذ يردد: "باقي نفر.. باقي نفر". قال ابن القيم: "أخبرني من حضر عند وفاة أحد الشحاذين أنهم جعلوا يقولون له: قل: "لا إله إلا الله"، فجعل يقول: فِلس لله.. فِلس لله، حتى خُتم له بهذه الخاتمة". هكذا تخذل المعاصي صاحبها عند الموت, فتظهر عليه علامات سوء الخاتمة، ومنها كراهية الموت، ولقاء الله. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءهُ." (صحيح البخاري). والأمر هكذا، حذَّر رسول الله، صلى الله عليه وسلم من سوء الخاتمة، فقال: "فَوَ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا". (رواه البخاري). وفي حديث أنس: "لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يُختم له فإن العامل يعمل زمانا من دهره بعمل صالح لو مات دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيئا".(صححه الألباني). وكان مالك بن دينار يقول: "والله لو استطعت ألا أنام ما نمت، قيل له: لماذا؟ قال: أخشى أن يأتيني ملك الموت وأنا نائم، ولا أريد أن يأتيني إلا وأنا على عمل صالح". (الزهد للإمام أحمد). وما بين سوء الخاتمة وحُسنها يمتد حبل ممدود من "التوبة النَصوح"، يحفظ المرء، ويدخله الجنة. قال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ". (التحريم: 8). و"التوبة النَصوح": ألا يعود في الذنب، كما لا يعود اللبن في الضرع. وقد تابت الغامدية، أيام الرسول، صلى الله عليه وسلم، من الفاحشة، توبة لو قُسمت بين سبعين لوسعتهم. كما تاب ماعز، وسبح في أنهار الجنة. (رواه مسلم). اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;