للأعياد فى الإسلام منزلة كريمة, إذ تعود على الأمة الإسلامية، كل عام, حاملة الخير والبركة, من الله تعالي، إلى عباده، بعوائد المغفرة والإحسان، فتشهد تصفية القلوب, ونقاء الضمائر, وانتشار المودة وتتجلى إشراقاتها على المجتمع المسلم، فيزداد أفراده حبا ووحدة, ويتم التواصى بينهم وبين أرحامهم, ويألفون ويؤلفون، ذلك مع ارتباط الأعياد فى الإسلام بالعبادات, إذ يأتى عيد الفطر عقب أداء فريضة الصيام, ويأتى عيد الأضحى متزامنا مع حج بيت الله “الحرام”, وتزدان الأعياد بتكبير الناس ربَّهم على ما هداهم إليه سبحانه من طاعات، وعبادات. يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، إن الإسلام شرع صلاة العيد، وجعل فى كل عيد عطاء من الأخ لأخيه, وأهله وذويه, ففى عيد الفطر يقدم زكاة الفطر للمحتاجين طُهرة للصائم من اللغو والرفث, وطُعمة للمساكين, وفى عيد الأضحى يذبح من كان قادرا أضحيته، ويبعث بها إلى الأهل والفقراء والمحتاجين. ويضيف الدكتور عمر هاشم أن الله تعالى يغفر ذنوب صاحب الأضحية عند أول قطرة من دمائها، مشيرا إلى أنها سنة مؤكدة, إحياء لذكرى الفداء العظيم لإسماعيل عليه السلام, وفى الوقت نفسه تُعد إطعاما للأهل والمحتاجين, وتوسعة على الأهل والعباد. وإذا كان ضيوف الرحمن يذبحون هديهم, فإن إخوانهم فى بلادهم يذبحون أضحيتهم, وإذا كان الحجاج يلبون, فإخوانهم فى بلادهم يكبرون. ويوضح أن يوم العيد يوم طاعة وعبادة وذكر, وتآلف وتعاطف بين جميع المسلمين، من كانوا يؤدون فريضة الحج, ومن كانوا فى أوطانهم, مشيرا إلى أن الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة أيام عبادة وطاعة, وفيها من العطاء المتبادل بين المسلمين ما فيها, كما أن فيها من الألفة والمودة والتعاطف ما فيها, مما يستوجب على كل الموحدين أن يقدروا عظمة هذه الأيام, وما فيها من حرمة ومنزلة, ومودة ووفاق, فتكون دعوة حق ونداء صدق, أن يثوب الجميع إلى رشدهم, ويتوبوا إلى ربهم, ويكونوا متحدين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. ويستطرد أن يوم الأضحى يوم إكمال الدين، وأنه فى العيد يتم أكبر اجتماع ممكن, بعد أن اجتمع المسلمون كل يوم خمس مرات فى الصلوات, ثم يجتمعون اجتماعا أكبر كل أسبوع فى صلاة الجمعة, ثم يجتمعون اجتماعا أكثر عددا فى كل عام مرتين، فى عيدى الفطر والأضحي. كل ذلك ليتعودوا الاجتماع ووحدة الصف والهدف، لذا على المسلمين أن يتواصلوا، ويهنئ بعضهم بعضا، فى هذا اليوم. ترويح عن النفس ويواصل الدكتور هاشم حديثه: إن الإسلام أباح فى الأعياد الترويح عن النفوس, والمرح الحلال البعيد عن المحرمات، فعن عائشة، رضى الله عنها، أن “الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم عيد فتطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لى منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت”. ورُوي عنها أيضا أنها قالت: دخل علينا أبو بكر فى يوم عيد وعندنا جاريتان تغنيان بيوم بعاث (يوم مشهور من أيام العرب) فقال أبو بكر: عباد الله: أمزمارة الشيطان؟ قالها ثلاثا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا بكر: إن لكل قوم عيدا، وإن اليوم عيدنا”. وبهذا البيان السمح والتعاليم السمحة ندرك عظمة الإسلام ويسره وأنه لا تشدد فيه، ولا تزمت, ولا عنف، ولا تطرف. ترابط أسري ويقول الدكتور محمد عبدالرحمن الريحاني، عميد كلية دار العلوم بجامعة المنيا، إنه لا بد أن تعم الفرحة في يوم العيد، وإنه على المسلمين في هذا اليوم التعامل بأخلاق الإسلام، وعدم إيذاء مشاعر الآخرين، مع التصدق على الفقراء، لأن الهدف من الأضحية: (إطعام البائس الفقير). ويضيف: علينا أن نحفظ الجوارح، وأن نتقي الله، ونصل الأرحام، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). ملابس جديدة وحول آداب وسنن العيد يقول الدكتور محمود عبده نور، الأستاذ بجامعة الأزهر، إنه يجب على المسلم قبل الخروج لصلاة العيد اختيار الملابس اللائقة، وإنه يُستحب تأخير الأكل بعد الصلاة في عيد الأضحى بعكس عيد الفطر الذي نتناول فيه ثلاث تمرات قبل الذهاب للصلاة، وذلك لقوله تعالى :(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ). ويردف الدكتور محمود أنه يُستحب الخروج للصلاة من طريق، والرجوع من طريق آخر. فعن جابر، رضي الله عنه، قال: “كان النبي عليه السلام إذا كان يوم عيد خالف الطريق”. ويتابع أنه يجب أيضا في هذا اليوم على كل مسلم تهنئة من يقابله، سواء يعرفه أو لا يعرفه، كما تجب أيضا زيارة الأهل والأقارب، والتوسعة على الأهل في المأكل والمشرب، والبعد عن المحرمات، مع تجنب زيارة القبور.