ربما لم تشهد كندا من قبل ارتباكاً فى علاقاتها الخارجية مثلما يحدث الآن مع الولاياتالمتحدةالأمريكية فى عهد ترامب، فهو كما وصفته بعض الصحف الكندية «رجل يعانى من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، وصاحب «الأنا» الضخمة الذى يهدد بتحطيم كل شيء إذا لم يكن راضياً عن المفاوضات». المثال الأبرز والأكثر ازعاجاً للحكومة هو موقف ترامب من اتفاقية «نافتا»، أوما يسمى باتفاقية التجارة الحرة بين دول شمال امريكا التى تضم كنداوالولاياتالمتحدةوالمكسيك، فاحياناً يهدد ويكاد يقرر ترامب إلغاءها وهو ما يضر قطاعات مهمة فى الاقتصاد الكندي، وإحياناً يقول أنه لا مشكلة مع كندا، فالمصالح متوازنة، أى الفوائد متوازنة، لكن المشكلة مع المكسيك. فلا احد على وجه الدقة يعرف ماذا يريد أو ماذا سيفعل. الحكومة الحالية الكندية برئاسة جاستن ترودو حرصت طوال الوقت على ألايتم جرها الى معركة كلامية مع ترامب وحكومته، فطوال الوقت كانت ملتزمة بالهدوء والتصريحات المتوازنة. فقد قال مثلاً رئيس الوزراء جاستن ترودو إن إضافة حواجز تجارية بين كنداوالولاياتالمتحدة تؤذى بصورة كبيرة سوق العمل فى البلديْن. كما عين ترودو وزيريْن جديديْن معنييّْن بالموضوع واللجوء إلى خدمات رئيس حكومة المحافظين التى وقعت على اتفاق «نافتا» آخر عام 1992، برايان مالروني. كما أنه قابل ترامب مع عدد من وزرائه أكثر من مرة. بالإضافة الى تصريحاته أنه لا يمانع فى اعادة النظر فى الاتفاقية بما يحقق مصالح الكل لكن المشكلة هى أنه لا يعرف على وجه الدقة ماذا يريد ترامب. اتفاقية نافتا دخلت حيز التنفيد فى عام 1994 ووقع عليها الرئيس الأسبق كلينتون، وجوهرها هو الانتقال الحر للبضائع بين الدول الثلاث، وكان هناك تخوف من اكتساح البضائع المكسيكية لأسواق كنداوامريكا، لأنها ستكون ارخص. لكن حتى لو كان هذا صحيحاً فهو يدفع الصناعات المحلية الى تطوير نفسها وكسب هذه المنافسة، وهو ما يعود على المستهلك بالنفع و ينشط السوق. فالدول الغربية بشكل عام لا تفضل فى الأغلب الأعم اسلوب حماية الصناعات المحلية. ورغم ذلك فإن تصريحات ترامب تأتى مخالفة لهذه الحقيقة، حيث قال على سبيل المثال إن «ما فعلته كندا بمنتجى الألبان لدينا معيب»، مضيفاً أن اتفاق التجارة الحرة بين دول أمريكا الشمالية («نافتا» NAFTA) يعد «كارثة» لبلاده. ربما يفكر الرئيس الامريكى دونالد ترامب بشكل مختلف، فقد ابدى انزعاجه من أن الكثير من الشركات الأمريكية الضخمة تقوم بالتصنيع خارج امريكا، على سبيل المثال شركة آبل عملاقة التكنولوجيا. وطلب منهم أكثر من مرة أن يعملوا فى الداخل الأمريكى وهو فى رأيه ما ينشط سوق العمل ويقلل البطالة. كما هدد عددا من الشركات الاخرى مثل شركة تويوتا اليابانية بفرض رسوم على سياراتها التى يتم تصنيعها فى المكسيك والتى تدخل السوق الأمريكية، وطالبهم بأن يؤسسوا مصانعهم فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. المشكلة هى أن الولاياتالمتحدة هى أكبر شريك تجارى لكندا، إذ تذهب إليها ثلاثة أرباع الصادرات الكندية. كما أن حجم التبادل التجارى بين البلديْن، البالغ 841 مليار دولار سنوياً، هو الأكبر بين أى بلديْن حول العالم. ولذلك تتعامل الحكومة الكندية بهدوء وحذر بما يليق ب «حليف استراتيجي»، فهى لا تريد الإضرار بالقطاعات المستفيدة من الاتفاقية وهو ما يؤثر على الوظائف بالطبع، وفى ذات الوقت لا تريد توترات فى علاقتها بالشريك الأهم، لكن المشكلة هى عدم وضوح ماذا تريد ادارة ترامب على وجه التحديد؟ سؤال تبدو اجابته صعبة للغاية على الاقل من وجهة نظر كندا.