حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرة الثلج النارية!!
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 08 - 2017

عربة من بعدها عربة ليأخذنى إليه من بعد دورانات الحدائق الغنّاء طابور رجالى طويل من الأمام والخلف فى القصر الرئاسى بقرطاج، المطرز بطابع الفن التونسى العريق، حيث يقوم السفير المصرى أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية بمهمة تقديم كل من عليه الدور من ضيوف منظمة «الألكسو» المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة.. وما أن ذكر الأمين العام للرئيس التونسى الباجى قايد السبسى أننى صاحبة قلم مصرية حتى قرأتها فى نظرة اهتمام عينيه، وابتسامة وجهه الودود المرحبة بدور المرأة فى مجالات الحياة، حتى أنه خلال وقفتنا الرسمية السريعة لم ينس التفاخر بما بلغته المرأة التونسية فى بلاده من ترقٍ معددًا مكاسبها المرموقة، حتى أننى اليوم وبعد ستة أشهر لا غير من لقائى به موقنة بأن الرئيس التونسى الذى لمست فيه هذا الجانب الإنسانى يقصد عن قناعة ذاتية إضافة جديدة لتمييز التونسية تزيد من أوسمتها، وأنه ليس وراء خطابه الجديد إظهار حزبه بمظهر الداعم لحقوق الإنسان عموماً والمرأة خاصة، التى تمثل نصف عدد الناخبين فى بلده، أى استمالة للعنصر النسائى لغايات انتخابية.. وذلك بمناسبة العيد الوطنى للمرأة التونسية الذى طالب فيه بإلغاء الإجراء الذى يمنع التونسية من الزواج بأجنبى غير مسلم معللا بالتغيرات الاجتماعية التى تعيشها المرأة وظروف دراستها وعملها فى الخارج، وأيضًا احترامًا لرغبتها فى العيش وفق قناعتها الشخصية، كما طرح السبسى للنقاش موضوع المساواة بين الرجال والنساء فى الإرث معتبرًا أن بلاده تتجه إلى المساواة فى جميع الميادين، مبررًا طرحه بأن المرأة التونسية تشارك بنحو 45٪ من نفقات الأسرة، وتحصل على 54٪ من القروض الصغيرة وتسددها، لذلك فإن تحقيق المساواة فى الحقوق سيضمن المساواة الكاملة بين الجنسين.
وكان خطابه أمام أعضاء حكومته فى 13 أغسطس الحالى احتفالا بإقرار وثيقة الأحوال الشخصية الصادرة فى 1956 التى منحت النساء العديد من الحقوق، وأنهت تعدد الزوجات والذى جاء فيه: «لدينا دستور لدولة مدنية، لكن المعروف أن شعبنا شعب مسلم ولن نسير فى إصلاحات تصدم مشاعر الشعب التونسى»، وتدارك السبسى: «لكن لابد من أن نقول إننا نتجه نحو المساواة بين الرجال والنساء فى جميع الميادين، والمسألة كلها فى الإرث» وأعلن أنه شكل لجنة كُلفت بالنظر فى المساواة فى جميع الميادين على أن ترفع إليه تقريرًا فى موعد لم يحدده مضيفاً: «عندى ثقة بذكاد التونسيين وبرجال القانون لإيجاد الصياغة التى لا تصدم بها مشاعر عدد من المواطنين والمواطنات وتضمن عدم وجود (حيف فى حقوق المرأة)»..
وعلى هذا فالرئيس التونسى يريد للتونسية مزيدًا من الحقوق لكنه لا يتخذ القرار وحده وإنما يعرضه على مائدة الحوار، وإن كان هناك ائتلاف ضم أكثر من 60 جمعية قد وقَّعَ فى مارس الماضى بياناً يطالب فيه بإلغاء قرار وزارة العدل التونسية الصادر عام 1973 الذى حظر فيه من زواج التونسيات بغير المسلمين من الأجانب، وينص القرار على ضرورة تقديم غير المسلم شهادة اعتناقه الإسلام أمام أحد الأئمة من أجل اتمام إجراءات زواجه بتونسية مسلمة، وجاء فى بيان مطالبة الائتلاف بالإلغاء وكانت غالبية موقعيه من النساء أن ذلك القرار يطعن حقًا أساسيًا لأى كائن بشرى، وهو الحق الحر فى اختيار الزوج، كما يتعارض مع دستور تونس الجديد من ضمان لحرية الضمير والمساواة بين التونسيين..
وإذا ما كان الرئيس السبسى قد قال إنه لا يريد لإصلاحاته كما يراها أن تكون صادمة لمشاعر الشعب التونسى فإنها بالفعل كانت أكثر منها صادمة فى الداخل التونسى وخارجه، وقد أيدها البعض ورفضها الكثيرون، ففى تونس نفسها أثار قرار المساواة فى الميراث بالذات حفيظة فئة كبيرة بسبب ما اعتبروه تهديدًا لثوابت الشريعة الإسلامية، حتى أن جامعة الزيتونة التونسية التى قامت الدكتورة بنت الشاطئ بالتدريس فيها طويلا قد أصدرت بياناً سريعاً تعتبر فيه أن مبادرتى رئيس الجمهورية المتعلقتين بالمساواة فى الميراث وزواج المسلمة بغير المسلم «تتعارضا مع أحكام الدستور ومبادئه فى فصله الأول والسادس وغيرهما»، «كما ترى أن أصول أحكام المواريث من المحكمات الثابتة بالأدّلة الصريحة كتاباً وسُنّة وإجماعًا، وما كان ذلك فلا مجال فيه للنظر والتأويل والاجتهاد»، وأضافت الزيتونة «إن قانون الإرث فى صحيفة الأحوال الشخصية التونسية مبنى على الفقه الإسلامى، وتغيير بعض أحكامه يحدث اضطرابًا يؤدى إلى هدم المنظومة القانونية بما فيها منظومة الأسرة والأحوال الشخصية، مما يؤسس إلى مزيد من الفردانية ويعمق النزاع الأسرى».
كما اعتبرت الزيتونة أن «المساواة المعتبرة فى التشريع الإسلامى هى التى تؤدى إلى تحقيق العدل بين الناس بناء على تلازم الحقوق والواجبات» وحول زواج المسلمة بغير المسلم قالت الجامعة الأولى فى تونس: «إن هذا الملف بالذات قد انعقد الإجماع العام على تحريمه، وهو حكم استقرت عليه الفتاوى فى بلادنا قديماً وحديثاً»، وأوصى بيان جامعة الزيتونة الرافضة للمساواة فى الميراث والزواج بغير المسلم رئاسة الجمهورية بضرورة استشارة ذوى التخصص الشرعى فى مسائل الشأن الدينى، وذلك بتفعيل دور الموسسات الدينية والعلمية (جامعة الزيتونة، والمجلس الإسلامى الأعلى، ووزارة الشئون الدينية، ودار الإفتاء) كما طالبت بتوجيه العناية اللازمة فى وقتنا الحالى بأمهات القضايا، ومراعاة الأولويات الوطنية التى تحمى البلاد من الإرهاب والفساد وتحقق له الأمن والاستقرار والرُقى... وإذا ما كانت الزيتونة تستجير بدار الإفتاء موقنة من رأيها المناصر المعضد، ولابد من رأيها، فإنها تعجب الآن من أن مفتى تونس ذات نفسه الشيخ عثمان بطيخ قد أصدر بياناً ساند فيه مقترحات رئيس الجمهورية قائلا إن مقترحات السبسى تدعم مكانة المرأة، وتضمن وتفعّل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات التى نادى بها الدين الإسلامى فى قوله «ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف» فضلا عن المواثيق الدولية التى صادقت عليها الدولة التونسية التى تعمل على إزالة الفوارق فى الحقوق بين الجنسين، وفى موقفه من بيان الأزهر الذى يؤكد أن المواريث مقسمة بآيات لا تحتمل الاجتهاد، يقول الشيخ بطيخ «علينا أن نتعاون فيما نتفق عليه وهو كثير، ونعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه وهو قليل، والاختلاف رحمة طالما الحقوق محصنة».. هذا بينما يأتى مفتى الجمهورية التونسية السابق حمدة سعيد مع الزيتونة بقوله: «ما كنت أحب أن أجلس يومًا أدافع يومًا عن فكرة إسلامية كانت لمدة 1400 عام من المسلمات، وإذا بها اليوم تسقط فى المخالفات»، ويأتى قول فاطمة شقوت مدعمًا للزيتونة التى تعمل أستاذة فيها بقولها: «إن اقتراح تعديل تشريعات الميراث كأنه تشكيك فى حكمة المولى، وكأننا نقول لرب العزّة أنك أخطأت فى التقسيم، وكأننا نحكم على الله عزّ وجل بأنه غير عادل مع المرأة»، وقد أكد الشيخ عبدالوصيف أستاذ العلوم الإسلامية بأن تصريحات الرئيس التونسى «خطيرة لأنها صدرت من غير علم أهل الاختصاص، وجاءت فى وقت يحتاج فيه الشعب التونسى إلى التكاتف والوحدة أمام مشاكل أخرى».
وعلى المستوى التشريعى علقت عبلة الهوارى عضو لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب قائلة: «إن مثل هذه القرارات التى تخالف الشريعة الإسلامية تحمل أفكار أجندة خارجية»، واستنكرت النائبة فايقة فهيم عضو مجلس النواب «أن يتم إصدار قانون جديد يساوى بين الرجل والمرأة فى الميراث بالمخالفة للشريعة الإسلامية ولقوانين الدولة، وهناك آيات قرآنية وأحكام سماوية تحكم هذه الموضوعات».. والآن فى تونس هناك من يذكِّر بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (1903 2000) الذى منح التونسيات حقوقا كثيرة فى عام 1956 فرضها على مجتمع لم يكن مستعدًا لها قبل ستين عاماً، وأن ما بدأه بورقيبة يكمله السبسى بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الإرث، وكان بورقيبة أول من نزع عن التونسية حجابها صلوحة بوزقرومحلة وهو لحاف حريرى تقليدى تغطى به كامل جسدها عند خروجها من المنزل، وقد اشتهرت صلوحة بصاحبة السفسارى، وأصدر بورقيبة وقتها مرسومًا بسحب القوامة من الرجل، وتجريم الزواج العرفى، وتعدد الزوجات، وجعل الطلاق بين القضاء، وكانت جريمة تعدد الزوجات عقوبتها الحبس لمدة عام مع غرامة باهظة.. وقد عُزل بورقيبة عن الحكم بانقلاب من قبل زين العابدين بن على وفُرضت عليه الإقامة الجبرية فى منزله، كما حجبت أخباره عن العالم حتى وفاته فى 6 ابريل 2000 ليمنع نقل مشهد جنازته على شاشة التليفزيون، وكان قد تزوج للمرة الأولى من الفرنسية «ماتيلد» التى تكبره بحوالى 12 سنة وأنجبت له ابنه «الحبيب» الوحيد بورقيبة الابن، وتطلقا بعد 22 عاما، ليتزوج للمرة الثانية عام 1962 من الثائرة وسيلة بن عمار التى ألقى القبض عليها فى عام 1948، وكانت من أشد المعجبات وصديقة حميمة لأم كلثوم، ومن اقتراحات بورقيبة غير موثقة المصادر وجوب إلغاء الصيام عن العمال لأنه يقلل الإنتاجية، ومحاولة ثنى الحجيج التونسيين عن زيارة الأماكن المقدسة لما فيه من إهدار للعملة الصعبة، والاكتفاء بالتبرك بمقامات الأولياء والصالحين كأبى زمعة البلوى، وأبى لبابة الأنصارى، وأيضًا منع الشباب من صلاة الفجر، وقال ذات مرة «لو خُيرت بين الجامعة العربية والحلف الأطلسى لاخترت الأخير».
وإذا ما كان بورقيبة قد توترت علاقته مع عبدالناصر حين اختلف معه فى الخطاب والأيديولوچيا ومواقف من قضايا جوهرية مثل الوحدة والقومية وفلسطين، فإننا فى مصر وتونس نظل أبدًا فى وفاق دائم على المستوى الوجدانى والفنى، وسنبقى أبدًا فى مصر عشاقاً للتراث التونسى والمزارات التونسية وسيدى بوسعيد والغناء التونسى، و«برشا برشا» لصابر الرباعى، وصوت لطفى بوشناق الذى يفعل بمشاعرنا الحماسية الأعاجيب عندما يشدو بالشجن كله: «لا حروب ولا خراب.. ياوطن وانت حبيبي.. خدو المناصب والمكاسب لكن خللولى الوطن.. يا وطن وانت حبيبي.. وانت عزّى وتاج راسي.. انت يا فخرى المواطن والمناضل والسياسي.. انت أعلى وأنت أعظم من الكراسى».. ويغنى بوشناق للناس «هادى غناية ليهم الناس اللى بتعانى ونسيتهم الأغانى»..
ولأنها أمور تدخل فى صميم الدين الإسلامى، فقد تجاوز الجدل الداخلى التونسى حول مساواة المرأة والرجل فى الميراث وزواج المسلمة بغير المسلم الحدود ليتخذ بعدًا إقليميًا رغم ما يعتبره البعض فى تونس بأن مقترحات الرئيس السبسى قضايا تُهم المجتمع التونسى فقط، وليس من حق أحد خارجى الدخول فى هذا النقاش المحلي.. و..كيف بالله ترددون هذا المنطق.. إنه الإسلام يا عالم الذى يظللنا فى مصر وتونس وأهلنا فى القدس الذى جعلنا أبناء الأمة الإسلامية جميعًا نهب للدفاع عن مبدأ الصلاة الآمنة فيه، وهو الذى جعل أزهرنا الشريف يصدر بياناً يقول إن تدخل غير العلماء المدركين لحقيقة الأحكام الشرعية من حيث القطعية لا تقبل الاجتهاد، ولا تتغير بتغير زمان ولا مكان، والمواريث مقسمة بآيات قطعية الدلالة وهى من الموضوعات القليلة التى وردت فى كتاب الله مفصلة لا مجملة، وكلها فى سورة النساء، وهو ما أجمع عليه فقهاء الإسلام قديماً وحديثاً، حيث إن آية المواريث محكومة بنص قطعى لا يحتمل أى تأويل «يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين»، ولم يكتف المولى سبحانه وتعالى بذلك فى صدر الآية، بل ختمها بتأكيد «آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله» أى أن هذ المواريث شأن تعبدى إسلامى لا يحتمل سوى سمعنا وأطعنا.. وحول قول برهان بسيّس القيادى فى حركة نداء تونس حزب الرئيس السبسى بأنه من «المفيد التذكير بأن نقاشنا التونسى الداخلى يظل ظاهرة صحية ومطلوب مهما بلغ حجم اختلافاتنا، وعلينا تحصين أجواء الجدل الفكرى والثقافى بيننا كتونسيين من أى تشويش خارجى، فقط عن طريق جعلها رفيعة المستوى راقية المضامين لا تقع مهما بلغ الخلاف يها فى مصيدة التكفير المتبادل.. محافظون يكفرون غيرهم دينياً، وحداثيون يكفرون غيرهم مدنيا»..... ولكن الظاهر أن كرة الثلج النارية كعهدنا بها عندما تخرج من تونس الخضراء تأخذ طريقها المرسوم الذى تكبر فيه وتتضخم مباشرة إلى أرض النيل كما حدث فى الربيع العربى لتجد فيها حضّانات مجهزة سلفًا تقول إننا نعيش فى عصر الظلامية، وأن المرأة المصرية فى القاع، وأن هناك حالة من الفوبيا تسيطر على عقول التيار الإسلامى، وأن هناك سماسرة دين، وأن هناك فاشية ضد ضياع ملامح الدولة المدنية...و...
ولقد نبهنا الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر فى رمضان الماضى فى حواره التليفزيونى شديد الأهمية من أن الموجة القادمة من بعد الهجمة الشرسة الحالية على أئمة التراث الإسلامى والحديث الشريف ستتعدى حدودها وسوف تتسلل بتوجهها التدميرى التكفيرى إلى النص المقدس ذاته.. إلى العقيدة التى جاءت فى القرآن الكريم.. وأنها ستجعل من ساحة المصحف مسرحًا للتطاول.. و..«إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».
صلى الله عليه وسلم
ضم الإله اسم النبى إلى اسمه
إذ قال فى الخمْس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجلَّه
فذو العرش محمودٌ وهذا محمدُ
«أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله».. رُفع ذكره صلى الله عليه وسلم فى الدنيا والآخرة، فليس من خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادى بها.. رُفع اسمه مقرونًا باسم الله كلما تحركت به الشفاه، وليس بعد هذا رفع وليس وراء هذا منزلة، وهو المقام الذى تفرد به صلى الله عليه وسلم دون سائر العالمين.. وفيما جاء فى فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم «عن أبى طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر فى وجهه فقلنا إنا لنرى البشر فى وجهك يا رسول الله قال: إنه أتانى الملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك أن لا يصلى عليك أحد إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرًا»، وعن ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أولى الناس بى يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة»، وهناك قرابة الأربعين حديثا نبوياً فى فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليّ صلت عليه الملائكة، ومن صلت عليه الملائكة صلى الله عليه، ومن صلى الله عليه لم يبق شيء فى السماوات ولا الأرض إلا صلى عليه»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «أقربكم منى مجلسا أكثركم عليّ صلاة»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «الدعاء بعد الصلاة علىّ لا يُرد»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «الصلاة عليّ نور على الصراط»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى وكل بقبرى ملكاً أعطاه أسماء الخلائق كلها فلا يصلى عليّ أحد إلى يوم القيامة إلا بلغنى اسمه وقال يا رسول الله: إن فلانا صلى عليك»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما اجتمع قوم فى مجلس ولم يصل عليّ فيه إلا تفرقوا كقوم تفرقوا عن ميت ولم يغسلوه»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ لله ملائكة بأيديهم صحائف من نور، لا يكتبون إلا الصلاة علىّ وعلى أهل بيتي»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «من صلى علىّ فى يوم مائة مرة قُضيت له فى يومه مائة حاجة»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى الصلاة عليّ من أمتى فأستغفر لهم»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «من صلى علىّ كنت شفيعه يوم القيامة»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «من صلى عليّ صلاة واحدة أَمر الله حافظيه أن لا يكتبا عليه ذنباً ثلاثة أيام».. وعن عائشة رضى الله عنها قالت: «من صلى على رسول الله عشر مرات وصلى ركعتين، ودعا الله تعالى، تُقبل صلاته، وتُقضى حاجته، ودعاؤه مقبول غير مردود»، وعن زيد بن حارثة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه فقال: «صلوا علىّ واجتهدوا فى الدعاء وقولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد»، وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علىّ فإن صلاتكم علىّ زكاة لكم واسألوا الله لى الوسيلة»، وعن سهل ابن سعد الساعدى أن النبى عليه الصلاة والسلام قال «لا صلاة لمن لم يصل على نبيه صلى الله عليه وسلم»، وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، وصلوا علىّ فإن صلاتكم تبلغنى حيثما كنتم»، وعن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله «ما من أحد يُصلى علىّ إلا رد الله علىّ روحى حتى أرد عليه»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «أقربكم منى منزلا يوم القيامة أكثركم علىّ صلاة»..
اللهم صل على سيد المرسلين وخاتم النبيين ورسول العالمين الذى أُنزل عليه فى الكتاب العزيز تعظيمًا له، وتوقيرًا «يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدًا، ومبشرًا ونذيرًا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرًا» (سورة الأحزاب)، وهو خطاب خاص لم يخاطب الله به أحدًا من المرسلين ولا من الأنبياء ولا رسولا بالرسالة، إلا سيد خلقه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى نادى أبا البشر: «يا ادم اسكن أنت وزوجك الجنة»، و«يا نوح اهبط بسلام منا»، و«يا إبراهيم أعرض عن هذا»، و«يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض»، و«يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتى عليك».. وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك»، و«يا أيها الرسول لا يحزنك»، و«يا أيها النبى حسبك الله. يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال»، و«يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين»، و«يا أيها النبى إذا طلقتم النساء»، و«يا أيها النبى لمَ تحرم»، و«يا أيها النبى اتق الله»، و«يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا»..
رسول الله إلى الخلق أجمعين من قالت عنه السيدة عائشة رضى الله عنها: «كان قرآنا يمشى على الأرض».. كان فى قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ما يُنزل على القلوب آمناً وسلاماً واستبشارًا بالغد.. ففى حديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قال: «يا معاذ بن جبل» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً، قال: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمدًا رسول الله صادقًا من قلبه إلاّ حرمه الله على النار»، قال: يا رسول الله أفلا أخبرُ بها الناس، فيستبشروا؟ قال: «إدَّا يتَّكلوا» أى حتى لا يتكلون عليها فأخبر بها معاذ عند موته تأثما أى تجنبًا عن الإثم إن كتم وهنيئاً لنا أن معاذ لم يكتمها ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد.
آفة حارتنا النسيان!!
لم يدخل نجيب محفوظ معتقلات عبدالناصر ولا السادات رغم الانتقادات الصريحة التى كان يوجهها عبر رواياته وقصصه لسلبيات موجودة بالمجتمع فى عهدهما محاولا تعريتها ولفت الأنظار إليها، ولكن السلطة كانت واثقة من حسن نواياه فى كتاباته، وكان ناصر نفسه مدركًا لهذه الحقيقة بدليل تدخله لصالح محفوظ بعد نشر روايته «ثرثرة فوق النيل» ولم يترك الأمر لانفعال المشير عبدالحكيم عامر.. ويتذكر محفوظ المرة الوحيدة التى التقى فيها بعبدالناصر وكلّمه وجهًا لوجه عندما زار ناصر مبنى الأهرام الجديد ورافقه هيكل إلى حجرة أدباء الأهرام، وعندما جاء دوره فى المصافحة قال له ناصر مبتسماً: «يا نجيب بقى لنا زمان ماقريناش لك حاجة»، ورد عليه هيكل: «ستنشر له الأهرام قصة غدًا، ولكنها من النوع اللى يودى فى داهية»، وعقّب عبدالناصر على الجملة الأخيرة موجهًا حديثه إلى هيكل: «يوديك انت».. ومن هنا ظل لدى نجيب محفوظ شعور بالاطمئنان والثقة، وبأنه لن يتعرض لأى نوع من الغدر طالما هناك عبدالناصر.. وكان فى جملة آرائه عنه يرى له أخطاء لا تُغتفر، ومنها إخفاؤه المعلومات عن الشعب لدرجة أنه لم يعرف شيئاً عن مرضه إلا بعد وفاته ليفاجأ بأنه كان مصابًا بمرض خطير فى القلب، وأنه كان ممنوعاً من العمل لفترة غير قصيرة، وأن مصر تحكمها لجنة، وأن الروس يعلمون بحقيقة مرضه حين كانوا يعالجونه، بينما شعبه كان آخر من يعلم، ويعتقد محفوظ أيضًا أن الأمريكان كانوا يعرفون بمرض عبدالناصر ويعدون العُدة لما بعده.. ونزلت وفاة ناصر على نجيب كالصاعقة ليُودعه بمرثية أدبية بليغة على هيئة حوار جاء فى بعضها:
- حياك الله يا أكرم زاهد
- حياكم الله وهداكم
- إنى أحنى رأسى حبًا وإجلالا
- تحية متقبلة، ولكن لا ننسى قولى: «ارفع رأسك يا أخى».
- سيكون أحب الطرق إلى نفسى، الطريق إلى مسجدك
- طريق الحق هو الطريق إلى العلم والاشتراكية
- نستودعك الله يا أكرم من ذهب
- كلنا ماضون، ومصر هى الباقية..
ويزور جمال عبدالناصر فى «أحلام فترة النقاهة» صاحبها ليقول فى حلمه رقم (209) وهى التى بلغت (497) حلماً: «وجدتنى مع الرئيس عبدالناصر فى حديقة صغيرة وهو يقول: (لعلك تتساءل لماذا قلّت مقابلاتنا، فأجبته بالإيجاب، فقال: كلما شاورتك فى أمر جاءت مشورتك بالاختلاف كليًا أو جزئيًا، فخفت أن تتأثر صداقتى لك بهذا الموقف. فقلت: أما أنا فلن تتأثر صداقتى لك مهما اختلفنا».
وتنشر الأهرام «أولاد حارتنا» التى تضم جملا أقرب إلى الأقوال المأثورة منها:
- ليس الطريق مسدودًا فى وجهك إلا أن تسده بيديك..
- الحزن جمر مدفون تحت الرماد
- العمل لعنة.. لا تزول إلا بالعمل
- اليأس قوة
- من يذق ألمى تهن عليه الشماتة
- عندما يحترموننا أحياء نحترمهم أمواتًا
- من العار أن أرى أهلى يبادون وأنا أنعم بظلك..
- الموت نهاية كل حى، فما وجه الشماتة فيه؟
- مادام يوجد طغاة فلابد أن يوجد مهاجرون
- ما أيسر أن يقوم العدل دون إراقة نقطة دماء
- أنت لا تكره الظلم إلا أن وقع عليك
- آفة حارتنا النسيان
- ضيع الجبن الشرف
- أنا ما عرفت الأصدقاء حتى عرفتهم
- خير للإنسان أن يُقتل من أن يَقتل
- فى حارتنا إما أن يكون الرجل فتوة، وإما أن يُعد قفاه للصفع..
- سيرتى كالعطر على كل لسان..
- إذا قالت الجارية فقد قالت السيدة..
- ما جدوى الشباب والحياة، والموت يتبعنا كالظل
- للدعاء قيمة عندما كانت للعمر قيمة..
- المشغول بالعمل يَنْسى..
- النقود تكثر بالصبر..
- لن يجدينا تذكر الأخطاء
- لا يطالب مخلوق بما فوق طاقة البشر..
- ليس الطريق واحدًا..
- ما أغنى الأموات عن إخلاصنا
- حظنا من الدنيا الذباب ومن الآخرة التراب..
- لا يبكى ميت على فقد بصره..
- الهرب أيسر على واحد منه على اثنين..
- تعوَّد مثلى على مقت الآخرين لك
- بات الزمن أثقل من الذنوب
- التسليم هو أكبر الذنوب جميعًا
- مجيئكم بعددكم الوفير ينم عن الارتياب
- ماذا أبقيت لمن يجيء بعدك؟!..
- القوة عند الضرورة والحب فى جميع الأحوال
- حارتنا التعيسة فى حاجة إلى النظافة والكرامة..
- تعاسة الآخرين تفسد عليّ سعادتي..
- الناس يعبدون القوة، حتى ضحاياها
- حول أكوام القمامة تكثر الكلاب الضالة
- إما النظام وإما الهلاك
- الحزن قبيح.. لكن كلانا مصاب
- أما وقد مات فحق للميت الاحترام
[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.