المتطرفون يقتلون ويدمرون بفتاوى باطلة.. والمواجهة الأمنية وحدها لا تكفى لقاء الرئيس مع الشباب يقطع الطريق على المزايدين والمتربصين بمصر مؤتمر عالمى للفتوى أكتوبر المقبل ..ومشروع قومى لتصحيح صورة الإسلام أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن تنظيم الأسرة جائز شرعا، وأنه يجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة مؤقتة إلى أن تتهيأ لهما الظروف المناسبة لاستقبال مولود جديد يتربى في ظروف ملائمة. وقال المفتي فى حواره مع «الأهرام»، إن مبادرة رئيس الجمهورية بتنظيم مؤتمر شهري للشباب يقطع الطريق على المزايدين والمتاجرين بهم، ويمنع استقطابهم من الأعداء المتربصين بمصر. وشدد على ضرورة تضافر جهود جميع مؤسسات الدولة في مواجهة فتاوى القتل والتدمير والتخريب وتصحيح الفكر المتطرف لدى الشباب. وأوضح الدكتور شوقي علام أن دار الإفتاء تنفذ مشروعا قوميا لتصحيح صورة الإسلام فى الخارج، وأن مؤتمرا عالميا لدار الإفتاء سيعقد فى شهر أكتوبر المقبل حول «أهمية الفتوى فى استقرار المجتمعات»، بمشاركة علماء دين ومفتين من ثمانين دولة حول العالم. وأكد المفتي أن المسجد الأقصى خط أحمر، وحمايته من الاعتداءات الإسرائيلية تتطلب تكاتف جميع الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولى، والى نص الحوار: فى ظل الزيادة السكانية الكبيرة والحالة الاقتصادية الراهنة والحاجة إلى التنمية الشاملة، تصدر بعض الفتاوى التى تحرم تنظيم النسل؟ فما الرأى الشرعى فى تلك القضية الشائكة؟ إن القضية السكانية هى قضية غاية فى الأهمية إذا أردنا تحقيق التنمية المنشودة، ومن الضرورى الأخذ بكل وسائل العلم لتحقيق الصالح العام، ورأى الدين يدعو دائما للتوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية، حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر. ودار الإفتاء استقرت فى فتواها على أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة والجائزة شرعا، وهذه المنظومة التى نسير عليها، متسقة مع منظومة التشريعات المصرية، كما أن الإسلام يدعو للغنى وليس الفقر ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة. وهناك اتساق بين جميع النصوص الشرعية فى هذا الشأن التى تدعو لرخاء الإنسان وتحقيق استقراره، ونحن أمام قضية مهمة تستحق تكاتف جميع الجهات للتعامل معها بما يصب فى صالح الوطن ويحقق التنمية المنشودة. ولكن البعض يفتى بأن تنظيم النسل يتنافى مع مقاصد وأحكام الشريعة الإسلامية؟ إن الأولاد هبة من هبات الله سبحانه وتعالى لعباده، وهم من زينة الحياة الدنيا كما قال عز وجل: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف: 46]، وكما أن الأولاد هبة مهداة إلى الإنسان فهم أيضًا أمانة وفتنة واختبار ومسئولية معلقة فى عنقه لا بد من أن يرعاها حق رعايتها كما فى فتنة الأموال، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 28]، وقد أمر الله عز وجل المؤمنين بالعمل على إصلاح النفس والأهل والنأى بهم بعيدًا عن الهلاك فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6]، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه: 132]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ». والإضاعة كما تكون بعدم الإنفاق المادى تكون أيضًا بالإهمال فى التربية الخلقية والدينية والاجتماعية، فالواجب على الآباء أن يحسنوا تربية أبنائهم دينيًّا، وجسميًّا، وعلميًّا، وخُلُقيًّا، ويوفروا لهم ما هم فى حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية. وما لم يغلب على ظن الإنسان أن لديه القدرة على تحمل مسئولية الأولاد، فإنه ما لم ينظم عملية الإنجاب عرض نفسه لتكلف ما يفوق وُسْعَه من واجبات، بل تعرض بذلك للوقوع فى إثم الإخلال بحقوق من سيعولهم من الأبناء. ولكن قد ينشأ الخلاف الفقهى حول المصطلح، ونقصد به: «تنظيم»، أو «تحديد» النسل، فأيهما الأصوب وهل يجوز شرعا اتخاذ الوسائل الطبية الكفيلة بذلك؟ الإسلام لم يفرض على كل مسلم أن ينجب عددًا معينًا من الأبناء، لكن حث عموم المسلمين على النكاح والتكاثر، وذلك لمن كان منهم مستطيعًا، فعن معقل بن يسار رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»، والمقصود بتنظيم الأسرة هو أن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل التى يريانها كفيلة بتباعد فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان يتفقان عليها فيما بينهما، لتقليل عدد أفراد الأسرة بصورة تجعل الأبوين يستطيعان القيام برعاية أبنائهما رعاية متكاملة بدون عسر أو حرج أو احتياج غير كريم. وتنظيم النسل لا تأباه نصوص الشريعة وقواعدها قياسًا على «العزل» الذى كان معمولًا به فى عهد الرسول، ويجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة مؤقتة إلى أن تتهيأ لك ولأسرتك الظروف المناسبة لاستقبال مولود جديد يتربى فى ظروف ملائمة لإخراج الذرية الطيبة التى تقر بها عين الأبوين، ويتقدم بها المجتمع، وتفخر بها أمة الإسلام. على مدى عامين كاملين ظل الرئيس عبدالفتاح السيسى يؤكد أن تجديد الخطاب الدينى هو السبيل الوحيد لاجتثاث جذور الإرهاب وتجفيف منابع الفكر المتطرف، وكرر فى أكثر من مناسبة دعمه المتواصل للمؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر. ما الذى حققته المؤسسات الدينية من جهود فى هذا الشأن؟ وهل توجد معوقات تحول دون بروز تلك الجهود على ارض الواقع؟ نحن فى دار الإفتاء أدركنا منذ الوهلة الأولى أهمية تجديد الخطاب الدينى والقضاء على فوضى الفتاوى التى تقوم بدور كبير فى نشر التطرف إذا ما صدرت من غير المتخصصين، ولذا أنشأت الدار مرصدا لرصد الفتاوى المتطرفة وتفكيك هذا الفكر المنحرف الذى أدى لتشويه صورة الإسلام، والرد عليها بمنهجية علمية منضبطة. وما مفهوم وآليات التجديد من وجهة نظركم؟ علينا أن ندرك أن تجديد الخطاب الدينى المرجو يتمثل فى عملية إضافة جديدة لا تأتى على القديم بالهدم أو البطلان بل تُضيف الجديد الذى يحتاجه العصر، وموقفها من القديم مبنى على فكرة القائم بواجب الوقت، وإن السابقين قد قاموا بواجب وقتهم بناءً على مقتضيات حياتهم وأزمانهم وأنهم حققوا نجاحات، وأن لكل عصر واجبًا يختلف عن واجب العصور السابقة، ولذلك فمع احترامنا للموروث إلا أننا لا نقف عنده ولا نقف ضده، بل نحترمه ونضيف إليه ونعيد صياغة مناهجه بصورة تتسق مع ما أضفناه من مناهج جديدة أيضًا، وهذا مبنى على فكرة التفريق بين المسائل والفروع والمناهج. مع ازدياد وتيرة الإرهاب كان حادث كنيستى الإسكندرية وطنطا مسار تحول فى السياسة المصرية التى استوجبت صدور قرار من رئيس الجمهورية بتشكيل المجلس القومى لمقاومة الإرهاب والتطرف، فهل يحتاج المجلس إلى إستراتيجية للقضاء على التطرف فكريا وثقافيا وقانونيا وأمنيا؟ وما ملامح تلك الإستراتيجية من وجهة نظر فضيلتكم؟ يجب أن تكون هذه الإستراتيجية متكاملة الأركان، وتعتمد بشكل كبير على المواجهة الفكرية، لأن التجربة والواقع أثبتا أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي، بالإضافة إلى الشق القانونى والأمني، لذا ضم المجلس الوزراء ورؤساء هيئات ومؤسسات الدولة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، وتعاونه لجان دائمة تضم شخصيات عامة وخبراء فى كل المجالات، على أن تسهم تلك اللجان فى تحليل ودراسة التنظيمات الإرهابية، ومتابعة ورصد نشاطها وخطابها المتطرف على كافة المستويات محلياً وإقليمياً ودولياً. ما رؤية دار الإفتاء لنجاح هذا المجلس فى تحقيق هدفه للقضاء على التطرف؟ وما دور المؤسسات الدينية والثقافية والفكرية فى ذلك؟ منذ سنوات ونحن ننادى بضرورة التكاتف والتعاون من أجل مواجهة التطرف والإرهاب والقضاء على فوضى الفتاوى التى تتسبب فى زعزعة استقرار وأمن المجتمعات، خاصة أن الجماعات المتطرفة تقتل بفتوى وتدمر بفتوى، لذا اجتمع كبار المفتين والفقهاء والعلماء من مختلف أرجاء العالم فى مؤتمر عالمى للإفتاء، واتفقنا على إنشاء أمانة عامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم من أجل تبادل الخبرات العلمية، والعملية، والتنظيمية بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء، ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهادًا أصيلاً فاعلاً بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي، والمنفتحة على تطور الفقه الإسلامي، وبالفعل أعلنا عن إنشاء الأمانة، والتى تضم مفتين وعلماء من أكثر من 20 دولة حول العالم. وماذا عن مؤتمر دار الإفتاء المقبل؟ المؤتمر العالمى المقبل لدور وهيئات الإفتاء فى العالم سيعقد فى شهر أكتوبر المقبل وعلى مدار يومين، حيث سيكون المؤتمر من يوم 17 إلى 19 أكتوبر، وسيتم خلال فعاليات المؤتمر بحث «دور الفتوى فى استقرار المجتمعات»، وتأتى أهمية موضوع المؤتمر من أن الفتوى الصحيحة تحقق الاستقرار فى المجتمعات، ولا بد من مراعاة الخصوصيات الدينية والأعراف السائدة لكل بلد على حدة، وأيضًا نقل مجال الإفتاء من مجال سلبى يقتصر على حل المشكلات إلى مجال إيجابى ينتقل إلى عمل التدابير الوقائية من المشكلات بل ويشارك فى البناء والتعمير، ويشارك عدد العلماء والقيادات الدينية والمفتون من أكثر من 80 دولة على مستوى العلماء وعلى رأسها مصر، والسعودية، والأردن، وفلسطين، والمغرب، وتونس، وموريتانيا، وكذلك من أمريكا واستراليا، وأوربا، واندونيسيا، وماليزيا، وباكستان، والهند وغيرهم. الشباب الذين يأخذون العلم من الكتب والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعى المختلفة دون الجلوس للعلماء المعتبرين يكونون عرضة للفكر المتطرف.. برأى فضيلتكم كيف يتم توجيههم نحو الصواب؟ يجب أن يأخذ الإنسان العلم من مصدره الصحيح على يد العلماء المعتبرين الذين أفنوا حياتهم فى التعلم والبحث والتعليم فوصلوا لأعلى المراتب العلمية، أما الاعتماد على الكتب أو الانترنت دون الدراسة على يد عالم أو شيخ مؤهل فهو خطر عظيم، ونحن فى دار الإفتاء سعيًا للتواصل المباشر مع الشباب، وعقدت الدار المجالس الإفتائية التى شارك فيها علماء دار الإفتاء فى مراكز الشباب على مستوى محافظات الجمهورية بالتعاون مع وزارة الشباب من أجل التواصل على أرض والواقع لترسيخ ثقافة الاستفتاء الصحيحة بين الشباب، بالإضافة إلى اللقاءات الدورية فى الجامعات بمختلف المحافظات، كما خضنا غمار المعركة عبر الفضاء الإلكترونى الذى يعد الأشد جذبًا لعدد كبير جدًا من الشباب، فتوسعت الدار فى استخدام الفضاء الإلكترونى ومواقع التواصل الاجتماعى والاستفادة من التقنيات الحديثة فى إيصال صحيح الفتاوى إلى طالبى الفتوى ومستخدمى الإنترنت من مصر ومختلف بلدان العالم. البعض يجيد اللعب على أوتار العواطف الدينية بالشعارات للوصول إلى مصالح خاصة بهم كيف ترون ذلك؟ وما وسائل التحصين منهم؟ للأسف جماعات التطرف والإرهاب تسعى لإشعال حماس الشباب وإيهامهم بمصطلحات وشعارات جردوها من معناها الحقيقي، مثل الجهاد والخلافة وغيرها، وما نشهده اليوم من قتل وسفك للدماء وترويع للآمنين تحت مسمى الخلافة الإسلامية المزعومة أو الجهاد، يُعد إساءة عظيمة وتشويها كبيرا للإسلام والمسلمين، ما يقوم به الكيان الإسرائيلى المحتل من اعتداءات متكررة واقتحام للمسجد الأقصى ومنع الناس من الصلاة فيه استفزاز صريح لمشاعر المسلمين .. ما واجبنا تجاه الأقصى؟ القضية الفلسطينية كانت - ولاتزال وستظل - فى وجدان الشعوب العربية والأمة الإسلامية، حتى انتهاء الاحتلال الإسرائيلى بالكامل من فلسطين، كما أننا جميعًا ندين ونستنكر ما تقوم به سلطات الاحتلال من انتهاكات ومخططات فى المسجد الأقصى المبارك مما يؤجج مشاعر مليار ونصف المليار مسلم على مستوى العالم، ويثير القلاقل والصراع.