◙ غنى له أم كلثوم وسعاد محمد وقنديل وبلان وهانى شاكر والبحر وفؤاد لا يستطيع الفن أن يتخلى عن غضبه النبيل فى وجه الظلم، مهما تغلق الأبواب فى وجه هذا الغضب، ولا أن يتخلى عن حلمه مهما تشتد النوائب والكوارث، ولا يستطيع الغناء الصادق أن يتنازل عن تفاؤله الثورى باستعادة الحقوق،مهما تغب مبررات التفاؤل على أرض الواقع، وخلال الفترة الماضية تصاعدت أحداث العنف من قبل إسرائيل تجاه الفلسيطنيين، وأغلق بسببه المسجد لأول مرة منذ 40 عاما. ما يحدث الآن تجاه المسجد الأقصى والمصلين ومنعهم من دخوله والصلاة به، استدعى على الفور تراثنا الغنائى عن القضية الفلسيطينة، وتحديدا عن الأغنيات التى تتحدث عن المسجد الأقصي، فبعد أن قام اليهودى المتطرف «مايكل دينس روهن» صبيحة يوم 22 أغسطس 1966 بإحراق المسجد الأقصي، يومها هز هذا الحدث الأليم الوجدان العربى من المحيط إلى الخليج، وكان من أجمل ما كتب حول حريق الأقصي، قصيدة الشاعر محمود حسن إسماعيل، «حبيبة السماء» ألحان رياض السنباطي، وغناء سعاد محمد، وفيها يصف الشاعر المشهد الحزين قائلا: «وعادت الطيور فى المساء/ فلم تجد فى القبة الضياء ولا صدى التراتيل والدعاء فهزت الأوتار بالنداء يا قدس يا حبيبة السماء قومى إلى الصلاة وباركى الحياة». وقد ألهبت قضية فلسطين خيال الشعراء والملحنين المصريين والعرب، فقدموا لزهرة المدائن مئات من الأغنيات التى تتحدث عن هذه المأساة الدامية، منذ عام 1948 حتى الآن، فغنى المطرب السورى فهد بلان «المسجد الأقصى جريح» كلمات على ذو الفقار شاكر، ألحان محمود الشريف، التى يقول مطلعها : « وإن أحرقوه / وإن هدموه سأبنيه من لبنات الدماء وصخر الفداء وأرفع من أضلعى منبرا يردد فى الكون أزماته» كما غنى أيضا من كلمات محسن الخياط، وألحان محمود الشريف أغنية «قدس العرب» التى يتحدث فى جزء منها عن المسجد الأقصى فيقول : والفجر عالسكان طريح / والمسجد الأقصى الجريح والجمرة فى قلبو، بتقول لنا لبوا / صرخة محمد والمسيح» ويعد المطرب محمد قنديل أغزر المطربين غناء لفلسطين، وللمسجد الأقصى تحديدا، من أشهر أغنياته التى قدمها بمناسبة حرق المسجد الأقصى أغنية «يا قدس فين الأذان» كلمات عبدالفتاح مصطفي، ألحان عبدالعظيم محمد، كما غني: «القدس مجروح بيتألم بقاله سنين والأقصى بينادى يا بلادى وصوته حزين والأنبياء اللى صلوا ليلة الإسراء حزاني على الأبرياء الشهداء المسلمين» ولا يمكن أن ننسى قصيدته النادرة التى لا تذاع إطلاقا «يا ضمير البشرية» كلمات أحمد عثمان المراغي، وألحان أحمد صدقى التى يقول فيها : «يا أخى الفجر آتى / قم وأذن للصلاة فى رحاب المسجد الأقصى ورتل بالحياة أن صوت الله يعلو رغم نيران الطغاة سوف تبقى القدس رمزا أبديا للفداء» أم كلثوم والثلاثية المقدسة شكل سقوط القدسالشرقية بيد الاحتلال الإسرائيلى إثر نكسة يونيو عام 1967، ذروة الألم والحزن العربيين، فقد أضحى الأقصى أسيرا بيد الاحتلال، وصارت المقدسات المسيحية والإسلامية فى متناول عدوان يومى مستمر على التاريخ والجغرافيا والرموز، وفى هذه الفترة قدمت أم كلثوم رائعتها «أصبح عندى الآن بندقية» كلمات الشاعر نزار قباني، وألحان محمد عبدالوهاب عام 1968 ، ثم تعود لتتذكر القدس عام 1972 لتغنى رائعة الشاعر صالح جودت والموسيقار رياض السنباطى «الثلاثية المقدسة» وفيها تغنى للمسجد الأقصى قائلة : «من مهبط الإسراء فى المسجد / من حرم القدس الطهور الندى اسمع فى ركن الأسى مريما / تهتف بالنجدة للسيد واشهد الأعداء قد احرقوا / ركنا مشت فيه خطى أحمد وأبصر الأحجار محزونة / تقول واقدساه يا معتدي» وفى نهاية هذه القصيدة الرائعة تقول أم كلثوم : «والمسجد الأقصى إلى ربه / مزدهيا بالركع السجد ستشرق الشمس على امة / لغير وجه الله لن تسجد» انتفاضة الأقصى فى الثامن والعشرين من سبتمبرعام 2000 دخل رئيس الوزراء الإسرائيلى «أرئيل شارون» إلى باحة المسجد الأقصى فى القدس برفقة حراسه، الأمر الذى دفع جموع المصلين إلى التجمهر ومحاولة التصدى له، وجاء نتيجة هذا العمل الاستفزازى لتعلن اندلاع الانتفاضة الثانية، التى بلغت ذروتها بعملية السور الواقى الإسرائيلية، وتدمير مخيم جنين عام 2002 . مرة أخرى حضرت القدس فى قلب الحدث، فقد سميت هذه الانتفاضة انتفاضة الأقصي، التى توالى التعبير الغنائى عنها سريعا، وتوالت الأغنيات لشتى المطربين من أنحاء الوطن العربي، وبصوت كله تأثر أبكى المصريين غنى محمد فؤاد «الأقصى نادي» كلمات محيى حوار، ألحان مدحت العدل التى يقول مطلعها: «الأقصى نادى والندا غالي ويهون عشانه العمر لو غالى رافض أشوف الغدر حر طليق رافض أدوق الزاد / وأخوى غريق وقام المطرب إيمان البحر درويش بإهداء ألبومه السياسى «أذن يا بلال» إلى كل شهداء فلسطين والأمة الإسلامية فى كل مكان، ومن أشهر أغنيات هذا الألبوم الذى قام بتلحينه، أغنية بعنوان » يا الأقصى يا الجنة« كلمات أحمد عبدالعزيز الذى يقول فى أحد كوبليهاته: «والله فداك الروح يا أقصى يا مدبوح ده القلب بات مجروح على اللى بيجرالنا حلفين ما نتهنى ولا يهدى يوم بالنا إلا لما يبقى لنا الأقصى يا الجنة» مع اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009، قدمت دفعة جديدة من الأغنيات التى تمجد القدس، وتحتفى بهويتها العربية، فغنى هانى شاكر من ألحانه، وكلمات الشاعر الفلسطينى رامى اليوسف أغنية كان قد قدمها فى الحفل الذى أحياه فى رام الله، وفيها جزء عن المسجد الأقصى يقول: «جايلك بالشوق اللى ملاينى / انا مصرى ودمى فلسطيني والقدس حياتى وصلاتى / والاقصى الغالى ده نورعيني» وما زالت القدس والأقصى مغناة العرب ولا يزال الباب مفتوحا للابداع مادام وجه القوة لم يهزم بعد.