وصل إلى إسرائيل، رئيس الحكومة الهندية، ناريندرا مودى، في زيارة استغرقت ثلاثة أيام (من 4 إلى 6يوليو2017). وصفت إسرائيل هذه الزيارة بالتاريخية والإستثنائية لأنها أول زيارة يقوم بها رئيس حكومة هندى إلى اسرائيل منذ تأسيسها عام 1948. وقد بدا من الواضح أن مودى ونيتانياهو إستغلا الزيارة للتخفيف من عبء المآزق التى يمران بها منذ فترة ليست بالقصيرة. وقد جذبت الأساليب الدعائية الإسرائيلية الانتباه بمحاولاتها المضنية لصناعة صورة ذهنية ترسخ لفكرة تقول إن الزيارة تعد خصما من رصيد العلاقات الهندية العربية وهو ما يخالف الحقيقة حتى الآن. تهويل وتهوين من المتعارف عليه أن التعاون العسكرى بين الهند وإسرائيل قائم منذ 1992، حيث أقيمت العلاقات رسميا بين البلدين، ووفق ما تعلنه إسرائيل، فقد بلغ حجم التجارة العسكرية بين الدولتين، مليار دولار سنويا خلال السنوات الخمس الماضية. ووقعت الهند خلال العام الحالى على صفقة تسليحية، تعتبر الأكبر فى تاريخ إسرائيل، ومن المتوقع أن يوقع الجانبان عددا من الاتفاقيات الإضافية فى مجالات الابتكار والتنمية والعلوم والتكنولوجيا والفضاء. وتعتبر الهند السوق التسليحية الأكبر فى العالم، حيث وقعت على 37 صفقة مع دول أجنبية، من بينها 7 صفقات مع إسرائيل. والصفقة التى تعتبر الأكبر فى تاريخ الصناعات العسكرية الإسرائيلية، والتى تم التوقيع عليها فى أبريل الماضى، بين الهند وشركة «اسرائيل لصناعات الطيران والفضاء» الحكومية بقيمة أكثر من 2 مليار دولار. وتم الاعلان فى وقت لاحق عن صفقة قيمتها 630 مليون دولار لتزويد البحرية الهندية بأنظمة دفاع صاروخية.وفى محاولة لإحراج الهند أمام «الأصدقاء العرب» بذل متخذ القرار فى إسرائيل جهدا كبيرا لتعظيم صورة النتائج الخاصة بالحدث وتصويرها على أنها خصم من رصيد العلاقات الهندية العربية والهنديةالفلسطينية. فقبل الزيارة سعت إسرائيل عن طريق آلة الدعاية الخاصة بها محليا وخارجيا إلى إبراز معلومة تفيد بأن زيارة مودي تعتبر «إستثنائية»، لأن مودى لن يزور السلطة الفلسطينية، ولن يجتمع مع رئيسها محمود عباس، رغم أن الهند كانت أول دولة غير عربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم أقامت معها علاقات رسمية عام 1980 وتمثيلا دبلوماسيا فى العاصمة الهندية. وكما هو واضح فإن وسائل الدعاية «تناست» إستقبال الهند لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وعقده مباحثات مع المسئولين الهنود على مدى عدة أيام فى شهر مايو الماضى وتأكيد مودى التزام الهند بالقضية الفلسطينية. وصرح مودى بقوله :»العلاقة بين الهندوفلسطين مبنية على أساس دعم طويل وصداقة منذ ايام نضالنا من أجل الحرية». هروب من المآزق والواقع يقول إن كل طرف فى اللقاء الهند وإسرائيل يمر منذ شهور بظروف صعبة وفى حاجة إلى التحرك بما يخدم مصالحه ويخرجه من أزمته. ففيما يتعلق برئيس وزراء الهند على وجه التحديد يمكن ملاحظة ما يلى : 1 رغبته فى جذب إستثمارات خارجية وفتح أسواق جديدة أسوة بالصين. وقد نقلت وسائل الإعلام فى إسرائيل ما قاله افرايم انبار مدير مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية سابقا: «الامر يتعلق ب»برنامج استراتيجى مشترك يشمل الخوف من التطرف الإسلامى، ومخاوف من اتساع الحضور الصينى، وبالاضافة إلى ذلك، بالطبع لا يمكن تجاهل الامكانات الاقتصادية الضخمة. 2 تلبية احتياجات الهند المتزايدة من التسلح المتطور فى ظل التفوق الصينى الواضح والتقدم الباكستانى. 3 منح السياسة الخارجية الهندية فى المنطقة قدرا من المرونة تحسبا للمستقبل خاصة بعد إدراك الهند تزايد الدور الإسرائيلى فى ترتيبات إقليمية تتعلق بإيران ومنطقة الخليج. 4 انعكاس أى حالة من حالات عدم الاستقرار فى المنطقة على عدة ملايين من الهنود المقيمين فى الخليج وتأثر تحويلاتهم التى تمثل سندا للاقتصاد الهندى. أما فيما يتعلق بإسرائيل فيمكن ملاحظة مايلى: 1 أن حكومة نيتانياهو تعانى بوضوح من مأزق تراجع أمريكا عن إعلان نقل سفارتها إلى القدس. 2 المعاناة من زيادة مستوى التفاهم والتقارب العربى الأمريكى خاصة بعد القمة العربية الأمريكية الإسلامية فى السعودية. 3 بدأت إسرائيل تعانى قدرا من العزلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن ملاحظة قرار اليونسكو ضد إسرائيل وتنبه إدارة ترامب بأن القدسالشرقية، حيث المسجد الأقصى، منطقة محتلة والتأكيد على أن زيارة ترامب للمكان كانت بغرض الصلاة. 4 تعد الهند طرفا أساسيا فى تجمع دول عدم الانحياز الذى سبق وأن إتخذ قرارا واضحا وصريحا بأن يشهد عام 2017 تصعيد للجهود الرامية إلى إعلان استقلال فلسطين على حدود ماقبل يونيو1967 وعلى حل الدولتين. 5 بدت لهفة إسرائيل لزيارة رئيس الوزراء الهندى، والتخطيط الطويل والمعقد الذى بذلته لإتمامها، بوضوح خلال إجتماع الحكومة الأسبوعى يوم 3 يوليو 2017 حينما قال رئيس الوزراء ما نصه: «سيصل غداً إلى إسرائيل صديقى ناريندرا مودى، رئيس وزراء الهند... وهى تأتى ثمرة سياسة انتهجناها أنا وهو. وتجدر الإشارة إلى أنه تم الإعلان عن التخطيط لقيام مودى ونيتانياهو بزيارة مدينة حيفا، حيث توجد مقبرة لجنود هنود حاربوا فى الحرب العالمية الأولى لوضع أكاليل زهور إحياء لذكرى الذين لقوا حتفهم أثناء تحرير حيفا فى عام 1918. والتاريخ والواقع يقولان أن الهنود كانوا يقاتلون إلى جانب إخوتهم من الحلفاء العرب فى «فلسطين» لطرد الاحتلال العثمانى منها بتوجيه من الاستعمار البريطانى الذى كان يكافحه كل من العرب والهنود! ولم يكن لإسرائيل وجود فى ذلك الوقت. وعلى الرغم من محاولات البعض تسطيح الأمور فى مجال العلاقات الدولية تبقى الحقيقة المؤكدة المتمثلة فى أن العلاقات بين الحضارت والأمم والشعوب تفوق فى عمقها وصلابتها بكثير ما يمكن أن تحققه عدة صفقات تسليحية أو تكنولوجية محدودة الأمد والصلاحية.