الفنان القدير أحمد السقا رجع بكل ثقة وبراعة وهدوء إلى قمة النجومية .. وعرش الأكشن .. من جديد .. بفيلمه الرائع "هروب اضطراري" فلأول مرة .. أستمتع بفيلم في العيد .. لأن الأعياد منذ سنوات طوال .. باتت قمة في الزحام ولم تعد لها بهجة .. لكن مع إصرار أولادي على مشاهدتي الفيلم معهم .. ذهبنا معًا إلى سينما سيتي ستارز .. أول أيام العيد لنشاهد العرض الأول .. وأملًا في أن يأتي نجمهم المفضل أحمد السقا بطل الفيلم ليلتقطوا معه الصور التذكارية . للأسف لم يأت أحد من نجوم الفيلم الذي احتشد بهم .. لا السقا ولا غيره .. ولكننا لم نحزن لأن الفيلم أبهرنا بكل شيء فيه .. ورغم المعاناة التي عانيناها في الحصول على تذاكره .. لكن بفضل ابنتي الآنسة لوجي نجحنا في الحصول عليها .. فكونها فتاة .. تجاوزت الطابور الطويل من الشباب والأسر .. وأتت لنا ب 3 تذاكر من حفلة 9 مساء .. قبل أن تنفد .. وبعد الفيلم خرجنا نقول : "يستاهل التعب والمعاناة" .. ونحن في منتهى السعادة والبهجة من متعة المشاهدة . ومن الواضح أن ميزانية الإنتاج كانت سخية .. لم تبخل بالمال على أي مشهد من مشاهد العنف أو الأكشن بالفيلم .. لدرجة أنك كنت ترى الفيلم وكأنك تشاهد أحد أفلام الأكشن العالمية .. من فرط روعته .. وإثارة الكاميرا المتحركة التي تأخذك معها لقلب الحدث .. لقد كانت الميزانية السخية مفاجأة سارة لي .. ولكن ما أسعدني أكثر هو أن منتج الفيلم ندى وكريم السبكي .. وهو ما دعاني للتفاؤل بأن موجة الابتذال التي أغرقت السينما المصرية على يد آل السبكي في طريقها للزوال .. مع تفتح الجيل الجديد من عائلة السبكي المسيطر على الإنتاج السينمائي منذ سنوات . والتصوير جاء مذهلًا بتقنيات الزوم العالية المبهرة .. فترى عمارات مصر وكأنها ناطحات سحاب نيويورك .. تراها من طائرة هليكوبتر .. نفس التقنيات التكنولوجية العالية في العديد من الأفلام العالمية المشهورة كأفلام جيمس بوند .. وكينج كونج .. وسبايدر مان .. وكان تصوير مشاهد المعارك والمطاردات .. وتحطم السيارات مثيرًا للغاية .. فأخذتنا معها من روعة إثارتها .. وخاصة مطاردات السيارات بين السقا وكرارة والشرطة في الأزقة الضيقة .. وعكس الطريق .. وتعملق السقا فيها . والإضاءة والصوت في الفيلم منتهى الإبداع .. الإضاءة جاءت طبيعية للغاية اعتمدت على ألوان الحياة .. فراقت لعين المشاهد .. والمؤثرات الصوتية كانت قمة العبقرية .. شدت أسماع وقلوب كل المشاهدين بالصوت المجسم .. والموسيقي التصويرية للعملاق العالمي الموسيقار عمر خيرت حركت الحواس من قوتها ودقة تعبيرها عن المشهد .. باختصار السينوغرافيا في هذا الفيلم تدرس .. فقد جاءت كما يقول الكتاب . نأتي للأداء التمثيلي .. النجم السقا فاجأنا بعمل مبهر .. وجاء أداؤه استثنائيًّا .. إذ يعد الفيلم من أفضل أفلامه في تاريخه كله من وجهة نظري .. ظهر في "نيو لوك" مختلف ومقنع .. وتقمص دوره ببراعة .. واستعرض كل إمكاناته بدءًا من مهاراته التمثيلية من التعبير بالوجه إلى إمكاناته البدنية الهائلة من الضرب واللكم .. وخفة وسرعة الحركة بالقفز وتسلق الأماكن الخطيرة .. حتى أقنعك بأنه أحد أبطال السينما العالمية وليس مجرد نجم محلي . وكان أبلغ إحساس بعبقرية أداء السقا في هذا الفيلم .. التصفيق الحاد الذي ضجت به الصالة في مشهدي هروبه بالسيارة وعلى الفرس من مطاردة الشرطة .. لقد كان الشباب مبهورًا به لدرجة أن التصفيق لم يتوقف .. فكان فارسًا وقائدًا لا يقل عن نظرائه من نجوم الأكشن العالمية .. مثل سلفستر وشوارزينجر .. وخاصة في مشهدي معركته العنيفة مع كرارة .. وأيضًا مهارته الفائقة في ركوب الموتوسيكل بغادة عادل .. فأوقف أنفاسنا بمشهد اقترابه لدرجة الارتطام الشديد بتريللا ضخمة .. ثم أخرج آهاتنا بإبداعه الحركي ورشاقته في المرور من أسفل بانزلاق الموتوسيكل .. وكأنه أحد أمهر متسابقي الموتوسيكلات .. السقا بحق يحلّق في السماء .. ويقول بصوت مرعب : أنا نجم الشباك الحقيقي .. وقد ساعده في ذلك الإخراج الإبداعي لأحمد خالد وميزانية الإنتاج السخية للسبكي . أما النجم الثاني فكان العبقري فتحي عبد الوهاب في دور رجل الشرطة .. ممثل عبقري بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ .. براعة في المزج بين التراجيدي والكوميدي في نفس اللحظة بمشهد واحد .. مع إفيهاته التي يطلقها من مشهد لآخر .. في عز التشويق وشد المشاهد مع الحدث .. فتألقه لم يكن بإمكاناته العضلية كالسقا أو كرارة .. إنما التمثيلية .. من صوته حركاته تعبيراته كلها فنية خالصة .. كأنه ولد ممثلًا منذ الصغر .. وحب الفن مغروس به .. فهو بحق فنان حتى النخاع .. ويستحق لقب الفنان الشامل .. الخلاصة هو كوكتيل مواهب .. ومعجون فن .. وكان يستحق أن يكون نجم شباك .. لا نجمًا ثانيًّا .. أو مساعدًا . ونأتي لأمير كرارة .. الذي أراه اكتشف في نفسه قدرات فنية جديدة .. في أداء دور البلطجي .. تضاف لدور الرجل الوسيم أو "الدنجوان" الذي اعتادنا عليه فيه من قبل .. وكان معبرًا بإحساس صادق عن هذا الدور الجديد ومختلفًا فيه بمزج القوة مع بعض الرومانسية وخفة دمه في مشاهد الرومانسية مع غادة عادل .. ما جعل المشاهدين يتفاعلون مع أدائه .. سواء حركاته العنيفة .. أو خفة دمه في التعبير عن الحب . وكل النجوم بعد ذلك تفوقوا على أنفسهم كالعادة .. غادة عادل .. وباسم السمرة .. وبيومي فؤاد .. وإيمان العاصي .. والنجمة الشابة الواعدة دينا الشربيني وغيرها من الشباب .. في تجسيد أدوارهم ببراعة وطبيعية .. ولكن مفاجأة الفيلم كانت مصطفى خاطر نجم مسرح مصر في دور يوسف .. الذي برع في أدائه بالمزج بين الكوميديا والتراجيديا في آنٍ واحد كفاحي عبد الوهاب .. ولكن الأخير أكثر إقناعًا لخبرته .. ولكن يحسب لخاطر أنه استطاع إقناع المشاهدين بأنه لا يقل بأي حال من الاحوال عن نجوم التراجيدي .. وخاصة في مشهد سقوطه من أعلى على سقف سيارة .. وموته . قصة الفيلم جاءت متناسبة مع جو الأكشن .. وخلقت نوعًا من التشويق وجذب انتباه المشاهد بشدة .. وحفل الإخراج للمخرج المفاجأة أحمد خالد بالبهارات من الحبكة والتشويق والإثارة والفلاش باك .. فمنح الفيلم نكهة مختلفة حبست الأنفاس في بعض مشاهد الأكشن .. وخطفت الأبصار في بعضها .. وشدت القلوب مع الرومانسية في أخرى .. ونجح خالد في تجسيد الشكل العالمي لمعارك الأكشن في السينما العالمية .. وخاصة من خلال مشاهد تحطم سيارات الشرطة بعنف .. كما نرى فى الأفلام الأمريكية . أخيرًا .. أحيي صناع الفيلم كلهم من المنتجين للممثلين للمؤلف للمخرج لمهندسي الإضاءة والصوت والديكورات والملابس .. حقًّا فيلم رائع جدير بالمشاهدة .. حصد أكثر من 12 مليون جنيه خلال أيام العيد الثلاثة فقط .. مكتسحًا كل الأفلام المنافسة للنجوم الأخرى كمحمد رمضان وتامر حسني ومحمد هنيدي .. وأعتقد أن الفيلم كان مفاجأة لرمضان خاصة .. الذي استحوذ على قمة النجومية في مصر في السنوات الأخيرة بجمهور المراهقين والمناطق الشعبية فقط .. ولم ينجح في أن يجذب له كل الأعمار كما فعل السقا .. الذي غيّر موازين النجومية وأعادها لحجمها الطبيعي .. بفيلم كبير يضع مصر على خريطة الأكشن العالمي . [email protected] لمزيد من مقالات ياسر بهيج;