تشهد المنطقة العربية تناميا في معدلات العمليات الإرهابية التى تنفذها مليشيات وجماعات مسلحة، من حيث اتساع رقعة وتنوع العمليات الإرهابية وامتلاك تلك التنظيمات الإرهابية أدوات ومعدات متطورة في تنفيذ تلك العمليات، فأصبح الوضع الأمني في المنطقة أكثر تعقيدًا لوجود شبكة علاقات فيما بين تلك التنظيمات الإرهابية والتي تخطت حدود الدول. فقد اتسمت التنظيمات الارهابية الجديدة أو ما يمكن أن نطلق عليها (إرهاب ما بعد القاعدة)، بسمتين الأولى: نوعية المقاتلين المنضمين لتلك التنظيمات، والثانية: الأدوات المستخدمة من قبل المليشيات المسلحة في العمليات الإرهابية، فمن حيث نوعية المقاتلين يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أنواع، الأول: عناصر ذات خلفية قتالية عالية، حيث إن معظم قيادات التنظيمات الإرهابية المتواجدة في المنطقة لديها خبرات قتالية سابقة، فتنظيم «داعش» يعتبر واحدا من أكثر التنظيمات الإرهابية التي تضم قيادات أمنية وعسكرية سابقة من الجيش العراقي المنحل، والنوع الثاني: أن معظم المستقطبين في صفوف التنظيمات الإرهابية من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة وهو ما جاء في تقرير (المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا الصادر عن البنك الدولي في أكتوبر 2016)، حيث أكد التقرير أن 69٪ من المجندين في صفوف «داعش» حاصلون علي التعليم الثانوي على الأقل، وحوالي 15٪ من المجندين تركوا التعليم قبل الثانوية العامة، وهذا يدل على ارتفاع نسبة المتعلمين والحاصلين على شهادات عليا والمتخصصين في مجالات مختلفة، ومن ثم فإن الحديث على أن التنظيمات الإرهابية تستقطب غير المتعلمين هو تصور تقليدي غير صحيح، أما النوع الثالث: فإن الكثير من المنضمين لصفوف التنظيمات الإرهابية بل والبارزين منهم ممن يتولون مناصب قيادية بالتنظيمات الإرهابية هم من الطبقات الوسطي والعليا، فمعظم المنفذين لعمليات إرهابية هم من تلك الطبقة، وهذا الأمر ينسحب على الوضع في مصر وبتحليل بسيط لأغلب العمليات الإرهابية التي تم وقعت في مصر نجد أن المتورطين من أبناء الطبقة الوسطي بشرائحها المختلفة، بداية من حادثة استشهاد ضابط الأمن الوطني « محمد مبروك» والمتهم فيها واحد من أبناء الطبقة الوسطي العليا إلى غالبية المتهمين في عملية استهداف الكنائس المصرية، ومن ثم الربط بين الفقر والإرهاب هو تصور تقليدي.
وعلى الجانب الآخر تتفوق التنظيمات الإرهابية فى المنطقة باستخدام أساليب قتالية حديثة، بجانب استخدامها للتكنولوجيا المتطورة، تلك النقاط وغيرها الكثير جعل من الإرهاب ما بعد القاعدة هو إرهاب أكثر خطورة على بنية الدول، سواء دول المنطقة أو على الدولة المصرية، فخلال السنوات الماضية منذ ثورة يناير 2011 تشهد الدولة المصرية تناميا في عدد العمليات الارهابية والتي أخذت مسارات وأشكال مختلفة عما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير 2011، من حيث المستهدف من قبل التنظيمات الإرهابية نتيجة لاختلاف البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية عما كانت عليه قبل ثورات الربيع العربي، والتي أفرزت بنية تنظيمية جديدة للتنظيمات الإرهابية، حيث شهدت المرحلة الانتقالية الأولى بعد ثورة يناير حالة من السيولة الأمنية نتيجة ضعف أداء قوات الأمن الداخلية (الشرطة)، مما فرض على قوات الجيش القيام بعمل الشرطة بجانب أداء مهام القوات المسلحة التقليدية، تلك الحالة الضاغطة على القوات المسلحة تتزامن مع حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني بأغلب دول منطقة الشرق الأوسط وصلت ذروته بانهيار كامل للدولة الليبية على الحدود الغربية للدولة المصرية، وتحول الحراك الثوري في سوريا لحالة من الاقتتال المسلح، في وقت تتنامى الجماعات والمليشيات الإرهابية في العراق، وهذا الوضع ساعد على إحياء بعض العناصر الإرهابية في مصر، وخصوصا في سيناء بالقيام ببعض العمليات الإرهابية، حيث شهدت المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير العديد من العمليات الإرهابية والتي وصلت لحوالي (25) عملية إرهابية تمركزت في شمال سيناء. وعقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013 ارتفعت معدلات العمليات الإرهابية في مصر حيث شهدت البلاد ما يقرب من (1329) عملية إرهابية من 3 يوليو 2013 وحتي 30 يونيو 2017، وأخذت العمليات الإرهابية مستويات وأنماطا مختلفة عما كان يحدث خلال عامي 2011 و2012 بجانب اتساع رقعة العمليات الإرهابية لتخرج من حيز سيناء لتنتقل للعمق المصري في الوادي والدلتا، مع تزايد في معدلات العنف والإرهاب تجاه الكنائس المصرية، واتسمت تلك العمليات بقوتها واتساعها وتنوع المستهدفات فكانت مذبحة رفح العملية الإرهابية الأكبر من حيث عدد الضحايا باستشهاد 25 ضابطا وجنديا في 19 أغسطس 2013 والتي عرفت بمذبحة رفح الثانية، وتنوعت العمليات الإرهابية خلال تلك الفترة لتشمل معظم محافظات الجمهورية، حيث تم استهداف شبكات الكهرباء والبنية التحتية ووسائل النقل بجانب استهداف بعض المؤسسات الاقتصادية الخاصة، وخصوصا خلال عام 2015، وكان المستهدف الجديد بالنسبة للتنظيمات والعناصر الإرهابية عقب 30 يونيو 2013 هو استهداف رجال القضاء، وكان أبرز تلك العمليات هو استهداف موكب النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، إلى جانب قيادات عسكرية كبرى باستشهاد العميد عادل رجائي، وبعض الشخصيات العامة. يُشير الشكل السابق لتطور العمليات الإرهابية في مصر خلال أربع سنوات منذ 3 يوليو 2013 وحتي 30 يونيو 2017، حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية خلال تلك الفترة (1329 عملية إرهابية) ويحتل عام 2015 المقدمة بأكبر نسبة من عدد العمليات الإرهابية خلال الأربع سنوات، ويلاحظ أن الأعمال الإرهابية قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015، فقد وقع في شهر يناير 124 عملية عنف مسلح، ثم حدث انخفاض طفيف لتصل إلى 105 في فبراير، ثم بلغت ذروتها في مارس بواقع 125 عملية، بينما انخفض عدد العمليات بشكل تدريجي منذ شهر إبريل 2015 الذي بلغ عدد العمليات فيه 72عملية، ثم حدث انخفاض آخر في شهر مايو 2015 والذي شهد 63 عملية، حتى يونيو 2015 الذي شهد انخفاضًا كبيرًا في العمليات لتصل إلى 23 عملية فقط، وفي شهر يوليو 2015 عاودت العمليات إلى الارتفاع مرة أخرى لتصل إلى 41 عملية، وذلك قبل أن يعود المسار للانخفاض مرة أخرى ليصل إلى 27 عملية في أغسطس 2015، ثم الوصول لأدنى مستوى لها على الإطلاق في شهر نوفمبر2015، والذي شهد وقوع 5 عمليات فقط، بينما شهد شهر ديسمبر 9 عمليات إرهابية، وظل التراجع فى منحنى عدد العمليات الإرهابية خلال النصف الأول من عام 2016 ثم ارتفع معدل العمليات الإرهابية خلال الربع الأخير من عام 2016، حيث شكلت عدد العمليات الإرهابية خلال أشهر (أكتوبر – نوفمبر– ديسمبر 2016) 104 عمليات إرهابية. ومع بداية عام 2017 وخلال النصف الأول من العام الجاري انخفض معدل العمليات الإرهابية حيث وصلت إلى (25) عملية إرهابية، وفي المجمل حدث انخفاض لعدد العمليات الإرهابية في مصر خلال عامي 2016، والنصف الأول من العام الجاري 2017 مقارنة بعامي 2014 و2015. ويمكن استنتاج بعض الملاحظات عن العمليات الإرهابية في مصر منذ 3 يوليو 2013 وحتي 30 يونيو 2017 ومنها: أنه تم استحداث نوعيات جديدة من العمليات الإرهابية باستهداف كنائس عن طريق العمليات الانتحارية والتي لم تكن موجودة خلال أعوام 2013 و2014 و2015.