لطالما كانت الأخبار التى ينقلها الإعلام عن سنغافورة ايجابية وكلها إنجازات وأرقام تعكس الاستقرار والتقدم السريع لهذا البلد بفضل فلسفة ورؤية وحسن تدبير الزعيم المؤسس لتلك «المدينة الدولة» لى كوان يو الذى كان حاكما لسنغافورة لأكثر من ثلاثة عقود، ورحل منذ عامين، وخلفاؤه من بعده. ولكن على نحو مفاجيء، تصدرت عناوين الأخبار أحداث سلبية عن سنغافورة يمكن أن تسيء إلى سمعتها وإلى صورة زعيمها المؤسس، عندما انفجر خلاف عائلى مرير الأسبوع الماضى على صفحات الفيسبوك علنا بين أفراد أسرة لى كوان يو حول إرثه، ويتعلق الأمر باتهام لى هسين لونج الإبن الأكبر للزعيم الراحل ورئيس وزراء سنغافورة منذ عام 2004،من جانب أشقائه الأصغر أخته لى وى لينج، وأخيه لى هسين يانج بمخالفة أوامر والدهم الراحل التى وردت فى وصيته، والإساءة إلى إرثه بمنع هدم منزل العائلة فى 38 طريق أوكسلي، واستغلال ميراث الأسرة لتحقيق مكاسب سياسية، وتحضير ولده كى يكون زعيما سياسيا من الجيل الثالث للعائلة، بل ووصل الأمر أيضا لاتهامه بإساءة استخدامه لسلطاته، ولموارد الحكومة فى تشكيل لجنة وزارية لدراسة مصير المنزل، وجعله موقعا تراثيا. وبحسب النسخة النهائية من وصية الزعيم لى كوان يو، فإنه يوجد بند يطلب فيه كوان يو بضرورة هدم منزل العائلة بعد وفاته، لأنه لا يرغب فى أن يتحول الأمر إلى «عبادة شخصيته»، بعد رحيله من خلال تحويل منزله إلى مزار تراثي، كما أنه لا يرغب فى أن يطأ الأغراب أرض عائلته»، وبدأ الخلاف حول هذا البند عقب الوفاة عام 2015، ويقول رئيس الوزراء على صفحته بموقع فيسبوك إن شرط الهدم قد أضيف على وجه السرعة إلى وصية والده النهائية فى ظل ظروف مشكوك فيها، وهو غير موجود فى نسخ سابقة لتلك الوصية، وأضح انه أبلغ وزير شئون الحكومة بشكوكه فى أن تلك الوصية أعدها مكتب قانونى أسسته وتديره لى سويت فيرن زوجة شقيقه لى هسين يانج، وتساءل عما إذا كان والده الزعيم الراحل كان يعلم بإعادة الفقرة التى تطالب بهدم المنزل عقب وفاته أم لا فى النسخة النهائية للوصية والتى أعدها المكتب القانونى لزوجة شقيقه. والمنزل الذى يعود إلى القرن التاسع عشر، عاش فيه الزعيم الراحل لى كوان يو 70 عاما، واستضاف الاجتماعات الأولى لحزب العمل الشعبى الذى يقود البلاد منذ عام 1959، كما اكتسب قيمة تجارية كبيرة ووصل سعره على حوالى 14 مليون دولار أمريكي. ونشر الشقيقان خطابا على الفيسبوك قالا فيه إن «الحقيقة البسيطة هى أن شعبية رئيس الوزراء مرتبطة بتراث لى كوان يو»، وقالت لى وى لينج شقيقة لى هسين لونج «إن النزاع بين أفراد عائلتها بشأن مصير منزل والدهم شأن عام»، وأن «الشئون العائلية الخاصة لا تشمل تشكيل لجان وزارية سرية للحصول على ما تريد، لا يمكن أن تكون اللجنة تأسست بدون موافقة «لي» الضمنية «، كما دفع النزاع لى هسين يانج، شقيق رئيس الوزراء، للتلويح بمغادرة سنغافورة مع زوجته لشعورهما بالتهديد وبأن الأخ الأكبر سيستخدم أجهزة الدولة ضدهما. وقال لى هسين يانج فى تعليق على فيسبوك أنه رغم أن رئيس الوزراء لم يطعن على الوصية عندما وصلت إلى المحكمة، فأنه احتج فيما بعد على الهدم فى خطاب إلى اللجنة المكلفة بدراسة وضع المنزل، ونفى رئيس الوزراء ادعاءات أخيه وأخته على مواقع التوصل الاجتماعي، وأكد أن لجنة حكومية تفحص مصير المنزل، وأنه لا علاقة له بأى قرار يخص مصير المنزل، وأضاف إنه يشعر بخيبة الأمل لنشر خلافات العائلة على العلن، وقال «بيان أقاربى يضر بتراث والدي». وتسبب تفجر الخلافات العلنية بين أفراد الأسرة فى صدمة للسنغافوريين الذين لم يعتادوا معايشة أزمة بين النخبة السياسية فى البلاد، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإبن لى هسين لونج إلى إصدار بيان مصور نقله تليفزيون الدولة يعتذر فيه للمواطنين عن تلك الخلافات الأسرية، وقال فيه : «أشعر بندم عميق لأن هذا الخلاف أثر على سمعة البلاد، ونال من ثقة المواطنين فى الحكومة، وبوصفى الإبن الأكبر فإنه يحزننى أن أفكر فيما كان سيسببه هذا الخلاف من معاناة لوالدى لو أنهما ما زالا أحياء، وبصفتى رئيسا للوزراء فإننى أعتذر إليكم عن كل هذا». وأضاف أنه حاول كثيرا مع إخوته تجنب ظهور خلافاتهم للعلن، لكن الأمر وصل على حد التشكيك فى نزاهة الحكومة، ولذلك فإنه سيطرح جميع الأسئلة المتعلقة بوصية والده الراحل أمام البرلمان، وسيكون مستعدا للإجابة على تساؤلات جميع أعضائه علانية وفى بث مباشر أمام الجميع عندما ينعقد مرة أخرى فى الثالث من يوليو المقبل، معبرا عن أمله فى أن يقوم هذا التعامل المفتوح بإزالة أى شك فى الحكومة، وتقوية الثقة بمؤسسات الدولة وإنهاء أكثر التجارب تعاسة للسنغافوريين. وقال رئيس الوزراء إنه كموظف عام هو ووزراؤه حريص على حماية نزاهة مؤسسات الدولة، والتمسك بالمعايير الصارمة التى تفصل الأمور الشخصية عن الواجبات العامة، وتعهد بالعمل على إصلاح الضرر الذى لحق بسنغافورة، وسيستمر فى قيادة وخدمة شعبها بأفضل ما يستطيع .