«نحن ندير سياسة شريفة فى زمن عز فيه الشرف».. عبارة قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مؤتمره الصحفى مع مستشار النمسا قبل نحو أسبوعين فى القاهرة مؤكدا بها أحد أهم المبادئ التى تنهض عليها السياسة المصرية. لم يكن مقصودا بها تفاعلا مع موقف معين أو ردا على دولة معينة بقدر ما كانت تأكيدا للمبدأ. ويبدو واضحا أن كثيرا ممن كان عليهم تلقف تلك الرسالة قد صموا آذانهم عنها أو بالأحرى تغافلوا عنها وراهنوا على الصبر المصرى بأكثر مما ينبغي. الآن والأجواء العربية تظللها سحابة كئيبة نتيجة المواقف القطرية التى اضطرت معها عدة دول عربية لقطع علاقاتها مع النظام القطري، وفى وقت يحاول البعض التشكيك فى دوافع اتخاذ ذلك الموقف ويحاول الإعلام القطرى ومعه ما سماه الرئيس السيسى إعلام أهل الشر أن يصور الأمر كأنه معاقبة أو محاصرة الشعب القطرى دونما تحميل النظام القطرى المسئولية الكاملة عما يحدث وعما يمكن أن تتطور إليه الأمور، فى ظل هذه الأجواء فإن تذكر المبدأ الذى أكده الرئيس وما عبر عنه وزير الخارجية قبل عدة أيام من أن الصبر المصرى قد نفد تعطينا جميعا البوصلة الحقيقية أو الصحيحة لفهم ما حدث وفهم دوافعه الحقيقية. فالسياسة المصرية التى ترفض رفضا قاطعا التدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة أخرى والمتسقة تماما مع ما اتفقت عليه الدول العربية سواء بشكل ثنائى أو عبر إطارهم الجامع المتمثل فى الجامعة العربية، والسياسة المصرية التى تلتزم إدارة سياستها بكل شرف رغم كل ما عانته من أطراف عربية وفى مقدمتهم قطر لا يمكن تصور أن تسمح لنفسها بالتدخل فى الشئون القطرية, كذلك لا يمكن تصور أن يكون هدفها ومعها الدول العربية معاقبة أو محاصرة الشعب القطرى الشقيق، ولكن مصر فى الوقت نفسه لا يمكن أن تستمر فى تلقى الطعنات من النظام القطرى التى لا تسيء فقط للعلاقات المصرية القطرية بل إنها تشق الصف العربى فى وقت تتعرض فيه تلك الدول العربية مجتمعة لمخاطر جمة باتت تهدد وحدتها وكيانها. لقد ظل التعامل المصرى ومن قبله التعامل الخليجى مع النظام القطرى قائما على إمكانية «إفاقة» ذلك النظام من أوهامه المتعلقة بدوره فى المنظومة العربية ورده إلى جادة الصواب، بيد أن النظام القطرى انقلب على كل تلك المحاولات وأفشلها وتملص من كل الوعود التى قطعها على نفسه بالعدول عن سياساته، مع أن المطلوب منه لم يكن أكثر من التزام مبدأ عدم التدخل فى شئون الدول العربية. التمرد القطرى على السياسة العامة للحاضنة الخليجية ومن بعدها الحاضنة العربية ليس وليد اليوم، ومع ذلك التزمت تلك الدول أقصى درجات ضبط النفس وبدا واضحا أنها تتعامل مع قطر كما لو كانت مريضا استنفدت معه كل سبل العلاج العادية، فلما لم تنجح فى لجم المرض الذى باتت أعراضه لا تحتمل اجتمعت الدول العربية على أنه لم يعد هناك مفر من سياسة الكى أو إجراء جراحة. فالجراحة رغم كل تداعياتها المؤلمة هى الحل النهائى لتخليص المريض من آلامه وتخليص أهله من معاناتهم. الجراحة هدفها الأساسى إعادة ذلك النظام ليكون عضوا طبيعيا فى النظامين الخليجى والعربي. ومهما كانت مهارة الجراحين فإن استكمال الشفاء يتطلب إرادة المريض نفسه. فالكرة الآن فى ملعب النظام القطري. عليه أن يدرك أولا أنه لم يعد ممكنا له ولا مقبولا منه الاستمرار بنفس المنهج، وأن يقدم ما من شأنه إقناع الدول العربية بأنه عازم على أن يبقى دولة خليجية/عربية تلتزم بما تقوم عليه العلاقات العربية العربية من أسس بات متعارفا عليها بين كل الدول. وأن يدرك ثانيا ومن قبله الشعب القطرى أن القرار العربى هو قرار المضطر الذى أعيته كل السبل لإثناء النظام القطرى عن سياساته التى باتت تتعارض مع مقتضيات الأمن القومى لتلك الدول العربية. ورغم أن رد الفعل القطرى لا يوحى حتى الآن بأن النظام القطرى قد استقبل الرسالة بشكل صحيح يجعله يكبح تفاقم الأزمة، فإن الأمل ما زال معقودا على لحظة يغلب فيها العقل والحكمة التى غابت كثيرا عن النظام القطري. وفى النهاية، فإن على الشعب القطرى الذى سيدفع فاتورة سياسات أو بالأحرى جرائم نظامه ضد الدول العربية أن يدرك جيدا أن ما حدث من الدول العربية إزاء النظام الحاكم هو مجرد كاشف لجريمة بل جرائم ذلك النظام, وأننا جميعا إزاء ساعة الحساب الذى لم يعد ممكنا إبقاؤه فى الغرف المغلقة، ولم يعد ممكنا تأخيره لأكثر من ذلك. لمزيد من مقالات بقلم علاء ثابت