كان يجهد فى إمساك أصابعى بيده الصغيرة الغضة .. متجاهلاً حمالة البنطال التى تهدلت على كتفه النحيلة، وموسعاً خطواته قد ما أسعفته قدماه. لم أحاول النظر إليه، لكنى كنت أستشعر لهاثه، وسمات الجدية التى أخذ يعتاد رسمها على وجهه الصبوح . أنبأته أن لدينا مشواراً مهماً. لم أفصح له عن تفاصيل، ومن جانبه لم يطلب معرفتها، لكنه كان يدرك أن الأمر يتعلق ولا بُد بأمه . فى الأيام الأخيرة، لم يكن مجدياً إخفاء حقيقة مرض أمه عنه .. وبدخولها المستشفى واضطراره للابتعاد عنها، كان يؤلمنى إلى جانب همومى الأخرى تصور عدم قدرته على استيعاب ما يجرى، وقدر الألم الذى سيتعرض له بما يفوق احتماله . فاجأنى برفضه الانتقال ليقيم مؤقتاً لدى أى من الأقارب، رغم أنى اقترحت عليه أكثر من بيت، وتخيرت له بيوتاً بها صغار يقاربونه فى العمر يمكنه أن يمرح معهم . بكى قليلاً، ثم وبجدية أوجعتنى، قرر أنه لن يترك البيت، وأضاف أنه لن يسبب لى تعباً، فسيعنى بنفسه، بل ويمكنه أن يقدم لى ما أشاء من مساعدة أطلبها . أنا الذى بكيت . انفطرت من البكاء . احتضنته أو لعله هو الذى احتضننى . أيام قلائل، تفرغت فيها لمتابعة حالة زوجتى، لم يفارقنى فيها . نتبادل فيما بيننا كلمات معدودات، غير أن تفاهماً وتفهماً عميقين صارا بيننا . وها نحن فى طريقنا لزيارتها .. وربما تكون زيارة أخيرة .