كان أحد رواد مدرسة التجديد في الازهر الشريف، الذين وعوا رسالة الإسلام فقاموا بتنبيه وايقاظ النفوس، من أجل استعادة نهضة الوطن ارتكازا علي نهضة الإسلام ورسالته الخالدة. إنه الشيخ محمود شلتوت الذي تولي مشيخة الازهر بين عام 1958، وكان أول من لُقب بالإمام الأكبر، وفي عهده دخل الأزهر مرحلة جديدة، فلأول مرة سمح للفتيات بالالتحاق بالأزهر. وكان الأجنبي الوحيد الذي رأس المجلس الأعلي لاندونيسيا أثناء زيارته لها، وفي هذه الزيارة أخذ قرارا بتعيين قائد الجيش وزير الدفاع الاندونيسي إماما لمسجد سوكارنو بالقصر الجمهوري، وذلك تكريما للأزهر وشيخه الجليل. كما نال عضوية هيئة كبار العلماء عام 1941 وكان أصغرهم سنا، وتقدم بمشروع تطوير الهيئة منه الدعوة إلي إنشاء مكتب مهمته رصد الهجوم علي الإسلام والرد عليه تبليغا للدعوة وأقامة الحجة وازالة الشبهة عن عقيدة وشريعة الاسلام، وهو ما فعله الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر بإنشاء مرصد الأزهر العالمي للفتوي والرصد الالكتروني، علي أحدث مستوي لتوضيح صورة الإسلام.. الأهرام التقت حفيده مهدي شلتوت الرئيس الأسبق لمكتبة الأزهر فكان لنا هذا الحوار: بداية احك لنا عن ظروف المولد والنشأة؟ ولد الشيخ محمود شلتوت فى قرية منية بنى منصور بمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة عام 1893، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمعهد الإسكندرية سنة 1906، وكان أول فرقته فى جميع مراحل دراسته، ونال الشهادة العالمية النظامية عام 1918، وكان أول الناجحين فيها. وماذا حدث بعد ذلك؟ بعد حصوله على العالمية عين الشيخ شلتوت مدرسا بمعهد الإسكندرية عام 1919، ومنذ بدايته وهو ينادى بضروة إصلاح الأزهر واستقلاله، وعندما قامت ثورة 1919 قام بواجبه الدينى والوطني، فشارك فيها بقلمه ولسانه وجرأته المعهودة، فشارك فيها بكل قوة وناصر قضية المعتقلين السياسيين، وكان يقوم بمهمة جمع التبرعات للمعتقلين وأسرهم، ولما عين الإمام مصطفى المراغى شيخاً للأزهر عام 1928 رأى الاستفادة بموهبته وثقافته الواسعة فنقله إلى القسم العالى بالأزهر، وبعد ذلك ارتقى الشيخ شلتوت إلى تدريس الفقه بأقسام التخصص وهو أعلى مستويات التدريس فى الأزهر. مَنْ العلماء الذين تأثر بهم ؟ الشيخ شلتوت كان من تلاميذ مدرسة التجديد التى كان أبرز روادها رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده ومصطفى المراغى وعبدالمجيد سليم ومصطفى عبدالرازق، الذين وعوا رسالة الإسلام فقاموا بتنبيه وايقاظ النفوس، من أجل استعادة نهضة الوطن ارتكازا على نهضة الإسلام ورسالته الخالدة. وهل بالفعل عمل الشيخ بالمحاماه؟ الشيخ شلتوت فصل مرتين من الأزهر الأولى عام 1931، حيث كان واحدا ممن يؤيدون إصلاح الأزهر، ونشرت الصحف المصرية وقتها عدة مقالات له حول إصلاح الأزهر والمعاهد الدينية، لكن تلك الدعوة التى تبناها كثير من رجال الأزهر عارضها الملك فؤاد، مما جعل الشيخ مصطفى المراغى شيخ الازهر يتقدم باستقالته فى عام 1929، وتولى المشيخة بعده الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى الذى كان يرى التأنى ومراعاة الظروف، والتفاهم مع ولاة الأمر فى عملية الإصلاح، وقابله كثير من العلماء والطلبة بالشدة والعنف ففصل الشيخ شلتوت من منصبه، ومعه أكثر من 70 من العلماء ممن يؤمنون بعملية الإصلاح، وكان ذلك فى عام 1931. بعد فصله من الأزهر اشتغل الشيخ شلتوت بالمحاماه، وظل على منهجه فى الدعوة لإصلاح الأزهر، لكن فى عام 1935 أعيد كل المفصولين، وعاد الشيخ شلتوت مرة أخرى إلى عمله بالأزهر وعين مدرساً بكلية الشريعة، وبعد عودة الإمام المراغى للأزهر اصدر قرارا بتعينه وكيلاً للكلية عام 1937. والمرة الثانية كانت عام 1950، حيث أراد الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر تعيين الشيخ شلتوت وكيلاً للأزهر، و عندما عرض الأمر على الملك فاروق اشترط الملك أن يتخلى الشيخ شلتوت عن الخطابة والتدريس بمسجد الأمير محمد على الصغير مقابل تعيينه وكيلا للأزهر، لكن الشيخ شلتوت رفض بشدة وقال :« لأن أفصل مرة أخرى من الأزهر، وأعيش مدة أخرى أنا وأولادى فى صراع الفقر خير لى من أن أساوم على كرامتى وأصالح على هواني، إن مسجد الأمير الذى أعمل فيه لله وأنا مدرس أحب إلى الله من قصر المليك الذى أعمل فيه للشيطان وأنا وكيل » ليعمل مرة أخرى محاميا فى المحاكم الشرعية، وبعد فترة عاد الشيخ شلتوت للأزهر مرة أخرى وعين عام 1957 وكيلاً للأزهر والمعاهد الدينية، وفى عام 1958 عين الشيخ شلتوت شيخاً للأزهر خلفاً للشيخ عبد الرحمن تاج. الشيخ شلتوت أول من حمل لقب الامام الأكبر ما هى حكاية هذا اللقب؟ قبل تولى الشيخ شلتوت مشيخة الأزهر كان شيخ الأزهر يحمل لقب الأستاذ الاكبر، وفى عام 1961 صدر قانون اعاد تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، والتى كان ضمن مواد هذا القانون تعديل لقب شيخ الأزهر من الأستاذ الأكبر إلى الإمام الأكبر، وبذلك كان أول من حمل هذا اللقب. ماهى أهم انجازاته فى الأزهر؟ بصدور قانون1961 دخل الأزهر مرحلة جديدة ، فلأول مرة سمح للفتيات بالالتحاق بالأزهر، حيث أنشاء أول معهد أزهر للفتيات بالمعادي، كما فتحت فى عهده المعاهد النموذجية التى تجمع بين التعليم الأزهرى والعام، وكذلك تم تدريس اللغات الأجنبية فى الأزهر، بالإضافة إلى افتتاح مدينة البعوث الإسلامية لتستقبل الطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم، وأنشأ مجمع البحوث الإسلامية لتكون تطويرا لهيئة كبار العلماء، وأدخل دراسة المذاهب الفقهية المختلفة فى الأزهر وتدريس القانون المقارن بكلية الشرعية والتى عرفت فيما بعد بكلية الشريعة والقانون،هو ما جعل البعض يطلق عليه إمام التوفيق والتقريب. كما عمل أيضا على الحفاظ على كرامة الازهر ومكانة مشيخته، ودافع عن اختصاصات شيخ الأزهر التى حاولت الحكومة سلبها، مما عرضه لخلافات شديدة مع رئيس الوزراء فى ذلك الوقت على صبري. ماذا عن علاقته بالملك فؤاد وإبنه فاروق؟ لم تكن طيبه، نتيجة لخطب الشيخ شلتوت الشديدة التى كان يلقها فى مسجد الأمير محمد على الصغير، بالإضافة إلى مناصرته للحركة الوطنية وللجهود الاصلاحية التى كان ينادى بها. وكيف كانت علاقته بالرئيس عبدالناصر ؟ ليس كما يشاع أن علاقة الشيخ شلتوت كانت متوترة مع رجال ثورة 1952، بل على العكس كان يتمتع بمكانه خاصة عند الرئيس جمال عبدالناصر، بالإضافة أن والد عبدالناصر كان صديقا لجدي، كما أن جدى كانت له علاقة طيبة مع حسين الشافعى وكمال الدين حسين وكمال رفعت، لكن الخلاف مع بعض رجال الثورة جاء بسبب سرعة اقرار مجلس النواب لقانون تطوير الأزهر وعدم دراسته بالشكل الكافي. بالإضافة إلى تدخل الدكتور محمد البهى وزير شئون الأزهر فى شئون الأزهر، وهو ما رفضه الشيخ شلتوت وتقدم بطلب إلى الرئيس عبدالناصر يطلب منه اعفاءه من منصبه قال فى الاستقالة « بعد هذه الظروف أمامى أحد الامرين إما أن اسكت على تضييع أمانة الأزهر هو ما لا أقبله على دينى وكرامتي، أو أن أتقدم آسف فى هذه الظروف بطلب اعفائى من حمل الأمانة، التى أعتقد عن يقين أنكم تشاركوننى المسئولية فى حملها أمام الله والتاريخ، ولذلك فليس أمامى إلا أن أضع استقالاتى من مشيخة الأزهر بين ايديكم»، إلا أن الرئيس عبدالناصر رفض الاستقالة. وبعدها بأربعة أشهر توفى الشيخ شلتوت. وماذا عن علاقته برؤساء العالم؟ كان محل تقدير من رؤساء العالم وكانت تجمعه علاقات طيبه بالكثير منهم، حيث زاره فى منزله العديد منهم أمثال الرئيس العراقى عبدالسلام عارف والرئيس اليمنى عبدالله السلال والرئيس الجزائرى أحمد بن بيلا،كما شاهدت هيلاسلاسى امبراطور الحبشه فى منزلنا.بالإضافة إلى ذلك فقد حصل الشيخ شلتوت على العديد من الأوسمة من رؤساء العالم، حيث منحه العاهل المغربى الملك محمد الخامس وسام العرش، كما حصل على قلادة فخرية من الرئيس الكاميرونى عام 1962 ولقب مواطن كاميروني، وكذلك وسام من إبراهيم عبود رئيس السودان، ووسام من ملك افغانستان.بالإضافة إلى ذلك فقد نال الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات منها جامعة شيلى ومن الجامعة الإسلامية باندونيسيا والفلبين. ماهى الزيارات الخارجية التى يعتز بها الشيخ شلتوت؟ زيارته إلى أندونيسيا، حيث كان يرتبط بعلاقة طيبه بالرئيس الاندونيسى سوكارنو، وأثناء زيارته إلى اندونيسيا تم استقباله بشكل يليق بالأزهر وبمكانة شيخه، وكان الأجنبى الوحيد الذى رأس المجلس الأعلى لجمهورية اندونيسيا أثناء هذه الزيارة، وقد أخذ قرارا بتعيين قائد الجيش ووزير الدفاع الاندونيسى إماما لمسجد سوكارنو بالقصر الجمهوري، وذلك تكريما للأزهر وشيخه الجليل. وماذا عن زيارته لقطاع غزة؟ كانت غزة وقتها تحت السيادة المصرية، فطلب الشيخ شلتوت من مدير مكتبه أحمد نصار أن يرتب له زيارة ليتفقد أحوال أهلنا فى القطاع، وتجول فى أنحاء القطاع ، وعاد مهموما لما شاهده هناك من أحوال أهل غزة، وجاءه وفد من أساتذة الجامعات الأمريكية لزيارته فى منزله بعد زيارته لغزة، فارتفع صوت الإمام الأكبر عليهم وهو يقول لهم:« لقد زرت قطاع غزة، ورأيت المشردين والعرايا، ورأيت ظلم الإنسان لأخيه الانسان. إنها العنصرية الصهيونية التى أخرجتهم من ديارهم .. أنتم العلماء والأساتذة ..بلّغوا حكومتكم ما قلته لكم عما رأيت من جياع ومشردين سُلبوا أوطانهم وحرموا حق الحياة الكريمة.. قولوا لبلدكم.. بلد الحرية .. حرام أن يظل هؤلاء على هذا الحال، والعدو سائر بلا رادع ولا وازع من ضمير وإنى أدعوكم لنصرة المظلوم من عسف الظالم فى فلسطين السليبة الحبيبة». لماذا رفض جائزة الدولة التقديرية؟ عام 1960 أعلنت الدولة فوز الشيخ شلتوت بجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية، لكنه رفضها، لأنه أراد أن يحفظ كرامة الأزهر ومكانة شيخه، لأن الجائزة فيها ترشيح ومنافسة، وبالتالى لا يليق بالأزهر وشيخه أن يكونا فى منافسة مع أحد. ماهى أبرز المواقف الطريفة التى حدثت للشيخ شلتوت فى حياته؟ أثناء الحرب العالمية الثانية كان جدى يسكن فى منطقة غمرة، وأثناء إحدى غارات القوات الألمانية على القوات الإنجليزية فى القاهرة نزل الشيخ شلتوت مع أهل المنطقة إلى المخبأ، وكان يقوم بتهدئة الأطفال وكبار السن والنساء، وكان يقول لهم أن القوات الالمانية تستهدف الإنجليز فقط، وأثناء محاولته تهدئتهم نزلت قنبلة صغيرة بجوارهم، فقالت له سيدة يا فضيلة الشيخ أنت قلت لنا أن الألمان يستهدفون الإنجليز فقط، لكنهم اسقطوا علينا قنبلة، فرد عليها الشيخ شلتوت أنها ليست من الألمان ولكن الذى اسقط علينا هذه القنبلة جندى إيطالى جاهل فضحك الجميع. ماهى وصية الشيخ الأخيرة؟ أستمر الشيخ شلتوت مدافعا عن الأزهر حتى وفاته فى ديسمبر 1963، وكانت وصيته لأبنائه وأحفاده دائما أن يمارسوا تعاليم الدين، وأن يتحول إلى سلوك، ويوصيهم أن لا يعتمدوا على المحسوبية والواسطة والتى كان يرفضها بشدة. فالشيخ رحمه الله رغم أن الأزهر خصص له أكثر من سياره، فقد استخدم سياره واحدة فقط، كما كان يرفض وجود حراسة معه.