وقفت ببابك ربى راهبا حسن القبول، وقفت ببابك ربى راجيا حوض الرسول، وقفت ببابك ربى آملا حسن الختام، وقفت ببابك ربى آملا طيب المقام، وقفت ببابك ربى راهبا يوم السؤال، وقفت ببابك ربى خاشيا سوء المآل. على باب رب كريم، وعتبات شهر كريم، شهر التنقية، شهر التزكية، شهر الرحمة، شهر المغفرة، شهر العتق من النار، نقف راجين ومؤملين حسن القبول، ورضا الغفور، وشفاعة الرسول، غير أن ذلك كله لا يكون إلا لمن أكرمه الله فهداه إلى سواء السبيل، حيث يقول الحق سبحانه: «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» (الأنعام:125) ، فمن علامات قبول الطاعة حبها والإقدام عليها والاستمساك بها، وهذا حال أهل الرضا، حيث يقول الحق سبحانه: «... إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى» (الكهف:13)، ويقول سبحانه: «وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا» (مريم:76). وقد قالوا: المؤمن فى المسجد كالسمك فى الماء، والمنافق فى المسجد كالعصفور فى القفص، فالمؤمن يفرح بالطاعة ، وينشرح صدره بها ، والمنافق يراها عليه حملا ثقيلا، كما يقول الحق سبحانه وتعالى فى شأن الصلاة: «.. وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ» (البقرة:45) ، «.. وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ..» (البقرة:143). فالنتائج الصحيحة لا بد أن تسبقها مقدمات صحيحة، فالأمل بلا عمل أمل أعرج لا يقوم على ساقين، أو أعور لا يكاد يحسن الرؤية، أو أمل كاذب أو سراب خادع. أما عمل أهل الضلال فمحبط، حيث يقول الحق سبحانه: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» (النور:39)، وحيث يقول سبحانه: « قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (الكهف: 103-104). فإذا أردنا نتائج صحيحة تبلغنا المراد فلا بد من الأسباب الصحيحة من هجر المعاصى والإقبال بروح صافية ونفوس سامية راقية على مكارم هذا الشهر العظيم من صلاة وصيام وقيام، وقراءة قرآن ومدارسة علم، وبر وصلة رحم، وإحسان وتكافل مجتمعي، تحقيقا لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة:183)، وقول نبينا: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف