فى الشهر نفسه الذى يُقرر فيه السيد (دونالد ترامب)، أن يعلن من المملكة العربية السعودية أن بلاده تقود مع العالم حرباً ضروساً على الإرهاب، يفتح الكونجرس أبوابه ليستقبل وفداً تنظيمياً إخوانياً رفيع المستوى تحت مظلة أمريكية الجنسية، تنظيمية الصناعة، تحمل اسم (المنظمة المصرية الأمريكية للحرية والعدالة)، إن هذا المشهد المتزامن مع الزيارة الميمونة لقائد النظام العالمى الجديد إلى أمتنا العربية والإسلامية، لا يمكن اعتباره إلا مشهداً أصيلاً يلخص طبيعة الموقف العام العالمى مما يسمى (الحرب على الإرهاب)، وهو ما يُشكك فى السياق العام لأحداث السيناريو المستهدف؟. فالأصل يا سادة بحسب ما يسوق النظام العالمي، وعلى رأسه أمريكا والسيد ترامب طبعاً، أن الحرب المستهدفة تسعى للانتصار للإنسانية، وتهدف إلى اجتثاث جذور الإرهاب والتطرف، وتقصد تطهير منطقتنا والعالم من جراثيم سرطانية الفزع لا تبقى على أمن ولا ترعى مقدسا، لكن ثنائية فى التوجه باتت غير خافية الحركة تهيمن على صناعة التطرف من جهة، وتقود مواجهته من جهة أخرى، وجميعها تصب فى خزائن رءوس الأموال العالمية التى تجنى بشمالها مليارات الدولارات من عوائد (مكافحة الإرهاب)، كانت قد أنفقتها يمينها ملايين داعمة لمؤسسات تمثل (الحاضنات الأولى للإرهاب). واستهدافاً للمكاشفة المؤهلة للمواجهة، فإنه وفقاً لمجريات أحداث الواقع، تمثل الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعها المملكة المتحدة الحواضن الآمنة لقيادات وقواعد التنظيمات الإرهابية منذ خمسينيات القرن الماضى وحتى اليوم، صحيح أن حضورهم فى واقع البلدين لا يتسم بالعلانية كما أنه لا يحمل الشعارات الرسمية لهذه التنظيمات، سواء أكانت إخوانا أو غيرها من كيانات نمت عن التنظيم الأم، لكنه حضور لا تنكره عين العامة، ولا يمكن أن تغفله أعين الأجهزة المعنية! وهو الحضور الذى يؤهل أكبر الرءوس القيادية من عينة (إبراهيم منير)، نائب المرشد العام لتنظيم الإخوان الدولى، أن يعيش على أرض بريطانيا لأكثر من أربعة عقود، مشهراً مكتباً لأمانة التنظيم لا يحمل لافتة لكنه يحمل شعار التنظيم (سيفان متقاطعان بينهما وأعدوا)، فى مواجهة كل من يدخل من باب المكتب الرئيس، وهو ذاته الحضور المؤهل لأن يخرج الأخ (منير) ليخاطب جموع إخوانه فى بريطانيا والعالم الأسبوع الماضى عبر الشبكة التليفزيونية الرسمية (b.b.c) ليؤكد أنه يحيا فى بريطانيا كمواطن يحترم قوانين ولوائح البلد الذى يستضيفه! إذن لا يوجد ما هو خفى على النظام العالمي، تماماً كما يقول المثل الدارج (كله على عينك يا تاجر)، والتاجر فى الحرب العالمية على الإرهاب يتعامل مع جميع الأطراف، فهو من جهة راعٍ للتنظيم الأم الإخوان وداعم لما ينمو عنه من تنظيمات، وحاضن لرءوس أمواله ومستثمر لها وربما شريك، ولكنه أيضاً الذى يفرض العقوبات ويتتبع التحركات المالية لقياداته وكياناته، ويجمد الأرصدة والحسابات، ومن جهة ثانية يقدم النظام العالمى لتنظيمات التطرف عبر شبكة الإنترنت الدولية، الاستضافة السخية للمواقع والصفحات التى تسوق الأفكار والبيانات وتقدم إرشادات التجنيد والبيعة ونصائح التخفى وصناعة السلاح والمتفجرات، وفى المقابل يرصد النظام العالمى الميزانيات لتنظيم مؤتمرات وفعاليات مكافحة التطرف إلكترونياً ووضع خطط الحد من انتشاره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن جهة أخرى يضغط النظام العالمى على أوطاننا العربية والإسلامية كونها لا تحارب التطرف بفاعلية، ولا تواجه الإرهاب بحسم لكن لا يفوته أن يهدد بعقوبات وقطع للمعونات لأننا لا نراعى معاييره الحقوقية فى الحرب على الإرهاب؟. فى هذا السياق تبرز أهمية الطرح المصرى فى القمة العربية الإسلامية الأمريكية والذى تجاوز عمومية شعارات مكافحة الإرهاب إلى تحديد المنطلقات الاستراتيجية لهذه المعركة، والتى تتجسد فى (شمول مواجهة التطرف دون تمييز بين تنظيم وآخر تجفيف منابع الدعم تمويلاً وتسليحا وتسويقاً صيانة الوعى الجمعى من انتشار جراثيم التطرف دعم ثبات الدول فى مواجهة الفوضى الراعية للتطرف)، إن طرحاً كهذا بالتأكيد يأتى صادماً لوعى النظام العالمى الذى طالما اعتمد على كيانات التطرف والإرهاب باعتبارها الذريعة المؤهلة للتدخل فى شئون الدول من جهة والضامنة لشل قدرة أوطاننا على التطور لتبقى حبيسة خانة (عالم ثالث)، والمؤهلة لإحداث شروخ فى بدن الأوطان . وهذه الصدمة التى أحدثها الوضوح فى الطرح المصرى لاستراتيجية الحرب على الإرهاب والتطرف، هى التى دعت الماكينة الإعلامية العالمية ومعها ماكينات إعلام التنظيم الإخوانى وحلفاؤه إلى تجاوز الطرح لتقديم معالجات سطحية تشتت الانتباه بعيداً عن وضوح الموقف المصري، وبالتالى تظل مسئولية محاربة الإرهاب مصرية صرفة بغض النظر عن استثمار النظام العالمى له، لكن يغدو إثبات الموقف واجباً، لإقامة الحجة على نظام عالمى يحارب الإرهاب، ولكنه يقتات على صنوف شتى من (كباب) تنضجه نيران إرهاب لا تبقى لشعوبنا على أخضر ولا يابس. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;