ذهب البعض إلي وصف مصر بالغائبة أو المغيبة، وأعاد البعض إلي الأذهان ما سبق أن أطلق عليه السيد عمرو موسي وزير الخارجية وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق بسياسة الهرولة، أمّا آخرون فقد ارتأوا أن مصر عليها بالقطع عبء ضبط الإيقاع وإقامة التوازن في المنطقة والتوجيه المتعقل في هذه المرحلة الحرجة التي تشهد تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية غير واضحة المعالم بعد تجاه المنطقة. غير أن المشاهد حتي الآن علي الساحة الدولية والإقليمية يؤكد لنا أن الرئيس الأمريكي الجديد يريد إعادة تثبيت زعامة الولاياتالمتحدة وحقها في أن تقود المجتمع الدولي، علي نحو ما كان قد أشار إليه الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت في السابق عندما أراد إقناع الكونجرس الأمريكي بالدخول في الحرب العالمية الثانية ليتسني لأمريكا قيادة العالم فيما بعد الحرب والتخلص من حالة التقوقع والانعزال التي عاشتها لأكثر من مائة وخمسين عاماً. كما يريد ترامب، بما يحمله من ضغينة شخصية للرئيس السابق أوباما، أن يفند ويقلل من شأن كل ما قام به الأخير،لاسيما تراجعه عن منطقة الشرق الأوسط لمصلحة التوجه إلي آسيا باعتبارها تمثل الاهتمامات الأمريكية الجديدة والفائدة الاقتصادية. ويريد ترامب أيضاً أن يعمل علي جذب الدول العربية التي كانت معروفة بصداقتها للولايات المتحدة وإعادة الثقة لديها وقدرة الأخيرة علي تحريك الأمور، بما يحقق الاستقرار والتوازن. وتطرح زيارة الرئيس الأمريكي في الواقع واختياره للمملكة العربية السعودية وإسرائيل دون غيرهما من دول المنطقة كثيراً من علامات الاستفهام. وإن تمثل صفقة الأسلحة وأمله في إشراك السعودية ودول الخليج في تحمل تكاليف المظلة الأمنية التي تكفلها لها الولاياتالمتحدة حجر الزاوية بالنسبة لزيارته للسعودية، فإن الغرض من زيارته لإسرائيل مازال موضع قلق، خاصة في ضوء سياسة المفاجآت التي يتبعها الرئيس الأمريكي مع المنطقة. فهل كان تضمين زيارته للمملكة العربية السعودية مجرد تغطية لرغبته في زيارة إسرائيل الدولة الصديقة، وهل هناك احتمال بأن يعلن عن توقيت نقل السفارة الأمريكية إلي القدس؟ هل لنا أن نتصور أنه سيسعي إلي إقناع إسرائيل بالتراجع عن مواقفها المتطرفة والمتشددة مخترقة أبسط قواعد القانون الدولي باستمرارها في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة؟ هل سيتشاور معها علي شكل ومضمون اتفاق ما مع الجانب الفلسطيني بعيداً عن التوافق العربي وحل الدولتين؟ كما تثير هذه الزيارة أيضاً علامات استفهام بالنسبة لمصر بوجه خاص وماذا تعني وعود الرئيس ترامب للسيد الرئيس خلال مكالمة تليفونية أخيرة بأنه سوف يزور القاهرة في المستقبل القريب؟ هل هذا توددٌ لمصر أم تحفيزٌ للسيد الرئيس للمشاركة في المؤتمر الموسع الذي تقوم السعودية بتنظيمه بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي؟ وما هو مدي تقارب مصالح ومتطلبات الدولتين مصر والولاياتالمتحدة من المنطقة إلي جانب الهدف المشترك في القضاء علي الإرهاب الديني، والمتعارف علي تسميته بالإسلاموية؟ وما هو مدي استعداد الولاياتالمتحدة للوقوف مع مصر لاستعادة دورها الإقليمي في مواجهة القوتين الصاعدتين من خارج المنطقة، وهما إيران وتركيا، اللتان أصبحتا تقحمان نفسيهما بدون وجه حق في معادلات تسوية الأزمات في المنطقة؟. وماذا عن الشائعات التي كثرت حول التحالف السني ومدي صحتها؟ وأعلنت مصر منذ اليوم الأول بكل صراحة عن مخاوفها من مقاصد مثل هذا التحالف بما يجمعه من دول من خارج المنطقة لا مصلحة لها سوي إشعال أكثر للمنطقة والحصول علي مقابل مادي. وبغض النظر عمّا قد تقدمه إسرائيل لمثل هذا التحالف من دعم استخباراتي، فإن مخاوف مصر تكمن أساساً في المطامع التركية المعروفة ومطامع رئيسها إزاء المنطقة واحتمالات استغلاله لمثل هذا التحالف الديني أسوأ استغلال. فليس غائباً عن أحد العداء والخصومة بين مصر وتركيا، لما تقوم به الأخيرة من إيواء للإرهاب وتوفيرها الملاذ الآمن للإخوان المسلمين والهاربين من مصر. هذا، فضلاً عمّا أظهره أردوجان من قلة احترام وحقد لمصر ورئيسها في أكثر من مناسبة. فإن لمصر موقفها الثابت إزاء مثل هذا التحالف والذي لا يتفق وموقف الإدارة الأمريكية، التي تدفع بتشكيله، معتقدة أنه سيعينها في حربها ضد الإرهاب أو ذ وما هو أدق ذ للتصدي لإيران. ماذا عن تسوية الأزمة السورية، وموقف مصر الثابت والمعروف من رفضها للتقسيم وإبقاء سوريا موحدة وسليمة واقتناء مصر مبدأ الحفاظ علي كيانات الدولة الوطنية في المنطقة. بيْد أن مصر لا شك أمام معضلة كيفية التعامل مع الموقف الأمريكي المتأرجح، ما بين الحفاظ علي نظام الأسد تارة و إضعافه وتقويضه وقصفه بزعم استخدامه الأسلحة الكيميائية تارة أخري ، فإن مصر في حيرة أمام مثل هذا الوضع المتغير في كل مناسبة. والحال كذلك بالنسبة لليمن، فإن التعامل مع الأزمة في اليمن أيضاً يتطلب حنكة سياسية ووضع استراتيجية متكاملة أكثر من توجيه ضربات جوية عسكرية دون هدف محدد وضربات عشوائية بدون طيار. كما نتساءل عن مدي اهتمام الولاياتالمتحدة بالوضع في ليبيا ومدي مساندتها لمساعي مصر في إيجاد تسوية دائمة. ماذا عن كل هذه التساؤلات؟ هل ستوضع علي مائدة المفاوضات؟ وماذا عن الصفقات التي ستتم من وراء الكواليس ووقعها علي دولنا وعودة الاستقرار من جديد إلي منطقة الشرق الأوسط؟. ليس بالضرورة أن تتطابق سياسة مصر وسياسة الولاياتالمتحدة في كل صغيرة وكبيرة، بل إنه ليس بالضرورة أيضاً أن تتطابق سياسة مصر مع سياسات دول المنطقة في مجالات كثيرة. فكل يضع سياسته وفقاً لمصالحه الخاصة، وتبقي الدبلوماسية والحوار البناء هما الطريق للتوصل إلي حلول وسط ومتوازنة لايخرج منها فائزون أو خاسرون، بل يجني الجميع من جراء الحوار الدبلوماسي الفائدة والمصلحة لدولته وشعبه. ولمصر باع طويل في مثل هذه المفاوضات الدبلوماسية، وهي علي دراية كاملة بأن الأساس فيها هو الأخذ والعطاء، ويكفي أن نعيد هنا إلي الأذهان اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل وصفقة حرب الخليج الأولي. فليس هناك من يأخذ ولا يعطي، وليس هناك من يستمر في العطاء دون مقابل، فمثل هذه الحالات لا تعتبر حالات صحية ولا تفيد المتشبثون بها علي الأمد الطويل. وتبقي كثير من الأزمات في المنطقة مفتوحة علي مصراعيها. فلم تفصح زيارة السيد الرئيس إلي البيت الأبيض عن المواقف بالنسبة لكثير من تلك الأزمات، وإن أثبتت بوضوح التطابق بين السياسة المصرية والأمريكية بالنسبة للقضاء علي الإرهاب. كما أثبتت زيارة السيد الرئيس أن الرئيس الأمريكي لديه النية في إبرام صفقة تاريخية بين الفلسطينيين وإسرائيل، أمّا ما هي طبيعة هذه الصفقة ومحتوياتها فما زالت غير معروفة. كما أثبتت زيارة السيد الرئيس أن الرئيس الأمريكي ما زالت تعوزه الخبرة والمعلومات الدقيقة والمتوازنة عن الأوضاع في المنطقة، فهل لنا أن نستغل زيارته للمملكة العربية السعودية والاجتماع الموسع الذي تقوم المملكة بالإعداد له لفتح مدارك الرئيس الأمريكي وإدارته الجديدة وليستمعوا إلي صوت المنطقة. وحسناً ما قام به السيد الرئيس بالتنسيق مع الملك عبدالله ملك الأردن قبيل الزيارة وقبل انعقاد المؤتمر الموسع، وما من شك أنهما قاما بالاتفاق علي كثير من التساؤلات المعلقة. ويكون لمصر هنا دور رئيسي فيما تمثله من صوت العقل والتوازن في هذه المرحلة ورؤية واضحة لتسوية العديد من أزمات المنطقة بعيدة عن مطامع شخصية وصفقات خفية؟ وتنبع هذه الرؤية من رغبة مصر الأكيدة التي تنصب علي إعادة بناء استقرار المنطقة علي أسس سليمة ودائمة لكي تنعم شعوبها بالاستقرار والرفاهية. لمزيد من مقالات د . ماجدة شاهين;