استقبلت إيطاليا بالترحيب نبأ فوز الدكتور محمد مرسي كأول رئيس جمهورية مدني منتخب في مصر وأعربت روما بشكل رسمي عن تأييدها للرئيس الجديد .. وسعيها لدعم العلاقات الثنائية والأوروبية مع مصر نحو آفاق جديدة وأوسع خلال الفترة المقبلة. ومن لا يذكر أنه حتي الماضي القريب كانت العلاقات تتسم ب الشخصنة من خلال الصداقة التي جمعت بين الرئيس المخلوع حسني مبارك ورئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني حتي أنهما كانا يعقدان4 قمم ثنائية في العام الواحد. الا أن هذا العهد انطوي سريعا بخروج كليهما من السلطة وتبدأ القاهرة و روما مرحلة جديدة علي مضمار الصداقة التاريخية بينهما.. وكان ل الأهرام هذا اللقاء مع وزير الخارجية الايطالي جوليو تيرسي لفتح أهم الملفات التي ترسم ملامح مستقبل العلاقات الثنائية..وفيما يلي نص الحوار: كيف استقبلتم خبر نجاح الرئيس محمد مرسي؟ وهل تعتقد أن الصداقة الطويلة بين مصر وايطاليا ستواجه أي تحديات؟ انتخاب محمد مرسي يعد خطوة تاريخية في عملية تعزيز الديمقراطية في مصر. نحن نرحب بالنتيجة الحرة والشفافة للانتخابات الرئاسية. وسعدنا بالاقبال الكبير علي المشاركة في الانتخابات والتي تظهر انخراط الشعب المصري في التحول السياسي, لقد هنأ الرئيس مونتي شخصيا الرئيس الجديد, مؤكدا علي توقعات المجتمع الدولي من أجل انتقال سريع للديمقراطية, مبني علي الاحترام الكامل لحقوق الانسان و الحريات الأساسية وبخاصة حقوق الأقليات الدينية. وحول الصداقة بين بلدينا, فان قوتها تمتد ليس فقط الي قيادات كل منا, و لكن أيضا لشعبينا, وهي ضاربة بجذورها في عمق التاريخ وستستمر بالتأكيد في المستقبل بكامل قواها. وفي الشهور القليلة الماضية, أبقت الحكومة الايطالية دائما علي حوار مفتوح مع جميع الأطراف الرئيسية في المشهد السياسي المصري, بما في ذلك جماعة الاخوان المسلمين وأحزاب أخري ناشئة. وكما قلت في رسالة نشرتها علي موقع تويتر بعد ساعات قليلة من اعلان نتائج الانتخابات, فإن انتخاب محمد مرسي يعد دليلا آخر علي التقدم نحو انتقال ديمقراطي ناجح و سيسهم في توطيد العلاقات بين بلدينا. ايطاليا عازمة علي الاستمرار في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمصر. نحن علي قناعة بأن ازدهار وديمقراطية مصر سيمثلان عاملا أساسيا في الاستقرار بالمنطقة بأكملها.نحن منفتحون علي التعامل مع جميع الفاعلين السياسيين الذين يلتزمون بالمبادئ الأساسية بنبذ العنف, والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. المجلس العسكري في مصر احتفظ بسلطات واسعة في الاعلان الدستوري المكمل.. هل ستحتفظ ايطاليا بقنوات اتصال و حوار مع المجلس العسكري؟ ايطاليا تعلق أهمية عظمي علي مبادئ الديمقراطية والفصل بين السلطات, فضلا عن واجب احترام سيادة القانون وحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية للجميع, بما في ذلك حريات التعبير و التجمع والدين أو الاعتقاد. نحن ندعم بالكامل انتقال مصر الديمقراطي ونؤكد علي الحاجة الي تسليم السلطة الي المدنيين بشكل كامل وسريع. وكما قلت سابقا نحن مستعدون للحفاظ علي حوار مفتوح وبناء مع جميع الأطراف المعنية من أجل دعم واثراء العملية الديمقراطية في مصر. طالما اشتكت الحكومة المصرية من عدم تلقي أي من المساعدات المالية التي أعلنت عنها قمة مجموعة الثماني في دوفيل بفرنسا.. ما السبب وراء التأخير؟ وهل أنتم مستعدون الآن لتقديم المساعدة لمصر في هذه المرحلة الحرجة؟ منذ تدشينها, مثلت مشاركة دوفيل اطار عمل لتطوير التنسيق بين المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف, و أعطت لذلك الأولوية. ليس سرا أنه في بعض القضايا جاءت النتائج مختلفة عن التوقعات. ولكن تم البدء في عدة مشاريع مشتركة وهي تعمل الآن في قطاعات مثل البنية التحتية و دعم المشروعات الصغيرة و المتوسطة. وايطاليا تعمل بتنسيق وثيق مع شركائها الأوروبيين و الدوليين علي ضمان التدفق الفعال للأموال النابعة من مشاركة دوفيل. نحن نري من الأهمية القصوي وقف المزيد من التدهور في الوضع المالي بمصر, ومن أجل ذلك نقدم دعمنا في سبيل نجاح مفاوضات الاقتراض بين مصر وصندوق النقد الدولي. علي الصعيد الثنائي, تصدرت مصر دائما وجهة المساعدات الايطالية. في الوقت الراهن, نحن ملتزمون بالفعل بعدد من المشاريع, خاصة تلك التي تتعلق بدعم المشروعات الصغيرة و المتوسطة, وبناء القدرات, فضلا عن مبادرات السياسة الاجتماعية. وتقدر القيمة الاجمالية لهذه المشروعات16 مليون يورو من بينها13 مليون يورو قروض ميسرة. وهناك نحو45 مليون يورو آخرين في شكل قروض ميسرة أعدتها ايطاليا لمصر, ولكننا بانتظار مجئ الحكومة المصرية الجديدة لتحدد لنا أولوياتها من أجل المضي قدما. ومن الجدير أن نذكر وثيقة التفاهم الثنائية لمنح الدعم وتبلغ قيمتها10 ملايين يورو, ولايزال جزء من ذلك المبلغ في انتظار تخصيصه. وذلك الي جانب التزام برنامج التعاون الانمائي الايطالي لتمويل برنامج جديد للدعم السلعي مساعدات للموازنة المصرية بقيمة20 مليون يورو. وفي هذا الصدد, ايطاليا مستعدة لبدء المفاوضات مع الحكومة المصرية الجديدة. أخيرا- واسمحوا لي بالتأكيد أنه خلال زيارة الرئيس مونتي مؤخرا الي القاهرة, دشنت ايطاليا المرحلة الثالثة من مبادرة مبادلة الديون الايطالية المصرية تبلغ قيمتها الاجمالية100 مليون دولار. هذه المبادرة, والتي أعفت مصر من سداد ديونها الخارجية لايطاليا, خففت بشكل كبير من الأعباء المالية عن كاهل الموازنة العامة للدولة المصرية. وهذا يعد أول نظام من نوعه تقدمه دولة غربية الي مصر منذ بدء الثورة. منذ مجئ حكومة مونتي الي السلطة, أكدت روما الحاجة لتدشين سياسة أوروبية جديدة تجاه المتوسط.. كيف ترون أسس هذه السياسة الجديدة في ضوء تولي الرئيس مرسي؟ التغييرات واسعة النطاق التي تجري علي الحدود الأوروبية والتحول الديمقراطي في جميع انحاء جنوب المتوسط, سلطت الضوء علي ضرورة تطوير الاتحاد الأوروبي لاستجابة أكثر ملاءمة وفعالية في التعامل مع هذه التطورات السريعة, وهو ما يستوجب المراجعة الشاملة لسياسة الجوار الأوروبي. منذ بداية الربيع العربي, تم بذل العديد من الجهود لوضع أساس مشاركة جديدة للديمقراطية و الرخاء المشترك بجنوب المتوسط. ومع ذلك, تحث ايطاليا الاتحاد الأوروبي علي الذهاب لأبعد مما تم انجازه من عمل, و البحث عن منهج أكثر عالمية و تكاملا. بحيث يأخذ المنهج الجديد في الاعتبار الحاجات العامة التي تعبر عنها كل دولة, فضلا عن امكانات التكامل الاقليمي. كل ذلك في الوقت الذي يتم فيه تطوير التآزر مع مبادرات الدعم المماثلة من جانب اطراف دولية أخري. في هذا السياق, يمهد انتخاب الرئيس مرسي, وبشكل عام بدء التحول الديمقراطي الواسع, الطريق أمام علاقة قوية بين مصر والاتحاد الأوروبي. الاتحاد في الواقع علي استعداد لتقديم تعاون سياسي أقوي, وتكامل اقتصادي أقرب, ودعم مالي أكبر, للشركاء المنخرطين بفعالية في الانتقال الديمقراطي.وسيكون علي مصر الديمقراطية الجديدة توسيع نطاق حوارها مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي, في مسعي لوضع تعريف مشترك للبرامج والمعايير. ايطاليا ستقف الي جانب مصر لضمان أن المشاركة السياسية و المالية للاتحاد الأوروبي تفي بحاجات وتوقعات البلاد كما تم تعريفها حديثا, بشكل ملموس. وفي رأيي فإن تنظيم فريق عمل مصري- أوروبي سيكون بمثابة أداة مثالية لتعزيز فعالية المساعدات الأوروبية وزيادة التعاون الاقتصادي. في اعتقادك, كيف ستكون تداعيات انتخاب مرسي في منطقة الشرق الأوسط؟ مصر فاعل أساسي في الشرق الأوسط, ومن الضروري ألا تفقد مصر دورها التقليدي المتوازن و الفاعل في المنطقة, وكذلك أن تجدد التزامها بهدف بناء الاستقرار و السلام و الرخاء في المنطقة, كما تمكنت من تحقيق ذلك بالفعل حتي خلال المرحلة الانتقالية المضطربة- في ليبيا وسوريا و السودان. ايطاليا تدعم بشكل كامل دور مصر البارز في أفريقيا و الشرق الأوسط, وهو ما يجب الحفاظ عليه. وعلي مدي العقود الماضية, مثلت معاهدة السلام بين مصر و اسرائيل أحد العوامل الرئيسية للاستقرار في الشرق الأوسط. والحفاظ علي تعاون فعال بين هذين البلدين يعد أمرا حاسما لضمان السلام و الاستقرار في المنطقة, ويحدونا الأمل العميق في أن يتم الحفاظ علي الحوار البناء الذي شهدناه في الماضي علي قيد الحياة.