كعادة انتخابات رئاسة الجمهورية فى إيران، حيث تتسم حملات المرشحين بالهجوم الحاد على بعضهم البعض، دون طرح بديل أو إصلاح لمعظم نقاط الضعف التى يعرضونها، وهو ما يجعل الناخب فى حيرة، فيسلم أمره لرأى مرجعه الديني، وهذا الأمر أكثر وضوحا فى التيار الأصولي. أما دعم الأحزاب والجماعات السياسية فيأتى فى المرتبة الثانية بعد دعم المراجع، ويبدو مؤثرا أكثر فى التيار الإصلاحى المعتدل. ورغم أن مجلس الرقابة على القوانين فى اختيار الأصلح من المرشحين قد قسم الصالحين من المرشحين بالتساوى بين التيارين الأصولى والإصلاحى المعتدل، ثلاثة فى مواجهة ثلاثة، إلا أنه يبدو من سير المناظرات الانتخابية أن التنسيق واضح بين مرشحى التيار الإصلاحى المعتدل، فى حين أن مرشحى الأصوليين كل منهم فى واد، لكنهم متفقون جميعا على الهجوم على الرئيس روحانى وحكومته. فى هذا المناخ، تفتقد عناصر أساسية يتساءل عنها الناخب، ولأهميتها تمثل حلقات مفقودة فى عملية انتخاب رئيس للجمهورية. تتمثل الحلقة الأولى فى غياب عدد من القضايا المهمة فى مناظرات المرشحين، منها قضية الثقافة الإسلامية والهوية الوطنية، وقضية السياسة الخارجية والوجود العسكرى الإيرانى خارج البلاد، وقضية مستقبل البرنامج النووي، وعدم الإعلان عن أرصدة المرشحين. ومن المعروف أن هناك علامات استفهام حول موقف روحانى ومؤيديه من الثقافة الإسلامية، وتوجههم الليبرالي، وهو رغم كونه نقطة ضعف لديهم، إلا أن مرشحى الأصوليين لم يقدموا فى برنامجهم الانتخابى شيئا عن الخطاب الثقافي، ولعل ذلك يرجع لموقفهم من الأقليات العرقية والدينية، والذى يرى أنه ليس من حقها الاشتراك فى القيادة، أو شغل مناصب حساسة فى الدولة، رغم أنهم مواطنون لا يشك فى وطنيتهم. وهم يعتمدون فى ذلك على مرجعية حكم الأغلبية، مما يقلل من حقوق هؤلاء المواطنين. أما الحلقة الثانية من الحلقات المفقودة، فتتمثل فى عدم وجود ما يطمئن الناخبين حول أمرين أساسيين يوضعان فى الاعتبار لترجيح مرشح على آخر، وهما مستقبل دعم السلع الأساسية، وتوفير فرص العمل للعاطلين مع زيادة الأجور إزاء ارتفاع الأسعار، لأن الجماهير التى تتابع المناظرات وتصريحات المرشحين تدرك أن وعودهم جميعا حول الأمرين غير ممكنة التحقيق، فضلا عن عدم وجود ميزان إعلامى اقتصادى يبين الأسس التى تقوم عليها الوعود فى هذين المجالين، وعدم الإشارة إلى مصادر توفير التمويل اللازم، إضافة إلى تضارب أرقام الإحصائيات، فيما يتعلق بمستحقى الدعم أو بالعاطلين عن العمل. وتتمثل الحلقة المفقودة الثالثة فى غياب نقد المناظرات الانتخابية بعد إذاعتها، سواء من جانب الشبكات الوطنية أو الخاصة، والاكتفاء بالاستفتاء على من كان أبرز المرشحين فيها، فضلا عن الرقابة القوية الواضحة فى إدارة هذه المناظرات، وعدم نشر هيئة الإذاعة والتليفزيون الوطنية لبيانات التكذيب التى يصدرها المرشحون، رغم خروج عدد من المرشحين عن أخلاقيات المنافسة فى هذه المناظرات، وعرضهم لما يخالف الواقع من معلومات أو اتهامات أو وعود. أما الحلقة المفقودة الرابعة، فتتمثل فى غياب عدد من الأطراف السياسية القوية متجنبين هذا الصراع، معلنين عدم تأييدهم لأى مرشح، خاصة تيار أحمدى نجاد أو زيحيا الربيعس وهو الذى باستطاعته أن يرجح كفة أحد المرشحين لما له من شعبية كبيرة، فضلا عن حزب كوادر البناء وجبهة محمد خاتمي، ولهما شعبية كبيرة بين الإصلاحيين. ويمكن اعتبار الحلقة المفقودة الخامسة متمثلة فى الموقف المتأرجح لجيش حراس الثورة الإسلامية وتابعه البسيج، بين دعم المرشح محمد باقر قاليباف أحد قادة جيش الحراس السابقين ورئيس العاصمة طهران الحالي، وبين حجة الإسلام إبراهيم رئيسى مرشح الجبهة الشعبية لقوى الثورة الأصولية، والذى تدعمه أيضا جبهة الثبات الأصولية، ويحظى بدعم مستتر من زعيم النظام، وهو الذى من أجله منع أحمدى نجاد من الاشتراك فى هذه الانتخابات. نتيجة للحلقات المفقودة هناك عدد من التساؤلات يطرح نفسه على الساحة، منها: ماذا لو خسر روحانى ونجح إبراهيم رئيسي؟ هل يستطيع أن يقود حكومة فى منعطف خطير تدخل إليه البلاد؟ ماذا لو أحجمت غالبية الجماهير عن الإدلاء بأصواتها؟ هل تتسبب لعنة أحمدى نجاد فى نجاح محمد باقر قاليباف؟ يرى المتفائلون أن نجاح روحانى ليس ميئوسا منه، لأن معظم الشعب الإيرانى يرغب فى الانفتاح، ويقدر خط روحانى وإنجازاته، كما أن نجاح رئيسى لن ينهى الاتفاق النووى مع الغرب. ويشير الهجوم الذى شنه روحانى ضد رئيسي، إلا أن معركة انتخابات الرئاسة بالنسبة لروحانى معركة مصير، لأن هجومه تجاوز شخص إبراهيم رئيسى وآراءه إلى فكر الزعيم خامنئي، بمعنى أنه تجاوز الخط الذى تجاوزه أحمدى نجاد من قبل، فقد أشار إلى عدم سداد أوقاف الإمام على الرضا الضرائب للحكومة، وهو مبلغ لا يستهان به فى دعم الاقتصاد الوطني، وكان تعلل رئيسى بأن الولى الفقيه أعفى هذه الأوقاف من الضرائب، وهو ما يمس الولى الفقيه والمراجع.وإذا كان رئيسى قد أكد أن الأوقاف تقدم مساعدات خيرية تزيد عن الضرائب بثلاثة أضعاف، إلا أن الهدف الذى يراه المحللون من هجوم روحانى هو التشكيك فى أمانة أولى الأمر. كما هاجم روحاني، إبراهيم رئيسى بأنه كان القاضى الذى يقمع الحرية والرأى بالأحكام الجائرة وتشديد الرقابة على منابر الرأي. لاشك فى أن سقوط عدد من الحلقات فى ساحة الصراع بين المرشحين، رغم ضرورتها فى حسم اختيار الناخبين للمرشح الأمثل، ترجع إلى ضغوط الزعامة، والأجهزة الرقابية المعروفة والمستترة، حول عدد من القضايا التى تمس النظام،أو لها أسباب أمنية، وربما تؤدى إلى اشتعال الفتنة.. ومن الواضح ظهور تداعيات لها على الساحة السياسية وفى المجتمع، ومنها إعلان البعض عزوفهم عن المشاركة فى الانتخابات، ومنها التشكيك فى عدالة الولى الفقيه، ووجود الديكتاتورية وعدم وجود أى نوع من الديمقراطية. من هنا تبدو السيناريوهات المتعلقة بوصول أحد المرشحين واضحة تماما، فإما أن يتم الضغط على أحمدى نجاد وتياره لدعم إبراهيم رئيسي، فيستجيب فى مقابل صفقة ترضية، وهو ما يحقق نجاح رئيسي، وإما أن يتكتل الاصلاحيون لصالح حسن روحانى مع تشتت أصوات الأصوليين فينجح روحانى بأصوات الإصلاحيين، وإما أن يتردد الإصلاحيون ويضغط العسكريون لصالح قاليباف مع ضعف الحضور الجماهيرى فيفوز قاليباف بكرسى الرئاسة. لكن ينبغى أن نضع فى الحسبان أن الزعيم خامنئى تخلص من رفسنجانى وموسوى بأحمدى نجاد، وتخلص من أحمدى نجاد ليضمن نجاحا رئيسيا. أستاذ الدراسات الإيرانية لمزيد من مقالات د. محمد السعيد عبد المؤمن;