على هامش اللقاءات التي شهدتها «جنيف» السويسرية على مدى الأسبوعين الماضيين في إطار المؤتمر الدولي لدعم اليمن برعاية الأممالمتحدة وحكومتي سويسرا والسويد ومشاركة نحو 70 دولة من بينها الإمارات والسعودية والكويت لإنقاذ نحو 19 مليون يمني من تبعات الصراع الدائر منذ عامين، التقت «الأهرام» عالم الأوبئة د.بيتر سلامة، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ، الذي يأتي في المرتبة التالية للمديرة العامة للمنظمة ثم نائبها. و د.بيتر سلامة، أسترالي المولد والجنسية، ويتحدث العربية لانتمائه لأب مصري مهاجر، وقد شغل مناصب عدة، منها: المدير الإقليمي لليونيسيف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما قاد حملة المنظمة نفسها لمواجهة وباء «الإيبولا»، وعمل ممثلًا لها في إثيوبيا وزيمبابوي، ومستشارا لرئيسها في مجال الصحة وفيروس نقص المناعة (الإيدز)، فضلا عن خبراته في مجال صحة اللاجئين ومكافحة الأمراض والأوبئة في آسيا وأفريقيا. في بداية حديثه، شدد «سلامة» على تعقد الموقف في اليمن بصورة لا يمكن فيها الفصل بين الوضع السياسي والصحي، حيث بلغت البلاد فعليًا المرحلة الرابعة في مؤشر الكوارث طبقًا للمقاييس المتعارف عليها، والتي يليها مرحلة إعلان «المجاعة» رسميًا. إلى جانب النقص الفادح في المواد الغذائية، وارتفاع عدد ضحايا الصراع، ومعاناة أصحاب الأمراض التقليدية بسبب عرقلة تدفق الأدوية الأساسية بنسبة 70%، تعمل أقل من 45% من المرافق الصحية بكامل طاقتها، بعد تضرر ما يقرب من 300 مرفق، وعدم دفع الرواتب بصورة منتظمة منذ أغسطس الماضي، وانتشار وباء الكوليرا في أكتوبر، وغيرها من الكوارث الصحية وفيما يلي نص الحوار : ما هو تصنيفكم للأزمات الإنسانية في المنطقة العربية، وأيها الأشد وطأة؟ من الصعب مقارنة أزمة بأخرى، ولكن يمكن القول إنه في إطار عمل مؤسسات الأممالمتحدة ومن ضمنها منظمة الصحة، تظل أزمات العراقوسوريا واليمن هي الأصعب في الألفية الثالثة. بسبب استمرارها لفترة زمنية، فضلًا عن تشابك الأوضاع السياسية على الأرض، وعجز الحكومات والمنظمات الإنسانية عن الاستجابة، مما يعني الحاجة إلى ضرورة الإنقاذ العاجل والعمل في إطار خطط استباقية قصيرة وطويلة الأمد، حيث يضطلع فاعلون متعددون بالنصيب الأكبر من العمل عن طريق إدارة العمليات عن بعد من خلال الشركاء المحليين. ويعتبر دور منظمة الصحة العالمية محوريًا إلى جانب التحرك السياسي لاعتبارات تتعلق بتقديم الدعم من أجل تعافي البلاد، من خلال تحرك صندوق الطوارئ التابع للمنظمة في ضوء مسئوليتها أمام ضحايا الكوارث. هل ثمة أسباب للتركيز على اليمن بعد عامين من «النسيان»؟ لا يمكن القول بإنه تم نسيانها، ولكن بسبب تزامن خروج مئات الآلاف من سوريا مع بداية اندلاع الصراع في اليمن كان ثمة تركيز على الأزمة السورية وقتئذ. ومع ذلك يبدو الأمر معقدًا في اليمن، حيث نعمل الآن في إطار أولوية تستدعي إنقاذ حياة ملايين مقبلين على الموت. في الوقت نفسه هناك الكثير من الأزمات المشتعلة كما هو الحال في ليبيا وعدد من دول افريقيا، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان الاستجابة لكل تلك الأزمات دفعة واحدة. وعندما لا تتوافر الإمكانات لمعالجة كل ذلك، ستضطر بالطبع لاتخاذ قرارات تتعلق بما هو حتمي وعاجل. لقد عانى اليمن بسبب الالتفات لأزمات أخرى في مناطق مختلفة، وكان من الطبيعي أن تتفاقم المشكلات فيه بسبب الإهمال لبعض الوقت واستمرار الصراع من جهة أخرى. وقد كان المؤتمر الذي دعى إليه السكرتير العام للأمم المتحدة «أنتونيو جوتيرس» في نهاية الشهر المنصرم إنذارًا في ظل ضيق الوقت. ما هي أولوياتكم في اليمن؟ بداية، لابد من تغطية العجز الغذائي حيث يتراوح عدد سكان المناطق التي وصلت إلى الدرجة الثالثة في مقياس ما قبل المجاعة بين 7 و 10 ملايين نسمة. وهناك عدة ملايين أخرى قد وصلت بالفعل إلى الدرجة الرابعة، وهؤلاء يواجهون مخاطر متزايدة للوفيات مع استمرار الصراع، وانهيار السوق المحلية، وصعوبة انتقال البضائع، أو نقل المساعدات لبعض المناطق، فضلًا عن انهيار الخدمات الصحية وعدم توفير الحد الأدنى من إجراءات النظافة لعدم توافر المياه النظيفة والصرف الصحي لتفادي الأوبئة. هذا في الوقت الذي خرجت فيه البلاد لتوها من انتشار وباء الكوليرا بين 24 ألف حالة في أكتوبر الماضي، حيث قدمت منظمة الصحة ما يقرب من مليون دولار من مواردها المخصصة لحالات الطوارئ بالتعاون من الفاعلين في اليمن لتوفير 27 مركزاً لعلاج الكوليرا. ما هو تقييمكم للسيطرة على وباء الكوليرا، وهل ثمة خطر من عودته أو انتشاره في مناطق أخرى محيطة؟ لقد بدأ وباء الكوليرا في الانحسار، واقتصرت الحالات الجديدة على 8% من المناطق المصابة. ونخشى من مرض الحصبة الذي يحصد الأرواح في حال تزامنه وسوء التغذية، وقد نجحت منظمة الصحة واليونيسيف وآخرون في إنجاز حملة تطعيم استغرقت شهرين لخمسة ملايين طفل ضد الحصبة وشلل الأطفال، وما زلنا في حاجة لإنجاز المزيد من التطعيمات. أما عن عودة الأوبئة وانتشارها المحتمل في المناطق المحيطة، فإنه أمر وارد لأنها لا تعرف الحدود وتعاود الظهور متى توافرت الظروف المساعدة. الخطر قائم. ما هي طبيعة الوضع على الأرض الآن؟ يعاني اليمنيون نقص الغذاء والعلاج بنحو 90%، وهو ما تم تخفيضه إلى 70%، ولكن يبدو من الصعب أحيانًا نقل الإمدادات عبر البلاد. على سبيل المثال، نجحنا فقط في فبراير الماضي في الوصول إلى سكان تعز والمناطق الساحلية الجنوبية في «الحديدة»، والبالغ عددهم 350 ألف نسمة، وكانت واحدة من أسوأ المناطق التي وصلنا إليها. ومع ذلك، فإن التفاؤل اليوم مرتبط بنجاح المؤتمر الأخير لإنقاذ اليمن حيث تعهد المانحون بتقديم ما يقرب من 1.1 مليار دولار، ونتمنى أن يتحول ذلك إلى التزام سريع.