استمرار إضراب المحامين أمام محاكم الجنايات، غدًا    الكنائس الأرثوذكسية الشرقية يحتفلون بذكرى مرور 17 قرنا على انعقاد مجمع نيقية بالكاتدرائية    انطلاق أولى رحلات طيران الحج السياحي 2025    مصدر حكومي: نسعى لعلاقة متوازنة بين المالك والمستأجر فى الإيجار القديم    ضربة قاصمة للدعم السريع، الجيش السوداني يحرر منطقة العطرون الاستراتيجية    خبير: الحرب البرية بدأت فعليًا.. وحماس وقعت في شرك المفاوضات الأمريكية    تشكيل مباراة إنتر ميلان ولاتسيو في الدوري الإيطالي    أتلتيكو مدريد يحسم الشوط الأول بثنائية أمام ريال بيتيس في الليجا    وزيرة التضامن تطمئن على وصول أول أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى المدينة المنورة    ياسمين صبري تتألق على ريد كاربت العرض الخاص لفيلم "المشروع إكس"    عمرو دياب مفاجأة العرض الخاص لفيلم المشروع x    تأجيل دعوى إلغاء قرار نقيب الموسيقيين بمنع هيفاء وهبي من الغناء ل 25 مايو    ما هي العيوب التي لا تجوز في الأضحية؟    لأول مرة بصحة الدقهلية، نجاح جراحة دقيقة لإصلاح كسر بالرقبة في مستشفى تمى الأمديد    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب في سيارة تحمل كرتون مضغوط بالمنوفية    تعليم قنا: استعدادات مكثفة للامتحانات وتجهيز قاعة أزمات بكل إدارة تعليمية    وزير دفاع باكستان: فرص اندلاع أعمال عدائية مع الهند لا تزال قائمة    حزب المؤتمر يبدأ استعداداته للاستحقاقات الانتخابية بتشكيل غرفة عمليات مركزية    أسرة عبد الحليم حافظ: العندليب لم يتزوج من سعاد حسني والجواب مكتوب بخط يدها    احتفال ثقافي شامل يجمع الإبداع والهوية في اليوم العالمي للتنوع    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    محافظ المنوفية يترأس اللجنة العليا للقيادات لاختيار مدير عام التعليم الفني    علاء عبد العال: بيراميدز فرط في الصدارة.. والأهلي الأقرب لحسم الدوري    أحكام الحج والعمرة (1).. علي جمعة يوضح شروط ووجوه أداء العمرة    محافظ القاهرة يكرم 40 طالبًا وطالبة الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقة الدينية    هل يجوز للمرأة الحج دون محرم؟.. أمين الفتوى يجيب    مستشار بمعهد الدراسات الإستراتيجية: موسكو بين ضغط العسكريين وتحذيرات الاقتصاد    أستاذة علوم سياسية: كلمة الرئيس السيسى ببغداد شاملة تتفق مع السياسة الخارجية المصرية    جهاز تنظيم الاتصالات يناقش أبرز تحديات المستخدمين في عصر الجيل الخامس    أنغام تتألق في "ليلة العمر" بالكويت وتستعد لحفل عالمي على مسرح "رويال ألبرت هول" بلندن    حكم قضائي بحبس صالح جمعة شهرا لعدم سداده نفقة طليقته    إغلاق ميناء الغردقة البحري بسبب سوء الأحوال الجوية    محافظة الجيزة تزيل 3 أدوار مخالفة فى عقار بحى العجوزة    وزير الدفاع الباكستاني: تلقّينا عرضًا هنديًّا للتفاوض حول كشمير والإرهاب.. ولا يمكن تجاهل الدور الدولي    اقرأ وتدبر    "جلسة جديدة".. بايرن ميونخ يكشف تطورات المفاوضات مع ساني    بدء التصويت في الانتخابات التشريعية بالبرتغال    محافظ المنوفية يتابع الموقف التنفيذى لمشروعات الخطة الاستثمارية 2025    رئيس جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية يتفقد سير امتحانات نهاية العام -صور    تواضع رغم النجاح| 4 أبراج لا تغريها الأضواء وتسعى للإنجاز بصمت    هل الكركم ضار بالكلى؟    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال المرحلة الأولى بنادي المنصورة الرياضي فرع جمصة    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    السلطات السعودية تحذر الحجاج من ظاهرة منتشرة تعيق حركة الطائفين والمصلين    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    مستشهدًا ب الأهلي.. خالد الغندور يطالب بتأجيل مباراة بيراميدز قبل نهائي أفريقيا    أشرف العربي: رغم التحسن الملموس في أداء التنمية في مصر إلا أنه لازال أقل من المأمول    موعد مباراة برشلونة ضد فياريال في الدوري الاسباني والقنوات الناقلة    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخى فارس الانفتاح الفكرى
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 05 - 2017

صحيح أن الدكتور طه حسين نشر فى صحيفة الجمهورية عام 1965، مقالاً بعنوان «سأظل حزينًا عليك طول العمر» ينعى تلميذه الدكتور محمد مندور،
الذى أصبح شيخ نقاد مصر لإسهاماته فى تأسيس الحركة النقدية المصرية المعاصرة، وصحيح أيضًا أن الدكتور طه حسين قد عدل للطالب محمد مندور عند التحاقه بالجامعة خياره، بأن يترك كلية الحقوق ليلتحق بكلية الآداب، فآثر الطالب الاستمساك بكليته والانتساب إلى كلية الآداب. ثم تخرج متفوقًا فيهما معًا، فاختارته الجامعة عضوًا ببعثتها فى الآداب إلى السربون؛ لكنه لم يستطع اجتياز الكشف الطبى لضعف نظره، وهو ما يعنى حرمانه من البعثة، فكان رهان الدكتور طه حسين فى تدخله لمصلحة المبعوث، هو الكشف عما يتلاشى أمامه ذلك الموقف الحدى القاطع، فذهب بنفسه إلى وزير المعارف، مصطحبًا بحثًا كان قد كتبه المبعوث، يكشف عن موهبة مؤكدة متهيئة للإنجاز المعرفي، فصدر قرار مجلس الوزراء بإعفائه من الكشف الطبي. لكن الصحيح كذلك أن الدكتور طه حسين تصدى لتلميذه فور عودته من بعثته بباريس عام 1939- دون حصوله على الدكتوراه- بعقاب مداهم ممتد، طارده ولم يتجاوزه حتى بعد حصوله على الدكتوراه؛ إذ غدا العقاب عنفًا عاريًا تجلى فى هيمنة استبدادية مطلقة، حرمته من استحقاقات مستقبله؛ إذ عندما حصل على الدكتوراه وطالب بتعيينه مدرسًا، رفض الدكتور طه حسين وأصر على الرفض عندئذ قدم الدكتور مندور استقالته من الجامعة عام 1944، وأصدر بعد ذلك كتابه «فى الميزان الجديد» يحمل اعترافه بفضل أستاذه د. طه حسين. ترى لماذا غابت العقلانية الناضجة والقادرة على فرض الحلول المتوافقة مع القيم الأخلاقية ومصالح أطرافها؟
بدأت علاقتى بشيخى الجليل د. محمد مندور عام 1958 طالبًا ثم معيدًا حتى رحيله، ومازال يعيش فى حياتي، بخصوصية شخصيته المفهومية المتألقة، التى تبدت فى إيمانه بانتصار الإنسان كحق فى ذاته، وأيضًا فى وساعة اقتداره الإنساني، الذى تجلى فى ثراء كيانه المعرفي؛ إذ كان يرى إننا «إذا أردنا أن نجدد حياتنا الروحية فلابد من أن نغير مقومات تلك الحياة واتجاهاتها وقيمها» ثم أيضًا لإصرار رفضه الاستبداد، وكذلك لإيمانه بتحقيق شروط الخير العام عدلاً، بضمان صلاحة الحياة العامة، وممارسة الحرية غير المهووسة، أى الحرية التى جرى تعقيلها حضاريًا فى التعامل مع الحدود، دون أن ز تتجاوز حدود المعقول والمشروع إلى الفوضى والتخريب والعدوان على حريات الآخرين فليس ثمة «حرية فردية مطلقة لإنسان يعيش فى مجتمع» وكان الراحل الجليل ينظر إلى مصر بوصفها المسار المستقبلى للأحداث، وأن التوتر بين الأهواء الفكرية هو محض توتر بين المؤسسات الاجتماعية المشحونة بالمعانى المتنافرة، إذ كان يتساءل: «فأى أمة لا يخلو ماضيها أو حاضرها من مواضع ضعف ومواضع قوة ؟ ومن الواجب إبراز الجميع ليكون فى إظهار الضعف حافز للكمال، وفى إظهار القوة داع للثقة» وأيضًا كان على يقين أن الروح الوطنية هى المادة الأساسية للتغيير الاجتماعى المنتظر، وأن المعنى الذى يتشكل به التغيير الاجتماعى ينمو من عمليات هذا التغيير نفسه، فإعلان المبادئ غير تفعيلها، حيث التفعيل يعنى اصطناع الظروف التى تضع المبادئ - كوصفات المستقبل- موضع التحقيق، استهدافًا إلى طرح وعى سياسى حديث على جماهير المصريين بشأن قضايا الوطن، يؤدى إلى استثارة اهتمام شعبى كثيف بتلك القضايا واستدامة هذا الاهتمام، لإقامة إصلاح اجتماعى يتسم بالجدارة والصلاحة، مرتكزًا إلى الدعم الشعبى الذى يؤدى إلى مزيد من الوحدة الوطنية؛ لذا يخاطب النقاد والكتاب قائلاً: «وكتابنا الأفاضل يعلمون حق العلم أن أول واجباتهم، هو أن يأخذوا أنفسهم بالجهد المتصل والمراقبة المستمرة، والقسوة اليقظة فى المقال وفى الكتاب؛ بل فى الحديث إلى الناس مجرد حديث يتبدد أنفاسًا، فالتفكير أمر شاق والتعبير عنه أشق» وكان شيخى الراحل يشدد كذلك على أن أقوى فاعلية للأدب والفن تتبدى فى اقتدارهما على دعم الوعى وتجدده، تطلعًا إلى الاستحقاق الإنساني؛ لذا يؤكد: «إننا لا نكتب لنسكب ما فى نفوسنا فى أنفس الغير؛ وإنما لنعين كل نفس على الوعى بمكنونها».
كان شيخ نقاد مصر الراحل مهمومًا بقضايا وطنه، مسكونًا بالسعى إلى تحقيق استحقاقات العدالة الاجتماعية، من خلال صلاحة الحياة العامة، واقتدار مجتمع سياسى على إفراز نخبة متفكرة بالشأن العام، تستبق كل طرح للتغيير بالفهم والتحليل، وفى عام 1945 التحق د. مندور بحزب الوفد، وتولى إدارة صحيفة «الوفد المصري» وكانت أولى المعارك التى خاضها بعنف وجرأة دون أن يهاب عقابًا، تجلت فى تصديه لصحيفة «أخبار اليوم» فى دفاعها عن سياسات الملك فاروق، ثم ما أسرع ما تحولت صحيفة ز الوفد المصريس تحت قيادته إلى «سوط عذاب على الإنجليز والسراى وأذنابهما من الأقليات التى لم يكن لها هم سوى التربص للحكم ومغانمه» لحرمان المصريين من دولتهم؛ بل حرمانهم من وجودهم باستباحة أفكارهم وعقائدهم وممتلكاتهم وحقوقهم الإنسانية، وذلك ما يتطلب أن تؤسس قاعدة جماهيرية تمتلك رؤية مستقبلية نقدية واعية، وقد تأسست عام 1946 «اللجنة الوطنية للعمال والطلبة» التى طرحت طريقًا جديدًا فى ممارستها السياسية، دفاعًا عن الوطن، وكان وعى د. محمد مندور الراصد لأهمية هذه اللجنة فى تكوينها ودورها وهدفها المنشود سياسيًا، هو ما دفعه إلى الاحتفاء بها بوصفها «مرحلة نضج فى التفكير السياسي، إذ رأينا جموع الشباب من طلبة وعمال، يقررون بأنفسهم خطوات الجهاد العملية وينفذونها، وتستجيب الأمة لنداءاتهم» وذلك ما يعنى تحقيق مبدأ تحول الشعب من رعايا للملك إلى مواطنين، يتدبرون شئونهم وفقًا لتصوراتهم التوافقية، فى مجتمع يتكون من بشر أحرار بالفطرة وليس بالاكتساب، لكن ما أسرع أن أصدر إسماعيل صدقى رئيس الوزراء قائمة اعتقالات، على رأسها د. محمد مندور، الذى رفض قبول رشوة تعيينه فى منصب سفير فى سويسرا، مقابل صمته. تعددت مرات سجنه لكنه قط لم يصمت عن مواصلة نضاله، ثم فى عام 1950 رشح نفسه للانتخابات التشريعية، وأصبح عضوًا فى البرلمان، ورئيسًا للجنة التعليمية، وفى السنة نفسها أصابه المرض فسافر إلى إنجلترا للعلاج، ثم عاد بعد شفائه إلى نشاطه فى البرلمان. إن الفترة التى بدأت عام 1944 وانتهت عام 1952 حققت له إمكان التمفصل بين ثقافته العقلانية وممارساته النضالية، ومنحته ملكة الإمساك بالحدين معًا. صحيح أنه واجه حالة من الاستبداد المرئى المعلن، وصحيح أنه تجاوزه بنبل ذاتي؛ لكن الصحيح كذلك أنه فى مجتمع تسوده الفوضى والاستبداد، لا حصانة للحقوق، عندئذ أدرك أنه لا إمكان للتغيير إلا من خلال صلاحة الحياة العامة، لذا ناضل دفاعًا عن الحرية، والتجدد، والعدالة، بوصفها منظومة الانفتاح الفكرى التى تنتج مجتمع الحوار، لا مجتمع التلقين، أو مجتمع الصمت. سلام عليك يا شيخى الجليل فى ذكرى رحيلك.
لمزيد من مقالات د. فوزى فهمى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.