على الرغم من باع الفرنسيين الطويل فى العمل والمشاركة السياسية، إلا أن الانتخابات الرئاسية التى ستجرى بعد أيام تعكس بوضوح مراحل التخبط لدى الناخب هناك، فرغم وضوح برامج المرشحين وأيدلوجياتهم السياسية فإن الفترة التى سبقت الجولة الأولى من الانتخابات التى جرت فى الثالث والعشرين من ابريل المنصرم حملت العديد من المفاجآت، من أبرزها إعلان الرئيس الحالى فرانسوا أولاند نيته عدم الترشح لفترة رئاسية ثانية، وقد رجحت التحليلات – وقتها – الأسباب لإخفاقات داخل حزب اليسار المنتمى إليه الرئيس أولاند، أو لرفض المواطن الفرنسى لمنهجية العمل للحزب سواء السياسى والاجتماعي. وبين الثنائى القطبى (اليمين واليسار) والذى تصب فى مصلحته الانتخابات الرئاسية والتشريعية دائماً، يرى المحللون أن المواطن الفرنسى قد سئم الوعود الزائفة لليمين وإخفاقات اليسار والتطرف فى أفكارهم فى أوقات كثيرة. الأمر الذى عزز من ظهور الشاب «إيمانويل ماكرون» البالغ من العمر 39 عاماً على الساحة السياسية وهو لاينتمى الى التيار اليمينى أو اليساري، ولكنه أسس حركة جديدة بإسم ( الى الأمام)، ليدخل بذلك سباق الرئاسة، «الأهرام» التقت «تيبو فاك» المتحدث الرسمى بإسم حملة المرشح «ماكرون»فى القاهرة فى ندوة دعت إليها وأدارتها البروفسور حنان منيب الأستاذ بجامعة السوربون فى فرنسا وضمت عدداً من الكتاب والأكاديميين والصحفيين، للتعرف على سياسة المرشح المحتمل تجاه الوطن العربى عامة ومصر خاصةً. قال «تيبو فاك» إن ظهور ماكرون على الساحة الفرنسية نتاج عدد من الانقسامات بين الأحزاب السياسية هناك، موضحاً أن الحركة التى أسسها «ماكرون» جاءت لتسد الفراغ الذى تركه عدم وجود أحزاب سياسية قادرة على التواصل مع الشعب الفرنسى بصورة حقيقية خاصة مع وجود اختلافات وانقسامات بداخلها. وفى إطار استعراض الموقف على الساحة الفرنسية قال «فاك» إنه فى حال فوز «ماكرون» فسيعمل على تقوية العلاقات مع مصر فى مختلف المجالات خاصة فى حربها ضد الإرهاب، مشيراً فى الوقت ذاته الى العلاقات الطبيعية التى تربط بفرنسا مع الدولة الروسية، كما سيسعى «ماكرون» لإيجاد حل سياسى فى سوريا كى ما يتمكن الشعب السورى من تحديد مصيره. وحول الهجمات الإرهابية التى تعرضت بلاده اليها والإستراتيجية التى سينتهجها إيمانويل ماكرون فى هذا الشأن قال «تيبو فاك» أن قضية الإرهاب هى أزمة عالمية نواجهها جميعاَ، وأن الإسلام فى حقيقة الأمر ليس له علاقة بالإرهاب مطلقاً، وقد عانينا منه فى فرنسا وعدد من الدول الأوروبية، وعلينا جميعا أن نتكاتف فى المرحلة المقبلة لمحاربته، ما سيفعله إيمانويل ماكرون هو تحمل المسئولية فى محاربة الإرهاب بالتعاون مع باقى الدول، لأن التطرف لن يستمر فى العالم، فأغلب الناس تدرك أن الإرهاب ليس متعلقا بدين واحد، وهو ما يسعى إليه ماكرون فى برنامجه الانتخابى من توفير مناخ اجتماعى وتعليمى يضمن الحد من تلك الظواهر الاجتماعية المتطرفة، بالإضافة الى تقوية العلاقات العسكرية والاستخباراتية مع عدد من دول المنطقة العربية وعلى رأسها مصر. فنحن نعلم أن العلاقات بين فرنسا ومصر قوية للغاية وسنسعى لإستمرار متانة العلاقات فى مختلف المجالات. اليمين وتخوفات المسلمين: ما يحدث الآن فى انتخابات الرئاسة يعيد للأزذهان تجربة الفرنسيين مع اليمين المتطرف فى إنتخابات العام 2002 ما بين الرئيس الأسبق جاك شيراك وجان مارى لوبان، حيث فاز لوبان فى الجولة الانتخابية الأولى أيضاً، فحث شيراك الناخبين بألا يتكاسلوا فى الذهاب الى صناديق الاقتراع فنجاح جان مارى لوبان فى الجولة الأولى لم يكن انتصاراً لأفكاره اليمينية المتطرفة، إنما لحشد الأصوات بطرق مختلفه، بدليل نجاح شيراك فى الجولة الثانية بفارق كبير عن لوبان الأب، وهو الأمر الذى يطرحه المحللون من جديد فى ظل تصريحات المرشحة اليمينية مارين لوبان المثيرة للجدل حول طبيعة الشروط والضوابط التى ستفرضها على المهاجرين بصفة عامة والمسلمين بصفة خاصة. فحزب اليمين المتطرف الذى أسسه جان مارى لوبان فى عام 1972 كان يعزف – وقتها - على ظاهرة الإسلاموفوبيا ( التخوف من الدين الإسلامى )، وطرد المهاجرين خاصة المسلمين منهم، رغم أن أيدى الإرهاب لم تكن قد وصلت بعد الى القارة العجوز وبالتبعية للأراضى الفرنسية ولكن هذه هى الأفكار والنظريات التى أسس عليها الحزب آنذاك، وقد اضطر أن يتنازل عن زعامة الحزب لصالح ابنته التى سعت الى تحديثه، والغريب فى هذه الانتخابات أن هذا الفكر لا يقبله رجل الشارع الفرنسي، ورغم ذلك فازت مارين فى الجولة الأولي! المتحدث بإسم الحملة الانتخابية «لإمانويل ماكرون»عزا نسبة حصول مرشحه على 24% من أصوات الناخبين الى شعور الناخب الفرنسى بحالة الانقسام بين اليمين واليسار، وأن الوسط والتحرر هو الحل. وقال فاك إن «ماكرون» يدعم الفكر الليبرالى الحر خاصة فيما يتعلق بالقضايا الإقتصادية التى تواجهها بلاده، موضحاً فى ذلك أن فرنسا لا تعيش حالياً فى حالة الانفتاح الاقتصادى كالمملكة المتحدة.