كتب - هاني عسل: نظرة من قريب علي ملامح وجه الرئيس البرازيلي السابق لولا إيناسيو دا سيلفا, وسياساته أيضا, تجعلنا نوقن بأنه مر في حياته بتجربة الاعتقال.. أم التجارب في حياة الكثير من القادة والزعماء. وعلي الرغم من أن ملامح وجه خليفته وتلميذته الرئيسة الحالية ديلما روسيف, أول امرأة تتولي منصب الرئاسة في البرازيل, تبدو بعيدة عن هذا الإطار, فإن التاريخ يؤكد أنها مرت أيضا بتحربة الاعتقال, بل وتعرضت للسجن فترة أطول من معلمها الاشتراكي الكبير, لولا دا سيلفا! اشتهر لولا دا سيلفا بتاريخه النقابي النضالي العريق منذ سن الشباب, فهو من مواليد عام1945, ومع ذلك, فقد بدأت مشاركاته في الإضرابات والمظاهرات العمالية مبكرا, وفي عام1980, أي عندما كان عمره35 عاما, ألقي خطابا ملتهبا أمام حشد من العمال أثناء إضراب لمصانع ساو باولو متحديا سلطات الجيش الحاكمة آنذاك, والتي كانت تدير جميع شئون البلاد منذ الانقلاب العسكري عام1964, وبعد الخطاب مباشرة تعرض للاعتقال لمدة30 يوما, إلي أن أصدرت المحكمة العسكرية في العام التالي مباشرة حكما بسجنه لمدة ثلاث سنوات ونصف بتهمة التحريض علي الإضراب, ولكن تم إطلاق سراحه في عام1982, أي أنه لم يبق في المعتقل سوي أشهر معدودة. ومن خلال تجربة الاعتقال, ازدادت خبرات لولا دا سيلفا بالمشكلات العمالية وقضايا الفقراء, إلي أن قرر في عام1982 دخول معترك السياسة للمساهمة في إصلاح بلاده, وخاص انتخابات حكومة ساو باولو المحلية ولكن لم يحالفه الحظ, ومع ذلك استمر في نضاله, ونجح في عام1986 في الفوز بمقعد برلماني عن ولاية ساو باولو, ثم خاض انتخابات الرئاسة عام1989 وخسر فيها, وعاود المحاولة في انتخابات عامي1994 و1998 مستغلا دوره البارز في الإطاحة بالرئيس السابق فيرناندو ميلو, ولكنه خسر أيضا فيهما, ربما بسبب عدم تقبل الناس في البرازيل آنذاك لأفكاره الاشتراكية الثورية, ولكن مع استمرار تدهور أحوال البلاد الاقتصادية, عاود الكرة في انتخابات2002 وفاز بها, وبدأ بعدها علي الفور في حملته الشهيرة في القضاء علي الفقر بحلول2014, خاصة وأن البرازيل بها16 مليون فقير تقريبا, حيث نجح دا سيلفا من خلال فكرة الضرائب التصاعدية في توفير60 مليار دولار لانتشال الأسر الفقيرة والقضاء علي ظاهرة توريث الفقر, وهي الخطة التي أصبحت نموذجا يحتذي به في دول العالم النامي. وأعيد انتخاب دا سيلفا لولاية ثانية في عام2006, ونجحت سياساته بعد ذلك في إدخال بلاده إلي قائمة دول مجموعة العشرين ذات الاقتصاديات الصاعدة التي كانت المنقذ لدول مجموعة الثماني الصناعية الكبري في مواجهة الأزمة المالية العالمية, وباتت البرازيل صاحبة عاشر أقوي اقتصاد في العالم. أما ديلما روسيف التي تبلغ من العمر65 عاما, فكانت ناشطة يسارية في شبابها, وبحكم نشأتها في أسرة فقيرة يقودها أب من المهاجرين البلغاريين, فقد ناضلت ضد سياسات القمع التي عانت منها البرازيل في أغلب فترات النصف الأخير من القرن الماضي, وبسبب نشاطها السياسي ومشاركتها المستمرة في المظاهرات, تعرضت للاعتقال لمدة ثلاث سنوات, خاصة وأنها كانت ذات ميول اشتراكية متشددة وكانت تنتمي أيضا إلي حزب العمال الذي كان لولا دا سيلفا يعمل من خلاله, ولكنها كانت ذات ميول أكثر اعتدالا من باقي عناصر الحزب, ولم تسترد حريتها إلا عام.1972 ولم يكن السجن فقط هو الدرس الوحيد في حياتها, ولكن كان هناك ما هو أسوأ من ذلك, فقد عانت تلك المرأة الحديدية التي درست الاقتصاد من مرض السرطان الذي كاد أن يفتك بها لولا أنها عولجت منه, كما واجهت محنة الطلاق في مرتين. وبعد وصول رفيق الكفاح لولا دا سيلفا إلي السلطة كما سبق الذكر, استعان بها لتكون بالقرب منه ومن سياساته وأفكاره, فشغلت معه أكثر من منصب منها وزير الطاقة ووزيرة شئون الرئاسة عام2005, وبعد أن وثق فيها أستاذها لولا دا سيلفا, ونظرا للثقة العمياء التي أولاها البرازيليون لرئيسهم العجوز, فقد كافأه الشعب بالتصويت لصالحها في انتخابات الرئاسة عام2010 لتكون خليفة له ولسياساته ومبادئه. ويكاد تاريخ ديلما روسيف من المعتقل إلي الرئاسة يشبه أيضا نموذج رئيسة شيلي السابقة ميشيل باشيليت التي تعرضت للسجن والتعذيب في عهد الحكم العسكري لبلادها, وهو ما جعلها أي باشيليت- تركز في فترتها الرئاسية علي بناء مجتمع أكثر عدلا وتسامحا وبناء جسر بين الأغنياء والفقراء. وهكذا تعد أم التجارب أهم مواصفات الزعامة في أمريكا الجنوبية. [email protected]