«بابا السلام على أرض السلام»، هذا هو شعار الزيارة التاريخية التى سيقوم بها البابا فرنسيس الثانى بابا الفاتيكان نهاية الأسبوع الحالى لمصر، وتستمر يومين بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسى وفضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا تواضروس، التى تأتى ردًّا على زيارة الرئيس السيسى للفاتيكان فى نوفمبر 2014، أيضًا زيارة الإمام الأكبر فى مايو من العام الماضي، والبابا تواضروس فى يونيو 2013. تأتى هذه الزيارة دعمًا لمصر فى حربها ضد الإرهاب، وفى أعقاب الأعمال الإرهابية التى وقعت مؤخرًا فى طنطاوالإسكندرية، حيث أصر البابا فرنسيس على القيام برحلته إلى مصر فى الوقت المحدد لها دون أى تأجيل. مصر والفاتيكان تحتفظان بعلاقات وديَّة ومستقرة فى مختلف وجهات النظر منذ بدء تبادل العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين فى 23 مايو 1947.حيث يوجد اتفاق عام فى سياسة الدولتين تجاه قضايا أساسية، وعلى رأسها عملية السلام فى الشرق الأوسط والتوصل إلى حل نهائى بشأن وضعية القدس، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وتعضيد الحوار بين الأديان (الإسلامى المسيحي)، والحفاظ على الترابط الأسري، وتحريم الإجهاض والمحافظة على البيئة، ومكافحة الإرهاب. وتعد هذه الزيارة هى الثانية من نوعها لأحد باباوات الفاتيكان لمصر، بعد زيارة البابا الراحل «يوحنا بولس الثاني» إلى مصر فى 24 فبراير عام 2000، والتى كانت الزيارة الأولى لأكبر قيادة دينية مسيحية فى العالم لمصر، مما أكسبها بعدًا تاريخيًّا، فضلًا عن الترحيب والتقدير العميق الذى لاقته الزيارة من مختلف أوساط المجتمع المصري، حيث التقى خلالها البابا الراحل الرئيس الأسبق مبارك إلى جانب لقاءين مهمين مع كل من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وقداسة البابا الراحل شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ليؤكد البابا بذلك أهمية الحوار بين مختلف الأديان من جهة، وأهمية التواصل مع الطوائف المسيحية من جهة أخرى . وفى الإطار ذاته كانت هناك زيارتان لرؤساء مصر للفاتيكان، الأولى كانت مارس2006، والتى قام بها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والتقى خلالها البابا بنديكت السادس عشر والذى استقال من منصبه لظروف صحية فى نهاية 2013، والثانية فى نوفمبر 2014 وقام بها الرئيس السيسى فى بدايات جولاته الخارجية عقب انتخابه رئيسًا للبلاد والتقى والبابا فرنسيس الثاني. وعبر رحلة من العلاقات بين مصر والفاتيكان تقترب من السبعين عامًا، شملت العديد من مجالات التعاون المشترك.ففى مجال العلاقات التعليمية يخصص الفاتيكان عددًا من المنح الدراسية للطلاب الذين توفدهم الكنيسة الكاثوليكية بمصر بغرض دراسة العلوم الدينية والفلسفية والقانون الكنسى بجامعات ومعاهد الفاتيكان المتخصصة.أمافى مجال العلاقات الثقافية وهى الأوسع، يثمن الفاتيكان الدور الذى تلعبه مصر فى مجال الحوار الإسلامى المسيحي، كما يعتبرها ركيزة أساسية على هذا الصعيد بالنظر إلى مكانتها التاريخية فى العالم الإسلامى من جانب، ولاحتضانها الأزهر الشريف على أراضيها من جانب آخر. حيث يوجد تنسيق قائم بين الدولتين على الصعيد الدينى من خلال اللجنة المشتركة للحوار بين الأزهر الشريف والمجلس البابوى للحوار بين الأديان والتى تم التوقيع على إنشائها فى 28 مايو 1998 بالفاتيكان. وعقدت العديد من اللقاءات كان أولها اللقاء الذى عقد بمشيخة الأزهر الشريف يومى 23 و24 فبراير 2010، برئاسة كل من فضيلة الدكتور «محمد عبد العزيز واصل» وكيل الأزهر ورئيس لجنة الحوار، حينئذ، والكاردينال «جان لوى توران» رئيس المجلس البابوى للحوار بين الأديان، فى هذا الوقت، حيث تناول المشاركون تنامى ظاهرة العنف الديني، وكيفية مكافحتها.واستمر الحوار عدة سنوات إلى أن توقف فى عام 2006، ثم عادت على فترات، إلى أن عادت بصورة كاملة بعد لقاء الإمام الأكبروالبابا فرنسيس فى مايو الماضي. ويؤكد الفاتيكان فى علاقاته مع العالم الإسلامى التزامه بتطبيق مبادئ المجمع الفاتيكانى الثانى الذى دعت إلى تدعيم أسس الحوار مع الكنائس غير الكاثوليكية، والانفتاح على الأديان الأخري، مؤكدًا عزمه على مواصلة الحوار الذى بدأه البابا يوحنا بولس الثانى مع أتباع تلك الديانات. ويرتكز تعامل الفاتيكان مع الشأن الإسلامى على مبدأين أساسيين هما: المعاملة بالمثل والاحترام المتبادل، ويحرص الفاتيكان على تأكيد أهمية احترام الحريات الدينية، وإعطاء المسيحيين فى الشرق نفس الحقوق التى يتمتع بها المسلمون فى الغرب، لاسيما فيما يتعلق بحرية ممارسة العبادات والشعائر الدينية فى العلن، وإقامة الكنائس. لا شك أن زيارة بابا الفاتيكان لمصر تعطى بعدًا جديدًا للعلاقات المصرية الأوروبية، وتؤكد أهمية وقوف العالم خلف مصر فى الحرب التى تخوضها ضد الإرهاب، حماية لها ولدول العالم أجمع. لمزيد من مقالات نبيل نجيب سلامة