انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من الهجمات الإرهابية التي يطلق عليها هجمات «الذئاب المنفردة» أي تلك التي ينفذها أشخاص ليست لهم صلات فعلية ورسمية بتنظيمات إرهابية محددة بل إنهم اشخاص يعتنقون الفكر المتطرف ويبدون تعاطفا كبيرا مع توجهات وأفكار الجماعات الإرهابية. والحقيقة أن هذه النوعية من الأشخاص لا تقل خطورة على أمن الدول من داعش أو غيره من التنظيمات التي تخطط وتنفذ عناصرها هجمات بعينها في منطقة ما. فهؤلاء «الذئاب» من معتنقي الفكر المتطرف يمثلون قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت متى تختمر تلك الأفكار لتتحول إلى رغبة حقيقية في تطبيقها وتحويلها إلى أفعال إجرامية تودي بحياة مئات الأبرياء. ولقد تغلغل التطرف الديني في العديد من دول العالم التي لم تجد أمامها مفرا سوى ابتكار بعض الأساليب وفرض إجراءات لمواجهة الخطاب المتطرف الذي يشجع على الكراهية والعنف. ومن بين تلك الدول فرنسا التي شهدت في الفترة الأخيرة عدة هجمات دموية، فقد أعلن المجلس الإسلامي الفرنسي اعتماد ميثاق يلتزم به جميع الخطباء والأئمة في البلاد يطلق عليه «شرعة الإمام» . ويهدف هذا الميثاق إلى إعلان التزام أئمة فرنسا بإسلام وسطي وبالعهد الجمهوري. وفي كندا، أكدت الحكومة الكندية أنها اتخذت الإجراءات اللازمة لمواجهة خطر اعتناق موظفين في مطارات البلاد الفكر المتطرف. وذكر تحقيق أجرته صحيفة «مونتريال» أنه تم سحب بطاقات أربعة على الأقل من موظفي مطار مونتريال ممن يستطيعون دخول مناطق حساسة في المطار بسبب إبدائهم تعاطفاً مع تنظيم داعش الإرهابي. وفي الصين، بدأت السلطات حملة ضد التطرف الديني في منطقة شينجيانج الواقعة في أقصى غرب البلاد عبر سلسلة من الإجراءات التي تحدثت عنها وسائل إعلام غربية، ولم يتم التأكد من صحتها من مصادر صينية أو مستقلة، ومن بينها حظر اللحى ومنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة ومعاقبة من يمتنع عن مشاهدة التليفزيون الرسمي، كما سيكون لزاما على العاملين في الأماكن العامة مثل المحطات والمطارات منع النساء اللاتي يغطين أجسادهن بالكامل بما في ذلك وجوههن، من الدخول وإبلاغ الشرطة عنهن، حسبما ذكرت التقارير أيضا. كما سيحظر القانون أيضا عدم السماح للأولاد بالذهاب إلى مدارس عامة وعدم الالتزام بسياسات تنظيم الأسرة وتعمد إتلاف الوثائق القانونية وإطلاق اللحى بشكل غير عادي وإطلاق أسماء على الأولاد لإذكاء الحماس الديني. ويشار إلى أن إقليم شينجيانج تقطنه أغلبية من مسلمى «الأويجور» ذوي الأصول التركية، ويشهد هذا الاقليم اضطرابات كثيرة إذ تتهم الحكومة الصينية الأويجور بالرغبة في الانفصال عن الصين عبر ارتكاب أعمال عنف وتصرفات متعارضة مع دستور البلاد وقوانينها، والتطرف يأخذ منحنى أكثر خطورة وجدية في ألمانيا التي تشهد صعودا غير مسبوق للتيار السلفي هناك، فقد كشفت المخابرات الداخلية الألمانية أن عدد السلفيين في البلاد سجل ارتفاعا ملحوظا من 3800 عام 2011 إلى 10 آلاف عام 2017. وتقول مصادر أمنية إن غالبية السلفيين لا يشكلون خطرا ولا يمثلون إرهابا، لكن مع ذلك هناك أقلية تسعى لتحقيق فهمها للدين بالعنف، وأغلب من ضبطوا في الشبكات الإرهابية ينتمون إلى السلفيين. وحذر هانس جيورج ماسن رئيس هيئة المخابرات الداخلية في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية من أن المشهد السلفي في البلاد شهد تغيراً جذرياً خلال الفترة الأخيرة، قائلا إن »ما يبعث على القلق هو أن هذا المشهد لا يتوسع فحسب، بل بات يتشعب، كما أن الزعامة لم تعد تنحصر في مجموعة قليلة من الأشخاص، وإنما يوجد العديد من الأشخاص الذين يهيمنون على هذا المشهد، وأمام هذا المد السلفي تقوم الشرطة الألمانية بين الحين والآخر بمداهمة مساجد ومقرات جمعيات سلفية وبيوت مسئوليها وتعتقل المطلوبين منهم كما تغلق المكاتب والمقرات التي تعود إلى تلك الجمعيات التي يشتبه بقيامها بأنشطة غير قانونية مثل الحض على الكراهية والعنف. وفي النهاية لا تستطيع الدول الأوروبية أن تنكر فشلها الذريع في حماية أمنها من خطر المتطرفين والدليل على ذلك أن معظم المشتبه بهم في تنفذ عمليات إرهابية في أوروبا تبين فيما بعد أنهم معروفون لدى الشرطة بتوجهاتهم المتطرفة ورغم ذلك لم تستطع السلطات ردعهم عن القيام بأعمال إرهابية دامية. ولعل حقوق الإنسان هي حجة السلطات الأوروبية في عدم ضبط هؤلاء المتطرفين وتركهم يتجولون بحرية في البلاد، إلا أن كثرة الهجمات الإرهابية الأخيرة أثبتت لهم ضرورة التصدي للخطاب المتطرف قبل أن يعتنقه أحد الذئاب المنفردة ويقضي من خلاله على مئات الأرواح البريئة.