تعرف علي سعر الذهب اليوم الخميس 30-10- 2025    مجلس الأمن: ندين هجمات الدعم السريع على الفاشر وندعو لتنفيذ القرار 2736    لأول مرة في التاريخ .. منتخب التايكوندو يحقق المركز الخامس في الترتيب العام لبطولة العالم بالصين    تضع مولودها داخل سيارة إسعاف بالشرقية    المتحف المصري الكبير.. رسالة سلام من قلب مصر إلى العالم    خالد الجندي: افتتاح المتحف الكبير إنجاز عظيم للرئيس السيسي    بدء التوقيت الشتوى الليلة.. نصائح فعالة لضبط دورة نومك مع تغيير الساعة    واشنطن: الصين توافق على شراء 25 مليون طن متري من فول الصويا الأمريكي    الرئيس السيسي ونظيره الإريتري يؤكدان رفض أي محاولات لإنشاء كيانات موازية في السودان    300 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لدعم الشعب الفلسطيني بقطاع غزة    دار الإفتاء: توقف خدمة استقبال الجمهور السبت القادم    وزير الرياضة يصدر قراراً بتشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة شئون الإسماعيلي    اتحاد السلة يعلن جدول مباريات ربع نهائي دوري المرتبط «رجال»    مصر تطرح رؤيتها حول استخدام الذكاء الاصطناعي في أعمال المراجعة    اعرف موعد تغيير الساعة رسميًا وبدء العمل بالتوقيت الشتوي في مصر    بالأسماء.. إصابة طبيبة و4 ممرضين إثر سقوط سيارة في ترعة بالبحيرة    توقف عن استخدام ماكينات الصراف الآلي ATM وPOS والبطاقات الائتمانية في هذا التوقيت    ارتفاع أسعار الفول وتباين العدس في الأسواق    محافظ الغربية يرفع يوجه بسرعة تجهيز الشاشات في الميادين استعدادا لحفل افتتاح المتحف الكبير    الصحة تنظم احتفالية اليوم العالمي للسكتة الدماغية لرفع الوعي وتطوير مهارات الكوادر الطبية    طريقة عمل الكوردن بلو، أكلة سريعة التحضير وشهية    بعد مفاوضات علي ماهر.. الاتحاد الليبي يعلن مدربه الجديد    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    السيطرة على مشاجرة بين أشخاص داخل صيدلية بالشيخ زايد    محافظ القاهرة يصدر حركة تنقلات بين رؤساء الأحياء    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    «ابن أمه ميتعاشرش».. 4 أبراج رجالهم لا يتخلون عن والدتهم رغم كبرهم    قافلة بين سينمائيات تطلق ورشة الفيلم التسجيلي الإبداعي 2026 لتأهيل جيل جديد من المخرجات    مستقبل وطن يواصل مؤتمراته الجماهيرية لدعم مرشحيه وحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    سعر الليرة السورية مقابل الدولار بمنتصف تعاملات الخميس    مصر تستضيف الاجتماع الثاني للجنة رؤساء سلطات المنافسة لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    جيل بعد جيل على كرسى رئيس التحرير    أحمد موسى يتقدم ببلاغات للنائب العام ضد صفحات نشرت تصريحات مفبركة باسمه    رئيس مجلس إدارة جهاز تنمية التجارة الداخلية الجديد يبدأ مهام عمله    شوبير يكشف آخر تطورات حالة إمام عاشور ومشاركته في السوبر المحلي    المشدد من 3 إلى 15 سنة ل4 متهمين بحيازة أسلحة نارية وذخائر بشبرا الخيمة    إقالة مديرة مدرسة في بنها بعد مشادة بين معلمين    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    هالة صدقي تحتفل باقتراب افتتاح المتحف المصري: افرحوا يا مصريين بهذا الإنجاز العالمي (فيديو)    وزيرة التضامن تشهد احتفالية الأب القدوة.. وتكرم شخصيات ملهمة    مدحت شلبي: محمد عبد المنعم يرفض العودة إلى الأهلي ويفضل الاستمرار في أوروبا    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    هل يتنافى تنظيم النسل أو تتعارض الدعوة إليه مع التوكل على الله وضمان الرزق للخلق؟    «بالزي الفرعوني وأعلام مصر» .. مدارس الإسكندرية تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير في طابور الصباح (صور)    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    هل يحق للزوج منع زوجته من العمل بعد الزواج؟.. أمين الفتوى يجيب    أسعار النفط تسجل 64.52 دولار لخام برنت و60.11 دولار للخام الأمريكى    توفيق عكاشة: السادات أفشل كل محاولات إشعال الحرب في السودان    طابور الصباح فى الشرقية يحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. فيديو    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    دوري أبطال أفريقيا.. كواليس جلسة رئيس بيراميدز مع اللاعبين قبل مواجهة التأمين الإثيوبي    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    ترامب: كوريا الجنوبية ستدفع 350 مليار دولار مقابل خفض الرسوم الجمركية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية.. الفكرة العامة للوجود فى المجتمع
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 04 - 2017

1 الفكرة العامة للوجود: بجانب ملايين الأفكار الصغيرة المتداولة بين الناس، توجد فكرة عامة سائدة للوجود أو للكون، تحدد هوية هذا المجتمع. وإذا أردنا أن نحدد النظرة العامة للوجود السائدة فى مصر، أمكن القول إنها نظرة تؤمن بوجود الله، وبالعدل المطلق، والرسالات السماوية، وتؤمن بوجود أخلاق طبيعية مطلقة، وتؤمن بقوة العقل الإنساني، وقدرته على اكتشاف المبادئ السامية للأخلاق. ويوجد لدى الناس فى مصر إحساس عام بالتقارب بين المبادئ الأخلاقية فى الديانات السماوية المختلفة، وإحساس عام بالتقارب بين ما تقضى به هذه المبادئ وبين ما يقضى به العقل.
2- المبادئ العامة للقانون: ليست قواعد قانونية بالمعنى الفنى المقصود بكلمة قاعدة قانونية، وإنما هى أفكار جوهرية يمكن استنباطها من الفكرة العامة للوجود السائدة فى المجتمع، كما يمكن كذلك استقراؤها من القواعد القانونية الموجودة فى هذا المجتمع. والمبادئ العامة تكاد تقف فى مركز متوسط بين الفكرة العامة للوجود، وبين القواعد الوضعية المعمول بها فى مجتمع معين، فالمبادئ العامة تعبر تعبيرا كليا عن الفكرة العامة للوجود، ثم تأتى القواعد القانونية فتعبر تعبيراً جزئياً عن الأفكار التى تضمنتها المبادئ الأساسية المذكورة.
والمبادئ العامة للقانون المعترف بها فى مصر، هى مبادئ حقوق الإنسان، والمبادئ العامة الكلية للشريعة الإسلامية. وحقوق الإنسان، هى الحقوق التى لا يجوز التنازل عنها فى أى عقد اجتماعى وإلا أصبح هذا العقد باطلاً حسب فلاسفة العقد الاجتماعي. وهو عقد عقلى وليس عقدا إراديا. فهو مجرد تعبير جديد أو تبسيط لنظرية القانون الطبيعي. وحقوق الإنسان هى الحقوق التى سبق الاعتراف بها فى الإعلانات القديمة كالإعلان الانجليزى لسنة 1688 والإعلان الأمريكى لسنة 1776 والإعلان الفرنسى لسنة 1789 والإعلان العالمى لسنة 1948. وقد نصت على هذه الحقوق كل الدساتير المصرية منذ دستور 1923 إلى دستور 2014. وطبقاً لمبادئ حقوق الإنسان، المنصوص عليها فى كل الدساتير المصرية المتعاقبة، فإن مصر دولة مدنية تقوم على مبدأ سيادة القانون، وأن الأمة هى مصدر السلطات ، وأن السلطات تتعدد وتتوازن وتتعاون فيما بينها.
أما مبادئ الشريعة الإسلامية ، فهى المبادئ الكلية، التى لا خلاف عليها بين الفقهاء، وهى تكاد تطابق فكرة العدل. ونؤكد ما ذكرناه من قبل من أن مبادئ حقوق الإنسان، والمبادئ العامة الكلية للشريعة الإسلامية، ليست من مصادر القانون، ولا تنشئ بذاتها قواعد قانونية وضعية. وإنما هى أفكار جوهرية تستلهمها المصادر المختلفة للقانون كالتشريع وغيره. وهى دائماً مصادر بشرية وضعية.
3- الدولة المدنية أهم مقومات الهوية المصرية: المعيار الأساسى للدولة المدنية، هو أن الأمة مصدر السلطات، وأن الدولة تقوم على مبدأ سيادة القانون، وأن القانون هو دائماً عمل بشرى وضعي، حتى ولو كان يستلهم أفكاراً جوهرية غير وضعية، مثل مبادئ القانون الطبيعي، أو مبادئ حقوق الإنسان، أو المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية.
4- اصطلاح الدولة المدنية أعم وأشمل من اصطلاح الدولة العلمانية: هى دولة علمانية ديمقراطية. فهى ليست دولة شمولية دينية، وليست دولة شمولية نازية أو فاشية أو شيوعية أو عسكرية أو بوليسية. واصطلاح الدولة العلمانية هو اصطلاح قانونى دستورى تنص عليه العديد من دساتير العالم، مثل الدستور الفرنسى بل دستور الكونغو أيضا. ومن المؤكد أن هذا الاصطلاح أصبح مكروهاً فى دول أخرى كثيرة منها مصر، بعد أن أهال عليه المتشددون الدينيون التراب، واعتبروه مرادفاً للكفر والإلحاد. لذلك يظن البعض أن اصطلاح الدولة المدنية، هو اصطلاح مخفف مقبول، يمكن أن يحل محل اصطلاح الدولة العلمانية، ويؤدى نفس الغرض المطلوب، وهو الفصل بين الدين والسياسة. ومع ذلك فنحن نرى أن اصطلاح الدولة المدنية أعم وأشمل من اصطلاح الدولة العلمانية. فهو يؤدى إلى الدولة العلمانية فى مواجهة الدولة الدينية، ولكنه بالإضافة إلى ذلك فهو يؤدى إلى الدولة الديمقراطية فى مواجهة الدولة الشمولية غير الدينية.
ويعتقد دعاة الثقافة والتنوير فى مصر، أن الدولة الدينية هى الخطر الأهم الأولى بتوجيه الأنظار إليه. ولهؤلاء كل الحق، لأن الدولة الدينية هى أيضاً دولة شمولية، وهى شمولية تطل علينا برأسها، وتتحين الفرصة للانقضاض والسيطرة. أما الأنواع الأخرى من الشمولية فقد عايشناها منذ نحو ستين عاماً، وبدأنا نتخفف منها، ونتخلص منها شيئاً فشيئاً، وأصبح الشعب يتحرك ويتمتع بقدر كبير من حرية الرأى فى الصحافة والإعلام والتظاهر. ويقول الجميع إن الشعب المصرى قد تغير، ولم يعد من الممكن كبت حريته أو تزييف إرادته مرة أخرى بعد ثورتى 25 يناير و 30 يونيو.
أما الخوف كله فقد أصبح منحصراً فى الشمولية الدينية، التى تمكنت من حكم مصر لمدة عام واحد فى غفلة من الزمن، وقضى عليها الشعب، فى ثورة لا مثيل لها فى التاريخ، على النحو الذى يعرفه الجميع، وكانت تخطط لاحتلال مصر لخمسمائة عام، أى لمدة تزيد على الاحتلال العثمانى لمصر.
5- دساتير الثورة أضعف جدا من دستور 1971 فى حظر الأحزاب الدينية: من المعروف أن الأحزاب الدينية، هى أحزاب سياسية تتاجر بالدين، وتتخذ منه شعاراً خادعاً لجذب البسطاء من المصريين المتدينين . وهى تخلط بين السياسة والدين، أى تخلط بين النسبى والمطلق، ولا تعترف فى قرارة نفسها بأن الأمة مصدر السلطات، حتى ولو شاركت مرحلياً فى الانتخابات والاستفتاءات . وهى ترفض القانون الوضعي، وترى أن الحاكمية لله أو من يمثل الله على الأرض... إلخ، وهى على استعداد للتلاعب بالألفاظ إذا كان ذلك يخدم أغراضها. ومن أشهر صور التلاعب بالألفاظ، التفرقة المزعومة بين المرجعية الدينية، والأساس الديني. فيقولون إن أحزابنا لا تقوم على أساس ديني، ولكن لها فقط مرجعية دينية. وحتى يقطع دستور 1971 طريق التلاعب بالألفاظ على هذا النحو، نصت المادة الخامسة منه، على أنه «لا يجوز قيام أحزاب دينية على أى مرجعية دينية أو أساس ديني».
وقد حرص واضعو الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 30 مارس 2011، بنية خبيثة، على الاستجابة إلى التلاعب بالألفاظ الذى دأبت عليه الأحزاب الدينية، فاستجابوا إلى هذه التفرقة الوهمية بين الأساس الدينى ، والمرجعية الدينية، وحذفوا من نص المادة الرابعة، من مشروع هذا الإعلان الدستوري، عبارة «المرجعية الدينية»، فخرج نص المادة الرابعة من هذا الإعلان، ليقرر أنه لا يجوز « قيام أحزاب سياسية على أساس ديني». وكأنهم يقولون لهذه الأحزاب، أنتم طلقاء وأحزابكم مشروعة، لأنها لا تقوم على أساس ديني، بل إن لها فقط مرجعية دينية، وهذا غير محظور.
وبالطبع لا يخفى على أحد، أنه لا فارق على الإطلاق بين اصطلاح الأساس الديني، واصطلاح المرجعية الدينية. ومع الأسف فقد تابع دستور 2014 فى المادة 74 منه، الإعلان الدستورى لسنة 2011، فى عدم الإشارة إلى حظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية. وهكذا تدعى هذه الأحزاب الآن، أنها غير محظورة. وهذه أكبر نقط الضعف فى الحياة السياسية فى مصر الآن، مما يهدد الهوية المصرية، ويفتح الباب واسعاً للتجارة بالدين.
6- وثائق وبيانات الأزهر تجديد حقيقى للفكر الديني: يجب أن نفرق بوضوح بين تجديد الخطاب الديني، وبين تنقية كتب التراث . فقد خلط الكثير من الكتاب بين الأمرين، وجعلوا التجديد الدينى مرادفاً لتنقية كتب التراث . وترتب على هذا الخلط توجيه حملة شديدة ضد الأزهر الشريف، لعدم قيامه حتى الآن بتنقية كتب التراث مما جاء فيها من عبارات وأقوال تستخدمها الجماعات الإرهابية، لتبرير جرائمها الخسيسة فى حق الإنسانية، مثل الذبح والحرق.. إلى غير ذلك من الأعمال الهمجية، التى يرفضها أى إنسان له عقل وله ضمير. وفى تقديرى أن محاولة تنقية كتب التراث نوع من العبث الذى لا يجوز. فكتب التراث جزء من التاريخ، ولا يجوز أبداً إعادة كتابة التاريخ . وكل محاولة لتغيير أو تجميل التاريخ، هى بكل بساطة ووضوح، تزوير لا يليق. ومن غير المقبول أن نطالب الأزهر بتزوير التاريخ، أو تزوير كتب التراث.
كما أن مناقشة الجماعات الإرهابية، فى تفسير بعض ما جاء فى كتب التراث هو نزول إليهم فى ملعبهم، ورفع غير مستحق لقيمتهم . فالعاقل لا يناقش الجاهل، فما بالك بالمجرم القاتل. والنصوص حمالة لأوجه، حتى فى المناقشة بين العقلاء أنفسهم . والدين يؤخذ فى مجموعه، وليس فى بعض نصوصه، كما قال الإمام محمد عبده. والأجدر بالاتباع هو ما يقوم به فعلاً الأزهر وكذلك دار الإفتاء، فى إصدار وثائق وبيانات، هى فى مجموعها، تجديد للخطاب الدينى، ونواة لفكر دينى جديد.
اقرأ أولاً وثيقة الأزهر الصادرة فى يونيو 2011، التى يقول فيها إن «المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع»، فقد أخذت وثيقة الأزهر بما قاله الدكتور السنهورى، بأن المقصود بالشريعة الإسلامية ليس الأحكام وإنما المبادئ، وليس فقط المبادئ، وإنما المبادئ الكلية، وهى المبادئ التى لا خلاف عليها بين الفقهاء . وانحازت وثيقة الأزهر، كذلك، لمبدأ الدولة المدنية، بقولها «بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب». وهى بهذا تنسف مبدأ الحاكمية، وأن الله هو الحاكم، وينوب عنه فى الحكم رجال الدين، أو أحدهم، وهو الفقيه أو الحاكم أو الخليفة . وكون الأمة مصدر السلطات هو معيار الدولة المدنية. ومن بيانات الأزهر ودار الإفتاء، الإدانة الشديدة، دون تحفظ، لجرائم القتل المرعبة، وسبى النساء، وبيعهن فى الأسواق، والإشادة بمبادئ الرحمة والسلام فى الإسلام، والمبادئ الإنسانية التى لا تقبل هذه الهمجية والبربرية.
والأزهر فى غير حاجة إلى تفسير بعض ما جاء فى كتب التراث، ويكفيه الرجوع إلى الآيات القرآنية، خاصة ما جاء منها فى الفترة المكية، عن حرية العقيدة، »فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر«، و»لا إكراه فى الدين«، و»لكم دينكم ولى دين«، و»جادلهم بالتى هى أحسن»، و«لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك».. والعالم كله يعيش الآن فى عصر حقوق الإنسان . والأزهر لا يكف أبداً عن التذكير بالمبادئ الإنسانية . فارحموا الأزهر ولا تظلموه، ولا تطلبوا منه تنقية كتب التراث وتزوير التاريخ. وأعتز شخصيا بأننى كنت أول الحاصلين على دبلوم الدراسات العليا فى الشريعة الإسلامية، من جامعة القاهرة، عام 1960. ودرست على أكبر أساتذة الشريعة، الشيخ فرج السنهورى، والشيخ على الخفيف، والشيخ محمد أبوزهرة، الذى كان يشرح لنا بعض أحكام المذهب الشيعى، فى محاولة للتقريب بين المذاهب. وبالتالى فأنا أعتز برجال الأزهر، ولا أريد أن يظلمهم أحد.
7- إصلاح الخطاب السياسى وليس الخطاب الديني: نحن لسنا فى حاجة إلى إصلاح الخطاب الديني، إذا نجحنا فعلاً ، فى كشف ألاعيب الأحزاب الدينية التى تخلط بين الدين والسياسة، وتتاجر بالدين من أجل السياسة. وكل خطاب فى الشأن العام هو خطاب سياسى حتى ولو رفع شعار الدين، بل حتى ولو رفع المصاحف فوق أسنة الرماح. فالدين حق يراد به باطل. وكل ما يجرى على الأرض بفعل البشر، أو قول البشر، هو عمل بشري، ولو زعموا أنه فعل الله وكلام الله.
ولا ينبغى على رجال الفكر أن يتخلوا عن مسئوليتهم ، بنقلها إلى رجال الدين، وإلزامهم بما لا يلزم، وإقحامهم فيما لا شأن لهم به. والأجدر برجال الدين فى هذه الحالة أن يردوا إلى رجال الفكر بضاعتهم. إن ما نحتاج إليه فعلاً ليس هو إصلاح الخطاب الديني، وإنما هو إصلاح الخطاب السياسي. وكل ما يجرى على مسرح السياسة لا يحتاج إلى اجتهاد ديني، وإنما يحتاج إلى نضج سياسى وعقل راجح سليم. ويوجد بين مفكرينا من هو أكثر خطورة وتطرفاً وبعداً عن العقل السليم، من هؤلاء الصغار الذين يقومون بتفجير خطوط الكهرباء، وقتل الأبرياء، واغتيال رجال الشرطة والقضاء، وتفجير الكنائس . لقد استطاع أحد هؤلاء الكتاب المتطرفين، وهو كاتب معروف، أن يكتب فى مقاله الأسبوعى بجريدة كبرى، بتاريخ 12/10/2004، تعليقاً على جريمة طابا الإرهابية، التى قُتل فيها عدد من السياح الإسرائيليين، أن ما حدث «يشفى بعض ما فى صدورنا من غل». هذه هى الحقيقة، إن فى صدورهم غل. هذه كلمتهم قالوها عن أنفسهم بأفواههم. والغل نوع من العاطفة الإجرامية العنيفة، التى تعمى العقول والأبصار.
وخلاصة القول: إن الخطر الذى يهدد مصر، يأتيها من بعض أبنائها، الذين يتاجرون بالدين، والذين فى صدورهم غل. وهو غل متأصل منذ عشرات السنين، ومازال ينفث سمومه حتى الآن، فى كتابات هذا الكاتب نفسه وأمثاله، المنتشرين فى وسائل الإعلام ، وفوق المنابر، ومن خلال الأحزاب الدينية التى تدعى أن دستور 2014 يسمح بوجودها. ونأمل أن يكون حديث السيد رئيس الجمهورية عن مسئولية الإعلام وحديثه عن تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، بعد التفجيرات الإرهابية لكنيستى طنطا والإسكندرية فى 9 أبريل الماضى نقطة البداية لمواجهة أصحاب الفكر المتطرف، وهو فكر سياسى يتاجر بالدين، ويتلاعب بعواطف البسطاء. ومن غير المعقول أن نطالب الولايات المتحدة والعالم كله ، بإعلان الإخوان جماعة إرهابية ، ونحن نحتضن من هم مثلهم أو أسوأ منهم.
لمزيد من مقالات د.سميرتناغو;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.