رغم تسخير موارد الدولة علي مدار الشهور الماضية لدعم تعديلاته الدستورية، فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تأمين أغلبية مريحة لتوسيع صلاحياته في الحكم، بعد تأييد الأتراك تحويل النظام السياسي بالبلاد من البرلماني إلي الرئاسي بنسبة «50+1»، وسط شكوك دولية ومحلية بوجود مخالفات في تنظيم الاستفتاء الذي جري أمس، علي التعديلات التي أقرها البرلمان في يناير الماضي. وأعلنت وكالة الأناضول» التركية للأنباء أن نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية بلغت نحو 51،33٪ بعد فرز 98،79٪ من إجمالي الأصوات، فيما بلغت نسبة المعارضين نحو 48،67٪، في الاستفتاء الذي جري أمس علي توسيع صلاحيات الرئيس أردوغان. وذكرت الوكالة نقلا عن اللجنة العليا المنظمة للاستفتاء أن التصويت علي الاستفتاء شهد إقبالا كبيرا من المواطنين في جميع أنحاء البلاد، حيث بلغت نسبة التصويت نحو أكثر من 90٪، من إجمالي الناخبين الذين يحق لهم التصويت ويبلغ عددهم 55 مليون ناخب. وفي مفاجأة من العيار الثقيل، رفضت كل من العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول التعديلات الدستورية، حيث جاءت النتائج في أنقرة لصالح رافضي التعديلات بنسبة 51،21٪ مقابل 49،78 للمؤيدين، فيما رفض 51،93٪ في إسطنبول مقابل تأييد 49،07٪. كما رفض الأكراد في معقلهم بمدينة ديار بكر استفتاء أردوغان بنسبة 67٪ مقابل تأييد نحو 32٪، فيما جاءت النتائج أيضا في ماردين بنسبة 60٪ ل»لا» و40٪ ب»نعم»، وفي هكاري 70٪ «لا» و30٪ «نعم». وفي أول تعليق حكومي رسمي علي النتائج، قال فايسي كايناك نائب رئيس الوزراء التركي «لم نحصل علي النتائج التي كنا نتمناها، رغم أن نسبة الأصوات أعطت الأسبقية للمصوتين بنعم علي التعديل الدستوري». في السياق نفسه، شكك حزب الشعب الجمهوري المعارض في نزاهة الهيئة العليا المنظمة للاستفتاء، بعد قرارها بقبول احتساب الأظرف والصناديق الانتخابية غير المختومة بالأختام الرسمية ضمن الأصوات الصحيحة، مشيرا إلي أنه سيطعن في 37٪ من الأصوات. واتهم كمال كليتش دار أوغلو زعيم الحزب معسكر «نعم» بالفشل في الإجابة علي السؤال حول ضرورة إجراء الاستفتاء، مؤكدا أن النتائج المعلنة دليل واضح علي الانقسام والخلاف داخل المجتمع التركي. وعلي صعيد متصل، ذكرت صحيفة «زمان» التركية أن تقارير رسمية صادرة عن مؤسسات دولية ومنظمات مجتمع مدني عالمية، تراقب الاستفتاء، أكدت وقوع مخالفات عديدة خلال عملية الاقتراع. وأضافت الصحيفة أن الحملات الدعائية لم تجر بشكل متساو وعادل، حيث سجلت وقائع تحطيم اللافتات الخاصة بحملات «لا»، والاعتداء علي موزعي البطاقات التعريفية للحملة بالضرب من قبل عناصر حزب العدالة والتنمية التابع للرئيس «أردوغان» في كثير من المدن. ونقلت الصحيفة عن أندريه هونجو البرلماني الألماني، الذي كان يراقب الاستفتاء نيابة عن مجلس أوروبا أنه تم منع فريقه من الدخول إلي مركز الاقتراع لمدة ساعتين، كما تم منعه من مراقبة فرز الأصوات. وكان هونجو جزءا من وفد قوي يضم 23 عضوا نشره مجلس أوروبا لمراقبة الانتخابات. وذلك بالإضافة إلي 40 مراقبا آخرين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتقدم المنظمتان نتائج عملهما اليوم الإثنين في أنقرة. كما نقلت «زمان» عن جودت كاياف أوغلو وكيل النائب العام في مدينة أنطاليا قوله إن من سيصوتون ب»لا» علي الاستفتاء سيحصلون علي المعاملة نفسها التي يلقاها أنصار حزب العمال الكردستاني الإرهابي، أي أنهم إرهابيون. ومن جانبها، ذكرت مجموعة «آي إتش دي» المحلية المعنية بحقوق الإنسان أن الاستفتاء قد شهد مخالفات انتخابية في خمس مقاطعات بالبلاد شرق وجنوب شرق تركيا. وأكدت في بيان لها أن مراقبي الانتخابات منعوا من دخول مراكز الاقتراع في مقاطعات آجري وإرضروم وأديامان- التي تضم غالبية سكانية كردية -وتم إجبار الناخبين علي الإدلاء بأصواتهم علنا. وفي غضون ذلك، ذكرت جريدة «إيه. بي. سي» التركية أن رئيس بلدية دوز كيشلا التابعة لمدينة موش الواقعة في جنوب شرق تركيا هدد من يصوتون ب»لا» بالاعتقال. ونقلت الصحيفة عن موظف في إحدي المدارس التي توجه المواطنون إليها للتصويت علي التعديلات الدستورية، فإن رئيس البلدية المحسوب علي حزب العدالة والتنمية، قال للناخبين إن «من سيصوتون ب(لا) سنتعتبرهم إرهابيي حركة الخدمة. وسيتعرضون للمصائب، حيث سيفصلون من وظائفهم ثم يعتقلون». وأكد موظف اللجنة الانتخابية أن المسئول قام بإجبار المواطنين علي التصويت ب»نعم» بشكل صريح وجماعي. جاء هذا في الوقت الذي شهدت فيه مدينة كوجالي شمال غرب تركيا أول واقعة تزوير في الأصوات في الساعات الأولي من يوم الاستفتاء، من خلال سيدة صوتت في صندوقين انتخابيين مختلفين. كما شهدت مدينة إسطنبول، انتشار اللوحات الدعائية لصالح نعم للدستور في أحد المقرات الانتخابية، بشكل مبالغ فيه أثار غضب المتواجدين. وفي حي أسكودار شوهد العديد من الصور الخاصة بليلة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، كمحاولة للتأثير علي الرأي العام. أما مدينة هكاري فقد تم تعيين جميع أعضاء لجنة الإشراف علي الصندوق الانتخابي رقم 212، من حزب العدالة والتنمية الحاكم. كما لقي 3أتراك مصرعهم في اشتباكات بين مؤيد معارض للاستفتاء في مدينة ديار بكر ذات الغالبية الكردية جنوب شرقي البلاد. وبحسب مقاطع فيديو نشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي، فإن معاقا من ذوي الاحتياجات الخاصة، اضطر لصعود السلالم زحفا في إحدي المدارس بمنطقة أيوب بإسطنبول، للإدلاء بصوته الانتخابي في الاستفتاء. واضطر المواطن الذي فقد قدميه الاثنتين لصعود السلالم زحفا إلي مقر اللجنة الانتخابية، بعدما وجد المصعد معطلا في المدرسة التي من المقرر أن يصوت فيها، وعندما اشتكي للمسئولين قالوا له «أذهب واحضر عامل الإصلاح». من ناحية أخري، ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» الأمريكية أنه لم يأت في تاريخ تركيا من حاول تقسيمها مثل أردوغان الذي خلق حالة من الاستقطاب غير مسبوقة من أجل توسيع صلاحياته. وأشارت إلي أنه مع صعوده من أصول متواضعة إلي توليه رئاسة الوزراء في 2003، خلق قاعدة من الأنصار إلا أنه أصبح محط كراهية آخرين يرون أنه ديكتاتور وجائع للسلطة ويرغب في محو الأسس العلمانية للدولة ويحاول أسلمة المجتمع.