ليس أسوأ من أن يتم وأد الفكرة في مهدها في غياب وازع من ضمير، بل الأكثر سوءا أن تنسب أفكار غيرك لنفسك، بعد أن يسمح لك شيطانك الرجيم بالسطو والسرقة لأفكاره، مستندا لمنصب رفيع تظنه يحميك، بينما أنت في الواقع تبدو كمن يتعلق بخيوط عنكبوت واهية سرعان ماتذرها ريح بسيطة فور هبوبها مع أول عاصفة. .....................................................................تلك هى حال شاب نحيل جدا، لايزيد عمره عن العشرين، ولايزن جسمه الدقيق أكثر من 60 كيلو مترا في الفراغ الفيزيائي، بينما هو في الواقع المدرك يملك عقلا يزن في رجاحته أثقال حجم الجبال الرواسى بقوة وعزيمة تضرب في عمق التربة المصرية، بحيث يبدو لك هذا العالم الشاب من أول وهلة وأنت تجلس إليه فيها مثل عصفور مهيض الجناح، وعلى ما تسكن ملامحه المصرية المنمنة من علامات السكينة والبراءة والهدوء، تبدو لمعة عيناه المتقدتان مثل بريق خاطف بفعل ما تعكس من ذكاء فطري يتسع لخارطة الكرة الأرضية بكاملها، تلمسه على الفور حين يغوص بك ومعك في بحار ومحيطات وخلجان أفكاره النيرة، وحتما ستبهرك فصاحة لسانه وبلاغة أسلوبه في العرض ودقته المتناهية في استخدام المصطلحات، وكأنك في محراب عالم أتته كل مواطن حكمة السنوات العجاف - على صغر سنه - عبر رحلة طويل من البحث والتأمل. إنه الشاب المصري «محمود الرامي» الطالب بأكاديمية «أخبار اليوم» ، والقادم من كوم حماده بمحافظة البحيرة حاملا بين جوانحه إصرارا وتحديا رغم ما واجهه من تحديات مصحوبة بتلال من الهموم والإحباطات الجسام التي تقوى على كسر عزيمة الكبار، وهو لم يزل بعد برعما أخضرا صغيرا نبت لتوه في ريف مصر، وألقى على عاتقه مسئولية تطوير التعليم في مصر. صدق أو لا تصدق إنه يحمل مشروعا طموحا يمكننا من إنقاذ التعليم في بلده من كبوته الحالية، ليحلق به في آفاق عصر العلم والتكنولوجيا بخطى ثابته تضمن التقدم والتطور والنمو، التنمية بخيط رفيع من الأمل، بعدما قرر أن يجيب على عدة تساؤلات تشغل تفكيره هو وابناء جيله وهى: لماذا يلجأ الطالب إلى الدروس الخصوصية؟ ماهى أسباب فشل الإدارة المدرسية؟ كيف نقضي على الكثافة الطلابية؟ كيف نمنع الطلاب من حفظ المناهج؟ كيف نحد من الفجوة الموجودة بين الدراسة ومتطلبات سوق العمل؟ سألته كيف جاءتك تلك الفكرة وأنت لم تزل في هذه السن الصغيرة؟ أسند ظهره بخفة ورشاقة للوراء، ورغم ما ألمحه من قشعريرة خجل ما انتابته من جلال الموقف، إلا إنه يجيب بثقة وحماس: بصفتي واحد من أبناء الريف المصري الذي لم تتحه له فرصة التعليم على نحو جيد مثل تلاميذ المدن الكبيرة، فقد شغلتني تلك القضية من عمر السادس عشر، بل إن شبح القصور في العملية التعليمية في الريف ظل يطاردني إلى أن التحقت بمدرسة ناصر الثانوية بكوم حمادة بالبحيرة، حتى تبلورت لي الفكرة بشكل أعمق في عام 2013 ، كنت حينها بالصف الأول الثانوي، ومثل كثير من طلاب الثانوي عانيت من سوء تنظيم العملية التعليمية بالمدرسة، ما كان يشغل تفكيري طوال ساعات الدراسة التي لاحظت من خلالها ضياع الوقت والجهد وعدم ابتكارية الأساليب التي تنهض بالتعليم عموما، وكنت دائم الشكوي لجميع المسئولين بالمدرسة ووصل صوتى للإدارة التعليمية والمديرية. وبنبرة أكثر ثقة يضيف: كانت كل محاولاتي من مناقشات وصراخ مكتوم بداخلي دون جدوى، حتى جاء الإعلان عن مسابقة للموهوبين بالإدارة التعليمية كطوق نجاة، وعلى الفور شعرت ببدايات تجسيد حلمي على أرض الواقع، فقمت بتقديم أفكاري لتطوير التعليم في مصر للأستاذ محمد هيكل المشرف علي قسم الموهوبين بالإدارة، وذلك من خلال مسابقة للعلوم والهندسة بالإسكندرية تقيمها شركة عالمية متخصصة في مجال معالجات الكمبيوتر « «intelوالتي تعنى بإبراز قدرات الطلاب المبتكرين ورعايتهم من قبل الدولة، حيث كان يشرف علي المشروع أساتذة جامعات ، وكان من حسن حظي أن فزت بالمركز الأول عن مشروعى في تطوير التعليم، وتم تصعيده علي مستوي الجمهورية ضمن عدة أفكار أخري، وطلب وكيل وزارة التربية والتعليم بالبحيرة نسخة من المشروع في 2014 ، وفي شهر مارس 2015 كان المشروع في الوزارة وتحدثت عنه الكثير من وسائل الإعلام المختلفة. بعدها قضيت عام 2015 بكامله في إجراء حوارات صحفية وتليفزيونية لعرض أفكار مشروعي الذي أطلقت عليه «تطوير التعليم بملاليم» إلى أن التقيت وزير القوى العاملة السابق «كمال أبو عيطة» بإحدى البرامج التليفزيونية وفور قراءته السريعة للمشروع فوجئت به يصحبني معه إلى داخل الاستديو ليختصني بجزء من فقرته إلا أن فريق إعداد البرنامج منعني من الدخول معه، إلا أن «أبو عيطة» خرج على الهواء مباشرة رافعا أوراق المشروع قائلا : «هذا المشروع للشاب محمود الرامي كان أولى منى بهذه الحلقة ، لأن كلامه أفيد للبلد من أي كلام آخر، ومحمود ينفع مسئول أحسن مني»، الأمر الذي جعل مقدم البرنامج يحرص على القراءة بتأني ، حتى إنه داعبني قائلا « دول شوية خواطر ولا مشروع» فرددت عليه في التو « خواطر ايه يا أستاذ ده مشروع عمرى»! لكن ماهى بنود هذا المشروع الطموح؟ يستعرض الرامي مشروعه في صورة مختصرة قائلا : تأتي أهم بنود المشروع التي تقدم به الطالب وهو محورين أولهما «سلبيات النظام التعليمي الحالي»، وتنقسم إلي خمس بنود على النحو التالي: المعلم المُبدِع = المعلم غير المُبدِع يتساوى المعلم في نهاية الشهر من حيث المرتب مع المعلم الغير مهتم بالعملية التعليمية وبتطوير نفسه - على نقيض المُعلم المُبدع - وهذا منتهى الظلم والإجحاف للمعلم المُبدِع ؛ ولذلك أصبحت الأغلبية المطلقة من المعلمين غير مُبدعين في أدائهم وتواصلهم مع الطلاب. المعلم الخبير = مدير مدرسة عندما يصل المعلم إلى درجة متقدمة في سلمه الوظيفي وغالباً درجة « المعلم الخبير « فإنه يكون مرشحاً لأن يشغل وظيفة إدارية ( ناظر أو مدير مدرسة أو مدير إدارة تعليمية ) وهو ليس مؤهلاً لذلك ؛ لأن الإدارة علم وفن .. فما علاقة براعة معلم فى علم الجغرافيا مثلاً بأن يكون هو المرشح الأقوى ليكون مديراُ للمدرسة ! ؟، وفي معظم الأحيان يكون مدير المدرسة تجاوز الخمسين من عمره، وفي هذا العمر يكون أغلب المصريين مرضى بأمراض شتى كالسكر والضغط وعدم القدرة على المشي وبذل مجهود بشكل طبيعي ، علاوة على ضعف ملكة الابتكار والتجديد ؛ وبالتالي فإن مديري المدارس وفق النظام التعليمي الحالي ما هم إلا منفذين للقواعد واللوائح وغير مبدعين بالمرة وليس لديهم القدرة الصحية على متابعة ومراقبة سير العملية التعليمية ، هذا علاوة على أنهم غير مؤهلين أكاديمياً من الأساس لشغل المناصب الإدارية التي يُحضَر فيها ماجستير ودكتوراة في علم منفصل يسمى «علم الإدارة» ، مع العلم أن هناك كليات متخصصة فى تخريج علماء فى علم الإدراة لا يجدون عملاً نظراً لهذا الخلل مثل كلية التجاره. إهدار خبرة المعلم حيث يتم إعطاء عدداً كبيراً من الحصص على المعلمين حديثي العمل لكي يحتكوا أكثر بالطلاب ويكتسبوا الخبرة ، وعندما يكتسب المعلم هذه الخبرة ويكون معلم أول أو معلم خبير يتم تقليص عدد هذه الحصص أو إسناد منصب إداري إليه ، أى أنه بعدما تعلم واكتسب الخبرة وأصبح مؤهلاً يتم استبعاده من التدريس غياب التربية الاجتماعية أصبح دور الأخصائي الاجتماعي مقتصراً على إمضاء الأوراق ، أو إقامة ندوات صورية غير متناسبة مع قضايا العصر ، ويكون نصف وقت الندوة فى تعليم الطلاب كيف يعدون تقريراً مليئاً بإيجابيات الندوة ! ، هذا فضلاً عن الإنفصال التام عن كل التقدم الجارف الحادث في العلوم الإنسانية والسلوكية ، فلماذا لا نرى دورات عن فن مخاطبة الجمهور ؟ ، أو فن إدارة الأزمات ؟ ، أو فن الإقناع ؟ .. كل هذه الفنون الجذابة المفيدة التي تتناسب مع قضايا ومتطلبات الزمن الحالي لا نراها في مدارس النظام التعليمي الحالي. ظهور التعليم الموازي أصبح الطالب يختار معلمه الخاص بنفسه بالخارج في مراكز الدروس الخصوصية بعيداً عن المدرسة ، وأصبح يشتري كتبه الخارجية من المكتبات بالخارج بعيداً عن كتب الوزارة ، وأصبح الطالب مستغنياً تماماً عن كل الخدمات المقدمة له من وزارة التربية والتعليم ، مما يعني وجود تعليم موازي للتعليم الحكومي ، وأصبح ولي الأمر مجبراً على هذا التعليم الموازي وضخ معظم مرتبه في خزائن مراكز الدروس الخصوصية ، والدروس الخصوصية تجمع بين كونها عرضاً ومرضاً ؛ فهى عرض لأمراض المنظومة التعليمية. و يأتي المحور الثاني من البرنامج وهو النظام التعليمي الحديث وينقسم إلي عدة محاور على النحو التالي: المدرسة تعمل 12 شهراً و 12 ساعة حيث تعمل المدرسة من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً ، ولكن المعلم والطالب يأتيان في أوقات الحصص الدراسية فقط ، فمن الممكن أن يأتى من الثالثة عصراً حتى السادسة مساءً فقط وفقاً لجدوله الدراسى سواء المعلم أو الطالب ، وكذلك تعمل المدرسة طوال العام الميلادي ؛ وذلك للحد من ظاهرة الكثافة الطلابية في الفصول ، علاوة على إتاحة الوقت للطالب للدراسة كما يشاء توافقاً مع بند « إتاحة نظام دراسي مرن». إتاحة نظام دراسي مرن حيث أن الطالب من حقه دراسة أى عدد من المواد في مرحلته سواء كانت الإعدادية أو الثانوية في أي وقت يحدده ومن الممكن أن يدرس منهج الرياضيات للمرحلة كلها في شهر واحد أو فى سنة كاملة .. فينجز كما تؤهله قدراته الابداعبة والصحية والاجتماعية حق الطالب في اختيار معلمه هناك نوعين من المعلمين في أي مدرسة : معلم ( أ ) وهو معلم متطور في مادته ومُبدع في توصيل المعلومة ويتفنن في عرض المنهج بطريقة مبسطة وسلسلة ، ويتعامل مع الطلاب بشكل لائق ويتابعهم بشكل جيد ، معلم ( ب ) وهو معلم غير متطور في مادته ويكتفي بما درسه في كليته وغير مُبدع في الشرح والتفسير ، وليس لديه القدرة على تبسيط المعلومات للطلاب ، ويتعامل مع الطلاب بعنف جسدي أو لفظي ؛ وبالتالي فإننا نخلص الطلاب من المعلم ( ب ) ونجعلهم يتعلمون من المعلم المُبدع. ربط حوافز المعلم بعدد طلابه حيث يحصل كل المعلمين على مرتب ثابت ضيئل ، وعندما يسجل عند المعلم الطلاب فإنه يأخذ طلابه × س ) ، فالمعلم المُبدع ( أ ) سيسجل عنده عدد كبير من الطلاب وسوف يحصل على إجمالي مالي عالي ، أما المعلم الغير مُبدع ( ب ) فسيكون إجمالي دخله ضعيف ، وبالتالي يكون أمامه حل من حلين : إما أن يطور نفسه ليحصل على دخل أعلى .. إما أن يترك التعليم لغيره من المتطورين ، وفي الحالتين تحصل العملية التعليمية على معلمين على درجة عالية جداً من الكفاءة « فلترة أوتوماتيكية « الحضور اختياري للطلاب والمعلمين حيث أن الطالب مُخير في أيام حضوره فتتاح له الفرصة لأن يتعلم إلكترونياً أو يراجع بعض المواد في منزله أي أننا نُتيح له الفرصة للاستمتاع بكافة الوسائل والطرق التي تعينه على الدراسة ، فالطالب هو عماد العملية التعليمية وهو الشخص المحوري فى العملية التعليمية ، أما المعلمين فلو تغيبوا فهذا سيؤدى إلى انزعاج الطلاب التي تدرس لديهم ؛ مما سيؤدى إلى ترك الطلاب لهذا المعلم المُتغيب والدراسة عند معلم آخر مما يترتب عليه حصول المعلم المُتغيب على مرتب أقل أوتوماتيكيا. وبعد عرضه لمشروعه الطموح سألته : مشروعك على مايبدو وصل للوزارة ، فما حدث فيه بعد سنتين تقريبا ووصولا للحظة الراهنة؟ علامات الدهشة والحيرة ترتسم على وجه الشاب «محمود» الذي روى لي بنبرة حزن وأسى: استقبلت عام 2016 بهمة وعزيمة كبرى بعدما تلقيته من تشجيع ودعم من كافة شرائح المجتمع، ودعتني الثقة بالله أولا وبنفسي ثانية إلى تقديم المشروع لوزارة التعليم مرة ثانية وبشكل رسمي من خلال أحد الأقنية الروتينية - مكتب خدمة المواطنين – وسلمتهم بالفعل ستة نسخ مكتوبة ومدون عليها ملحوظة « تم تطبيق بعض بنود هذا المشروع في بعض المدراس من خلالكم « توارد أفكار»، لكن هذه العبارة على مايبدو - أقامت سورا عاليا بيني وبين لقاء الوزير، رغم أن الذين تسلموا الأوراق أشادوا بالمشروع وصفقوا لي على شباك المكتب، مؤكدين أن الوزير سيطلبك فور وصول الأوراق لمكتبه. وفي أعقاب ذلك أمضيت شهورا في إنهاء دراستى للشهادة الثانوية، وفور إعلان النتيجة فوجئت طلب نسخة من المشروع من الأستاذ محمود الشناوي مدير تحرير الوكالة، ليقدمها للدكتورة «عايدة نصيف» ليتم تقييمها من قبل أساتذة متخصصين بالجامعات المصرية، وبحث مدى إمكانية تقديمها في مؤتمر لإصلاح التعليم أقامته الوكالة في شهر يونيو 2016، في هذا الصدد، وبالفعل تم تحكيم المشروع وتقيمه وترشيحه بقوة لكونه قيمة مضافة وجيدة في اتجاه تطوير التعليم المصري، وشعرت بثقة أكبر عندما قمت بعرض مشروعي من خلال شاشة عرض كبرى ، حيث كنت أجلس على المنصة بجوار عمالقة وخبراء التعليم، وبعد العرض دخلت في مناقشة الدكتور الهلالي الشربيني وزير التعليم – آنذاك – والذي كان ضمن الحضور الفعلي في المؤتمر، وتجاذبنا أطراف الحديث بشكل فني حول بعض البنود، الأمر الذي سهل لي مهمة تقديم نسخة ثالثة ليد الوزير هذه المرة بعد أن طلبها بنفسه، ووعدني بأن يكون المشروع محل اهتمامه ورعايته شخصيا، وكنت أود وقتها أن أبلغه بالمصادفة السعيدة - توارد الخواطر- ولكني فضلت أن يكتشفها بنفسه عندما يطلع على المشروع كاملا هذه المرة، إن لم يكن قد اطلع عليها بالفعل من خلال النسخ الست التي سلمتها في الوزارة من قبل، أو ربما وصلته من خلال إحدى الصحف والمحطات الفضائية التي عرضت للمشروع، أو على أقل احتمال سلمه له الأستاذ «التداوى» إظهارا لمدى نجاح مديرية تعليم البحيرة في اكتشاف المواهب، وربما آخر الاحتمالات أن أحد مستشاريه قد وقعت عينيه عليه بالصدفة فقدمه له، خاصة وأنه سبق وقدمت المشروع في مسابقة «إنتل» كما هو مدون في كتيب صادر عن مكتبة الإسكندرية عام 2015 يوثق كافة الأبحاث الفائزة التي قدمت للمسابقة ضمن براءات الاختراع والمشاريع الخاصة بالتطوير والتنمية. المهم أنني كنت أتلقى التهاني خلال عام 2016 كاملا من بعض الأقارب والمعلمين الذين شاركوني تجارب البحث والدراسة بتطبيق الوزارة لمشروعي - هكذا كانوا يعتقدون – كما يبدو من التطابق الواضح بين بنود مشروعي وما يعلنه الوزير من تصريحات لكافة وسائل الإعلام، كنت سعيدا بهذه المصادفة - كما خيل لي – إلى أن تزامنت تلك الأفكار مع المؤتمر الأخير لتطوير التعليم بمدينة «مبارك التعليمية في 6 أكتوبر» في إطار ما سموه «حوار مجتمعي» كما نما لعلمي من خلال الأخبار المنشورة عن المؤتمر في الصحف، خاصة إنه لم يتم دعوتي إليه باعتباري صاحب المشروع الذي يعرضه الوزير، ثم كانت الصدمة الكبرى عندما جاء بإعلان الوزارة لبنود جديدة لتطوير التعليم سيتم تطبيقها، بعد صدور منشور رسمى للمدراس طبقا لمشروعى، لقد شعرت بخيبة الأمل واليأس كحال من يحضر «فرح وصاحبه غايب» نعم أنا صاحب هذا المشروع، وتلك هى أفكارى وخلاصة قريحتي التي ظلت متوقدة طوال ثلاثة سنوات من البحث والدراسة، ومستحيل أن تكون محض صدفة أو توارد أفكار كما ظننت بنيتي البريئة من قبل، خاصة عندما شاهدت الوزير يضع آخر قطعة «بازل» لتكتمل صورة المشروع على إنه من بنات أفكاره، دون أدني شعور بمسئولية الاستيلاء على فكر شاب مصري اجتهد وكافح حتى توصل لتلك الخطة التطويرية قبله، كما هو مثبت وواضح من خلال النسخ الثلاثة التي قدمت له، وناقشته بنفسي وأنا أقدم لها إحداها. ولا أريد هنا أن أتوقف طويلا إلى حقيقة مؤكدة بأن السرقات العلمية أصبحت آفة هذا العصر بامتياز!، فبحسب الدكتور إبراهيم أبو طاحون، أستاذ مساعد بقسم الآثار - كلية الآداب - جامعة حلوان تتعدد الآثار السلبية للسرقات العلمية داخل الجامعة، ولعل أبرز هذه الآثار قتل روح الإبداع والتنافس بين الباحثين الجادين، وإصابة الباحثين باليأس أو الإحباط طالما ظل السارقون فى مأمن من العقوبة، ناهيك عن القضاء على دور الجامعة ومهمتها فى تطوير المجتمع والنهوض به فى ظل أبحاث مسروقة ومكررة لا تقدم جديدا ولا تطرح فكرا مغايرا. لكن اللافت للنظر لتلك الحالة العبثية أنه في وقت أن يصر كثير من الباحثين على المطالبة بتطبيق قوانين حقوق الملكية من أجل احترام ملكيتهم الفكرية، إلا أن البعض يكتفي في إطار ما يسمى ب «مسرح اللامعقول» بكشف عملية السرقة والمطالبة باعتذار معنوي دون تحريك أي متابعة قضائية في الموضوع، وهم في ذلك يرجعون الأمر إلى منطق عجيب مؤداه : أن السرقات الأدبية والعلمية ليست ظاهرة حديثة الظهور كما قد يتبادر إلى الذهن، بل ألف العديد من العلماء القدامى مؤلفات في سرقات الشعراء والكتاب منذ عصر التدوين، وحفلت المؤلفات الأولى عن طبقات الشعراء والنقد الأدبي القديم، بالكثير من السجال حول هذا الموضوع الذي أطلقت حوله الكثير من المفاهيم النقدية مثل السرقة والاقتباس والتوارد والتضمين والتناص وغيرها، وذلك حسب أخذ الكتاب بعضهم من بعض، وقد عبر عن ذلك الشاعر العربي «كعب ابن زهير»بقوله: ما أَرانا نَقولُ إِلآ رَجيعاً *** وَمُعاداً مِن قَولِنا مَكرورا تبدو لي «قصة الرامي» هى واحدة من نوعية مسرح «دراما اللامعقول»، ومن ثم يمكن أن يضيع مشروع حلم شاب مصري على خشبة هذه الدراما الغارقة في العبثية والتي من أهم سماتها التي تميزها وجود اللغة التي لا توجد ثقة بمعانيها كوسيلة من وسائل الاتصال المتعارف عليها، بل تغدو أداة إصطلاحية أو تقليدية «كليشيه» نمطية لا معنى لها، فبالنظر للواقع المر الذي مرت به مراحل قصة «الرامي» نجد أن كل الكلمات فشلت فى التعبير عن جوهر تجربته أو خبرته كإنسان - جراء صغر سنه - ولم تعد قادرة على تخلل وراء كل ما هو سطحي، فالمسرح العبثي كما نعلم في جوهره يقدم هجوماً ضارياً على اللغة والتي يظهرها على أنها أداة لا يمكن الإعتماد عليها، وأنها غير كافية لإستخدامها كوسيلة من وسائل الإتصال. والآن وقبل أن يغرق «الرامي» في براثن دراما العبث التي تستخدم كلاماً إصطلاحياً (Conventionalized speech)، وشعارات ولغة فنية تكون مشوشة فى بعض الأحيان ومتضادة فى الأحيان الأخرى. وبتقديم السخرية فى الأنماط الكلامية الإصطلاحية، فإن المسرح العبثي يحاول أن يجعل الأشخاص على دراية بإمكانية الغوص فيما وراء الحديث اليومي ، خاصة إن ماتم اقترانه بالتواصل مع العديد من المحامين لرفع دعوي قضائية على الدكتور الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم والتعليم الفني والتقدم ببلاغ للنائب العام بتهمة سرقة أفكاره أو غيرها من قضايا للوزير الأسبق، لابد من الكف عن هذا الكلام الإصطلاحي بلغة المسرح، والذي من وظيفته أنه يعمل كحاجز بين النفس وبين الحقيقة التي يوجد عليها العالم ، ومن أجل الإتصال المباشر بالحقيقة الطبيعية فمن الضروري أن تهمل الإيماءات الكاذبة للغة الاصطلاحية، وذلك بالنظر بعين واعية إلى الواقع التعليمي المعاش وربطه بمشروع شاب، هو في الواقع عالم مصري صغير يستحق الرعاية والاهتمام. وترتيبا عليه: أناشد وزير التعليم المصري الجديد الدكتور طارق شوقي الذي أعرف وأدرك جيدا قيمته وقامته العلمية الرفيعة، وحماسه للشباب من أصحاب العقول النيرة أن ينظر بعين الاهتمام إلى مشروع «الرامي» الطموح، خاصة أنه يعكف حاليا على صناعة برنامج لتطوير المعلمين عن طريق نقاط حوافز تشبه ما تقدمه شركات الاتصالات المختلفة لعملائها، بحيث يحصل المعلم على نقاط مقابل الدورات التدريبية التي يدخلها ونقاط لمستوى طلابه، وغيرها من المقاييس، موضحًا أن راتب المدرس بهذه الطريقة قد يصل إلى 10 و 20 ألف جنيه في حال تقديمه ما يناسب هذا الراتب .. وتلك إحدى المحاور الجوهرية في صلب مشروع هذا الشاب المصري، لذا نرجو الاطلاع عليه والاهتمام به.