تلك هى كلمات وزير خارجية تايلاند»دون براموتويناي» إبان مقابلته لفضيلة مفتى جمهورية مصر العربية وهى كلمات معبرة تحمل فى طياتها استغاثة واستعانة بقوة مصر الناعمة التى حباها الله إياها. وقد عقد فضيلته جلسة مباحثات ثنائية مع وزير الخارجية التايلاندي، وذلك فى إطار زيارته الرسمية إلى بانكوك. إن مصرنا الغالية تضطلع بدورها-عبر منظومة مؤسساتها التاريخية الرائدة وقوة وسطيتها وهويتها المتميزة- فى مواجهة قوى الإرهاب والتطرف التى شوهت صورة الأديان والأوطان أمام العالم شرقا وغربا، وقد وضح لكل مراقب متابع أن مصر تحرص فى بناء علاقاتها الخارجية على التعاون المشترك مع الجميع فى إطار من السعى الحقيقى نحو السلام العالمى من دون طموح لتوسع أو سيطرة تبعد بنا عن خطاب الأديان والأخلاق؛ فالجميع يحتاج بعضهم إلى بعض وقد أضحى التعاون والتكامل بين الدول فريضة فى ظل المتغيرات العالمية المعاصرة، و فى الخريطة الأخلاقية الدينية ليس هناك تمييز بين الدول فالكل فى دائرة حق التعاون والتواصل والحوار سواء. وتأتى القضية الأهم والأبرز والأخطر فى أجندة الزيارة التى تقدم فيها مصر من خلال دار الإفتاء ووليدتها العالمية «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم» تجربتها وهى مواجهة الخطاب المتطرف الذى يكتوى العالم كله الآن بنار آثاره شرقا وغربا، لا يسلم من تهديده أحد، فالمملكة التايلاندية تتخوف كغيرها من بلاد جنوب شرق أسيا من انتشار صوت التطرف أو العنف، خصوصا بعدما توعد تنظيم داعش هذه المنطقة صراحة بالهجوم عليها، ووصل الأخطبوط الداعشى إلى تايلاند لينال من استقرارها وأمنها، وتشارك المؤسسات المصرية بتقديم تجربتها المتميزة فى الوقاية والمواجهة لهذا السرطان المستشري. ألقى فضيلة مفتى جمهورية مصر العربية محاضراته فى كبريات المحافل هناك، ومنها جامعة «جولالونجكورن» -أكبر جامعة فى العاصمة التايلاندية بانكوك، والتقى بسفراء الدول العربية والإسلامية فى تايلاند وهو فى هذا كله يجيب عن الأسئلة الحائرة فى أذهان الناس بجميع أديانهم عن الدين الإسلامي، وعن مصر، ويرد الشبهات التى تسبب فيها المتطرفون، ويشرح تجربة دار الإفتاء المصرية فى مواجهة أفكار التطرف. ودوائر صنع القرار فى المملكة التايلندية مصغية إليه، يقدرون قيمة ما يقول، ويرجون صياغة برامج عمل مشتركة للوقاية والعلاج. أما القضية الثانية وهى لا تقل أهمية عن سابقتها فهى واجبنا تجاه الأقليات المسلمة فى العالم، ومنها المسلمون فى تايلاند، ومملكة تايلاند بلد تتشوق إلى الوسطية، والوسطية الإسلامية مفتاحها من دون مبالغة مصر، وعلى قدر ما تتشوق مصر لتنويع علاقاتها شرقا وغربا، على قدر ما تحتاج تايلاند إلى من يمد مسلميهم بالوسطية فى الدعوة والتعليم والإفتاء، صحيح أن نسبة المسلمين فى تايلاند ليست أغلبية بل ولا هى نسبة كبيرة إلا أن شبح التوتر ولفترة طويلة على علاقتهم بغيرهم، لكن يبقى هناك سؤال عالق فى أذهانهم-كشأن كثير من الأقليات فى العالم- عن توافق انتمائهم لوطنهم الذى يحوى تركيبة من الأديان والمعتقدات ذات خصوصية مع انتمائه لدينهم، وكيف يطبقون أوامر الدين الحنيف بالتعايش والتعامل بالحسنى واحترام الإنسان؟ وكيف يعيشون بدينهم فى ظل عالم تكاثرت متغيراته؟ إنهم لا يجدون لذلك أحسن من مصر، وقد وضح ذلك فى مجلس فضيلة المفتى مع شيخ الإسلام فى تايلاند الذى طلب الاستعانة ب»الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم» لتدريب علماء الدين هناك مواجهة الفكر المتطرف والمشاركة الفاعلة فى تحقيق المقاصد الوطنية لبلادهم والمقاصد الإنسانية الراقية. وقد جاءت كلمات فضيلة المفتى مدوية واضحة عملية مقدمة للمبادرة: «إننا فى دار الإفتاء المصرية، وفى «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم» نعمل على إيجاد منظومة علمية وتأهيلية للقيادات المسلمة فى العالم، يكون من شأنها تجديد منظومة الفتاوى التى يستعين بها المسلم على العيش فى وطنه وزمانه، كما تُرسِّخُ عنده قيمَ الوسطية والتعايش». لقد آتت الزيارة ثمرتها دانية فقد تم الاتفاق خلال الزيارة على العديد من الآليات والبرامج للتعاون المشترك، تبدأ ببرامج التدريب لعلماء الدين الإسلامى فى المملكة التايلاندية، وبرامج لتأهيل الدعاة والمفتين على الوسطية المصرية الأزهرية فى الخطاب الدينى والإفتاء. (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104] لمزيد من مقالات د. ابراهيم نجم;